يعطي العرب واشنطن بلا طلب.. فتأخذ إسرائيل منهم المزيد! - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يعطي العرب واشنطن بلا طلب.. فتأخذ إسرائيل منهم المزيد!

نشر فى : الأربعاء 19 أغسطس 2009 - 10:27 ص | آخر تحديث : الأربعاء 19 أغسطس 2009 - 10:27 ص

 لا مجال لحصر المفارقات الموجعة فى الحياة السياسية العربية، إن صحت نسبة هذه التحركات المرتجلة لأهل النظام العربى إلى السياسة.

ففى حين ينتشر الموفدون الأمريكيون بقيادة الرئيس باراك أوباما وبمشاركته أحيانا، فى مختلف أرجاء العالم، مع تركيز واضح على المنطقة العربية يطلبون المساعدة فى إيجاد مخارج من مآزق تورطهم العسكرى فى كل من العراق وأفغانستان،
.. وفى حين يفرض التطرف الإسرائيلى على الرئيس أوباما أن يسحب مقترحاته المرتجلة حول مشروع «دولة» فلسطينية ما على بعض الأرض الفلسطينية المحتلة ــ يصادر وحوش المستعمرين المزيد من أراضى الفلسطينيين ويزرعون فيها أعلامهم توكيدا لقرارهم بمصادرتها..

فى هذا الوقت بالذات يتقاطر المسئولون العرب فى رحلات مبايعة وتأييد للإدارة الأمريكية، معلنين استعدادهم لتلبية أى طلب وكل طلب مقابل أن يحظوا بدعمها ومساعدتها على مواجهة المآزق التى تحاصر أنظمتهم داخل بلادهم.

ومع أن معظم الدول العربية قد اتخذت إجراءات صارمة تحد من سفر رعاياها إلى الأراضى المقدسة لأداء مناسك الحج والعمرة فى المسجد الحرام فى مكة المكرمة، حرصا على سلامتهم ومنعا لتعرضهم للإصابة بوباء إنفلونزا الخنازير، فإن قادة النظام العربى المحصنين ضد الأمراض يتابعون رحلات حجهم السياسى إلى البيت الأبيض فى واشنطن واثقين من تحصينه ضد الأوبئة.

بعض القادة العرب يذهب إلى سيد البيت الأبيض طالبا مساعدته لحسم مشكلاته مع دول الجوار، وبعضهم يذهب إليه بمشكلته الخاصة طالبا مساعدته «لتصحيح» الأوضاع داخل «دولته»، سواء بتفريج كربتها الاقتصادية، أو بتعزيز قدراتها العسكرية لتواجه أطماع الجيران، وأحيانا لتأكيد دعمه النظام فى وجه الطامعين بالقفز إلى السلطة بوصفهم الأقرب إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، بينما أهل الحكم محسوبون على الإدارة السابقة.

الكل يطلب مساعدة واشنطن فى حين أن الإدارة الجديدة فى البيت الأبيض تعيش حالة من الاضطراب الشامل، بعد انقشاع غشاوة الانبهار بالرئيس الأسمر الشاب وحيويته وفصاحته وقدرته على مخاطبة الجمهور بلغة جديدة لم يألف سماعها ممن يشغل الموقع الأول فى النظام الأمريكى، قبل أن ينكشف عجزه عن اتخاذ قرارات مخالفة لما سبق أن اعتمده سلفه جورج بوش، تحت لافتة المصالح القومية للإمبراطورية الأمريكية العظمى.

فلقد غدت مشكلة السلطة ومستقبلها فى العديد من الأقطار العربية تتقدم على الأزمات التى يمكن اعتبارها وطنية أو قومية، وفى الطليعة منها ــ على سبيل المثال لا الحصر
التداعيات المنطقية للاحتلال الأمريكى للعراق، بكل الآثار المدمرة التى نجمت عنه، إن لجهة الخراب الشامل الذى أصاب بنية الدولة فى هذا البلد العربى الغنى بموارده الطبيعية، والذى كان مؤهلا ليشكل قاطرة التقدم العربى نحو المستقبل..أو لجهة التداعيات المنطقية لاحتمال انسحاب قوات الاحتلال الأمريكى من العراق الذى يبدو هيكل دولته الآن متصدعا، ووحدة شعبه مهددة بالتمزق والنزعة الانفصالية عند أبرز قيادات الكردية مؤكدة بما يثير الاشتباه بأن الاحتلال يشجعها ويرعاها بل يحرضها على استكمال ملامح «دولتها» على حساب وحدة العراق، شعبا وكيانا سياسيا.

تتصل بذلك «التدابير الوقائية» التى ترى الأنظمة العربية المجاورة للعراق أن عليها اتخاذها حتى لا تلفحها نيران جهنم فتهددها فى كياناتها التى أنشأها القرار السياسى، وفى الغالب الأعم خلافا للطبيعة.

ربما لهذا تندفع دول الجزيرة والخليج إلى شن ما يشبه الحرب الوقائية على إيران.. إذ يفترض قادتها أن إسقاط النظام الإيرانى المصفح بالشعارات الإسلامية، أو إضعافه بحيث ينشغل بهمومه الداخلية، يمكنهم من حصر المضاعفات الناجمة عن احتمال تفجر حروب أهلية لا تنتهى فى العراق، تحت شعارات إسلامية متضاربة بما يذكر بالفتنة، الكبرى التى كادت تعصف بالدين الحنيف فى لحظة إشراقه كبداية لتاريخ جديد للإنسانية.

هل هو حول سياسى يأخذ هؤلاء القادة بعيدا عن المصدر الفعلى للخطر أم أنه تطوع لحماية الاحتلال الأمريكى للعراق والعمل لاستمراره بافتراض أنه عنصر حماية لأنظمة الجزيرة والخليج وضمانة استقرار، وذلك بتحويل ألسنة النار إلى الجهة الأخرى؟!.

بالمقابل فإن القضية الفلسطينية، ونتيجة للفشل العربى المدوى فى التصدى للجموح الإسرائيلى نحو السيطرة المطلقة على كامل هذه المنطقة، مفيدة من تفككها وتعطيل الإرادة الشعبية، قد تحولت إلى «مشكلة» لأهلها العرب بدل أن تكون مصدر أزمة مصيرية لهذا الكيان الطارئ والمزروع بالقوة فى الأرض العربية.

لقد جرى تقزيم القضية الفلسطينية، بأبعادها التاريخية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، واتصالا بمستقبل الوجود العربى فى هذه الأرض، أرضهم، إلى مجرد «مشكلة» ثم «أزمة»، وتم تغييب البعد العربى لتغدو وكأنها خلاف عقارى بين دولة عاتية، قدراتها العسكرية والاقتصادية غير محدودة، ونفوذها باتساع الدنيا كلها، وبين «مزق» من شعب مشرد، معظمه فى المنافى، وبعضه رهائن فى دول الجوار، ومن تبقى من أهله أسرى يتوزعون داخل كيان «دولة اليهود» أو من حولها فى «أرض» لا دولة لها، بل شبه سلطة بوليسية خاضعة للمحتل فى الضفة الغربية التى تلتهم المستعمرات الإسرائيلية ما تبقى لأهلها من أرضهم، أو محاصرة بالتجويع والاقتتال فى غزة، حيث لا فرق بين عربى وإسرائيلى إلا... بالتشدد والتفنن فى تضييق طوق الحصار على المليون ونصف المليون من أهلها الذين جاءوا إليها لاجئين بعد تهجيرهم من مدنهم وقراهم الفلسطينية.. فى الداخل!

كانت المرجعية العربية ذات يوم، للقمة العربية بوصفها «حكومة الحكومات العربية» ومصدر القرار فى مختلف «الشئون القومية»، وعنوانها قضية فلسطين..
ثم انفرط عقد الجامعة العربية وتهاوت مؤسساتها حتى صارت القمة العربية موضوعا للتندر، أو مناسبة لافتضاح أمر العجز العربى والتخلى عن القضية المركزية فلسطين..

وانصرف كل نظام عربى إلى همومه الثقيلة فى ظل تسليمه بهزيمته، فما عاد يعنيه إلا تأمين سلامته..

وكان طبيعيا أن تفيد إسرائيل من ذلك كله لتحييد الأنظمة العربية وإبعادها عن حومة الصراع، بدءا بمصر، ثم الأردن، وصولا إلى الدول البعيدة التى كان وهج الدم يسحبها إلى الميدان بقوة تعاطف شعبها مع فلسطين.

ثم إن إسرائيل أخذت تستفيد من صعوبة الأوضاع الداخلية فى كل بلد عربى، لاسيما الأقرب بالجغرافيا إليها، وبالذات مصر والأردن، لتحييد النظام فيه، بل وتجرأت أكثر فأخذت تطلب «نجدة» بعض الأنظمة العربية لمساعدتها فى تليين «التطرف» الفلسطينى، أو فى نصرة «الاعتدال» داخل الصف الفلسطينى ولو كلف ذلك مسلسلا من الحروب الأهلية الفلسطينية.

وها هم أهل النظام العربى يجتمعون الآن تحت راية «الجهاد» ضد الأصوليات الإسلامية فى البلاد العربية، بينما حليفهم الطبيعى(!!) هو الأصولية الإسرائيلية المتطرفة فى «دولة اليهود» المقامة بالقوة فوق أرض فلسطين، حيث المسجد الأقصى الذى بارك الله من حوله وحيث أسرى الله بعبده ليلا من البيت الحرام.
أغرب ما يمكن تسجيله فى هذا المجال أن إسرائيل قد نجحت فى توظيف «التطرف الإسلامى» لاستمالة «الاعتدال الإسلامى» إلى صفها.. وهكذا فقد رأينا إسرائيل تقاتل «حماس» فى غزة، بكل أنواع السلاح، فتحرق فيها المؤسسات والبيوت، والمدارس والجامعات والمساجد والملاجئ والمستشفيات، بينما أهل النظام العربى يدعمونها بشن حملة تشهير مقذعة ضد «التطرف الإسلامي» والنزعات الأصولية التى تريد إرجاع المسلمين إلى عصر الجاهلية!

من الصعب الافتراض أن زيارة الرئيس المصرى حسنى مبارك ستنتهى بنتائج باهرة: فلا الإدارة الأمريكية فى واشنطن فى وضع يمكنها من أن تعطى الكثير، ولا النظام فى مصر قوى بما يكفى، خصوصا إذا ما تم النظر إليه من داخل أحوال المجموعة العربية، لكى يمكنه أن يطلب الكثير، إلا فى ما يعنيه مباشرة.

من قال إن الإدارة الأمريكية، أية إدارة، تريد مصر قوية، مؤهلة على مواجهة التحديات، وأولها وأخطرها التحدى الإسرائيلى؟!

إن واشنطن بحاجة إلى مساعدة العرب، لاسيما أهل المشرق منهم، لكى تخفف من مأزق احتلالها فى العراق. وها هى تخرب كيانه ومستقبله بمساعدة عربية ثمينة، لكأنما معظمهم يرى فى عراق المستقبل خطرا أشد من الاحتلال الأمريكى، بكل تداعياته، وأخطر من الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين بكل انعكاساته المدمرة على الوجود العربى جميعا، فضلا عن أحلام التقدم العربى نحو السيادة والاستقلال والديمقراطية.

وها هى واشنطن تجافى السعودية لأنها لم تلب كامل مطالبها منها، فهى تحرضها على فتح أبواب الحرب مع إيران ثم توفد إلى طهران من يفاوض حكومة ولى الفقيه فيها.. وها هى تلعب مع سوريا لعبة هات وخذ: تطلب من دمشق الكثير، فى العراق ولبنان وفلسطين، دون أن تلبى لها الحد المقبول من مطالبها وحقوقها فى أرضها.

وعلى سبيل المثال: فإن واشنطن تفصل بين مطالبة سوريا بأرضها التى تحتلها إسرائيل فى الجولان، وبين ما تقوم به إسرائيل على أرض فلسطين وفى مواجهة مطالبة الفلسطينيين بالحد الأدنى من حقوقهم فى أرضهم، وتحاول أن تجرى قسمة ضيزى: أعطوا إسرائيل فى فلسطين لتأخذوا الحد الأدنى من حقوقكم فى الجولان. وهذا يعنى أن يعطى الجميع إسرائيل، تبرعا، ثم لا يأخذ أى منهم شيئا يستحق هذا العناء!.

أما لبنان فأمره متروك إلى ما بعد تسوية مشكلات «الدولة اليهودية» مع محيطها،ولسوف يظل وضعه معتلا وأمنه مهزوزا ليمكن استخدامه كورقة ابتزاز لأهله أولا، وبالتحديد مقاومته، ومن ثم للعرب جميعا.

إن كل مسئول عربى يفضل أن يذهب إلى التفاوض مع واشنطن وحيدا. يتنصل من شركائه فى المصير لعله يضمن استمرارية نظامه، ولو على حساب الآخرين..وهذا يضعف الجميع ويجعلهم رهائن لدى عدوهم الإسرائيلى.

ولن يعود أى مسئول عربى من واشنطن «منتصرا» ومثقلا بالهدايا.. فالدول ليست جمعيات خيرية، وبالتحديد ليست الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، وكائنا من كان رئيسها، ولا إسرائيل على وجه التحديد، وسواء كان الحكم فيها للمتطرفين أو للأعظم تطرفا، ملجأ أيتام، أو دور رعاية للمسنين أو من جمعيات البر والإحسان.
المصالح هى جوهر الموضوع.

وليس العرب فى وضع يمكنهم من تهديد هذه المصالح، بل إنهم يتسابقون لحمايتها، وغالبا بلا طلب.

فلماذا ستعطيهم واشنطن ما سبق أن تبرعوا به لها من حق القرار؟!
ولماذا ستتبرع لهم إسرائيل بما انتزعته منهم بالقوة؟!

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات