أمريكا على صفيح ساخن - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا على صفيح ساخن

نشر فى : الجمعة 21 أكتوبر 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 21 أكتوبر 2016 - 10:00 م
«لأول مرة فى التاريخ علينا أن نختار بين السيئ والأسوأ» بهذه الكلمات استقبلنى صديق أمريكى فى مطار أورلاندو، ردا على سؤال روتينى كيف الحال؟ وعندما ابتسمت قال أنا أعلم أنك تشمت فى، لكن هذه هى الحقيقية؛ أنتم فى مصر لم تترددوا فى اختيار السيسى كبديل لمحمد مرسى، لأن محمد مرسى قدم حكم مصر للسيسى على طبق من فضة، بسبب سذاجته وعدم خبرته. وعندما جلسنا فى المساء على مائدة العشاء، قال: «ترامب لا علاقة له بالسياسة لذلك يؤيدونه حيث أنه لم يفسد سياسيا، وأنه سيأتى لكى ينظف البيت الأبيض من فساد الديمقراطيين ــ كلينتون وأوباماــ بينما تعتبر هيلارى امتدادا لهذا الفساد؛ ففى عصر الديمقراطيين أصبحت أمريكا هى الأضعف وفى ذلك اسأل بوتين». لقد وضح من تسريب إيميلات هيلارى، أنها ساهمت وبقوة فى غرس الدولة الإسلامية فى العراق والشام، وأن لها علاقة وثيقة بالإخوان وهى مقتنعة تماما أن الإخوان ليسوا إرهابيين. ولولا علاقتنا بمصريين وبعض الدول العربية الأخرى لكنا خدعنا من هيلارى؛ لأنها استخدمت حنكتها السياسية فى تدمير الأخلاقيات التى بنيت عليها الحضارة الأمريكية. فى ذات الوقت نحن نرفض ترامب لاندفاعه وعدم حنكته السياسية وعنفه، لذلك نقول إننا نختار بين السيئ والأسوأ، أو بتعبير آخر نحاول أن نختار الأقل سوءا».

***

انتقل الحديث بعد ذلك إلى المناظرات الرئاسية، وهنا تذكرت المناظرة التى تمت بين عبدالمنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، فى أول انتخابات ديمقراطية حقيقية فى التاريخ المصرى، وقلت لقد كان رد فعل المصريين للمناظرة سلبيا بشكل ملحوظ، لأنهم لم يتعودوا على مثل هذه المناظرات، كما أن الاثنين أيضا فشلا فشلا ذريعا فى التعبير عن نفسيهما بطريقة يقبلها الناس؛ لقد هاجما بعضهما بعضا بقسوة على طريقة المناظرات الأمريكية والتى لا تقبلها طبيعة المصريين وتعتبرها «بهدلة وقلة قيمة»، وكان عليهما أن يقدما مناظرة على الطريقة المصرية التى تضع اعتبارا لمكانة الأشخاص والاحترام المتبادل.

أجاب عندك حق ونفس الأمر حدث فى أمريكا وتطور منذ عام 1960 بعد اختراع التليفزيون مباشرة، وكانت المناظرات إحدى نتائج هذا الاختراع المذهل. وأول مناظرة فى التاريخ كانت بين «ريتشارد نيكسون» الجمهورى ومنافسه «جون كيندى» الديمقراطى، ولقبت هذه المناظرة بـ«مناظرة الحوار التصادمى» بسبب الانتقادات الحادة التى وجهها كل طرف للآخر، ولأنها كانت أول مناظرة فى التاريخ، رفضها الكثير من الأمريكيين – كما حدث فى مصر، لدرجة أن البعض طالب بإلغاء مثل هذه المناظرات، لكن لأن أمريكا بلد الفرص والاستثمارات صارت هذه المناظرات من أكثر الظواهر جاذبية وسحرا حتى من المسرح والسينما لدرجة أنه رصد فى إحدى المناظرات أكثر من مائة مليون مشاهد. ولقد أصبح لكل مرشح فريق يدربه على طريقة الكلام والوقوف والحركة أمام الكاميرا والملابس التى يرتديها.. إلخ.

الجدير بالذكر، أن هناك من خسر الانتخابات ليس لضعف فى برنامجه الانتخابى أو حتى لضعف فى شخصه، لكن لأنه صدرت منه حركة لم تعجب الجماهير، ومن أشهر هؤلاء جورج بوش الأب الذى نجح فى دورته الرئاسية الأولى وفى الدورة الثانية عام 1992، وكان منافسه بيل كلينتون. لقد كان جورج بوش الأب واثقا تماما من فوزه فلم يهتم بحركته وطريقة وقوفه وجلوسه أمام الكاميرا، مما جعل الجماهير ترفضه وخسر بامتياز، وكانت الحركة التى أطاحت به هى تطلعه للوقت عبر ساعة يده عدة مرات؛ مما ترجم على أنه غير مهتم، ويرى أنه يضيع وقته مع مثل هذا المرشح الأصغر سنا قليل الخبرة بل واستخفافه به. هكذا أعطته الجماهير درسا لا ينسى وهكذا أيضا لم تكن خسارته لأسباب موضوعية سياسية لأنه ببساطة كان الأقرب للفوز.

هنا وبمناسبة الساعة تذكرت وذكرت لصديقى لقاء الرئيس محمد مرسى بالمستشارة الألمانية، أثناء زيارته لألمانيا، وكيف أنه أمام عدسات التليفزيون وملايين المشاهدين، أخذ ينظر إلى ساعته عدة مرات أثناء إلقاء المستشارة الألمانية ميركل خطابها للترحيب به أمام الصحفيين، وكيف أن هذه الحركة كانت مثار سخرية من الشعبين الألمانى والمصرى. ولكى يدافع عن نفسه أمام المصريين والعالم العربى قيل أنه كان يريد أن يصلى الظهر حاضرا، وهذه كانت نكتة لأنه تبرير غير منطقى حتى لأكثر الناس تدينا.

***

استكمل الصديق حديثه بالقول أنه عندما كان «آل غور» مرشحا منافسا لـ «جورج دبليو بوش»، وبينما كان جورج يشرح برنامجه الانتخابى تثاءب عدة مرات وفى كل مرة كان المصور يركز الكاميرا عليه، وكان هذا أحد الأسباب الهامة فى خسارته. علقت قائلا:« هل تعلم أن هذه الأمور نقدمها للمبتدئين فى علم «وسائل الاتصال» لتدريبهم على الخطابة ومواجهة الجماهير، ونحذرهم من التثاؤب فى وجه الجماهير أو النظر للساعة من وقت لآخر أو رفع أصبعهم السبابة أمام أعينهم لتحذيرهم كالأطفال ومع ذلك ينسون ذلك بمجرد تخرجهم. فضحك بصوت عالٍ وقال على الجماهير فى هذه الحالات أن تنفض من حولهم»، وأضاف أن مذيعى التلفزيون يفعلون ذلك أحيانا وفى أمريكا يحاسبون بشدة على ذلك. قلت فى مصر نادرا ما يحاسبون على مثل هذه الأمور التافهة؛ فإصبع الرؤساء والوزراء والمذيعين والوعاظ والخطباء تكاد تفقأ عيون مستمعيهم.

قال فى أمريكا ولأن مساعدى الرؤساء بهذا الشأن يغضبون لأن رؤساءهم لم ينفذوا تعليماتهم، يعلنون بعد كل مناظرة عدد المرات التى لم يراع المشتركان فى المناظرة قواعد التواصل، لكى يبرؤا أنفسهم. أما خسارة نيكسون صاحب فضيحة ووترجيت فقد شرح أن سبب خسارته أمام جون كيندى الشاب لسببين؛ الأول أنه دافع عن سياسة دوايت إيزنهاور رئيس الولايات المتحدة، أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان ضمن فريقه، وهنا استغل كيندى هذا الأمر بذكاء، وبدأ فى سرد أخطاء حكم إيزنهاور وأعلن للناس أنه سيفعل عكسها تماما لصالح الشعب الأمريكى. أما السبب الثانى هو أن القاعة كانت حرارتها مرتفعة بسبب كثرة الكاميرات التلفزيونية المسلطة على وجهه، وأنه يعانى من كثرة العرق المتصبب؛ لذلك كان يجفف عرقه بصورة مستمرة ومتتالية وقد فسر الجمهور هذه الحركة بأنها خوف واضطراب نفسى من نيكسون.

***

قلت حدثنى عن المناظرات الثلاث التى عقدت بين هيلارى وترامب. قال إن المناظرات توضح حنكة هيلارى وهى تعد ذاتها إعدادا قويا من ناحية المعلومات وكيفية تدفقها وكيف تبدأ ومتى تنتهى. أما ترامب فما يجذب الناس إليه تلقائيته وشفافيته وقد فاض الكيل عند الأمريكيين من السياسيين المحنكين الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، وهذا ما يرجح موقف ترامب إلا أنهم فى النهاية يعلمون ما الذى يمكن أن تقوم به هيلارى لأنها «عشرة قديمة» مع الشعب الأمريكى؛ حيث تدرجت فى المناصب السياسية وكانت السيدة الأولى أيام فضيحة كلينتون ومونيكا المتدربة، وكان موقف هيلارى واضحا وأعصابها حديدية، ثم كوزيرة خارجية لأوباما فى دورته الأولى فهم يعلمون أنها على علاقة طيبة مع الإخوان والأقليات فى الولايات المتحدة وهى تشجع الهجرة لأمريكا. أما ترامب فهم لا يعلمون ما الذى يمكن أن يفعله إلا أنه اختار نائبا له جاك بيتس، وهو محنك ومعروف بأمانته وشفافيته، وهذا دليل على أن ترامب يريد أن يصحح أوضاعا كثيرة وأنه مدرك محدوديته السياسية، لذلك قرب إليه مستشارين من النوع الثقيل والنظيف.

***

جاء بعد ذلك سؤاله من الذى تفضله مصر؟ قلت إن هيلارى لعبت بقذارة فى السياسة المصرية قبل الربيع العربى وأثنائه وبعده، وهى صاحبة فكرة حكم الإسلاميين للمنطقة، ويقال أنها هى التى ضغطت على المجلس العسكرى لإنجاح مرسى. هذا فضلا عن أن ترامب تحدث عن السيسى كشخصية استثنائية وأنه يحترمه، لذلك اعتقد أن معظم الشعب العربى الفاهم وخاصة فى مصر يتمنى فوز ترامب لكى يبدأ بداية جديدة مع رئيس جديد لم يتورط فى خطايا الشرق الأوسط كما كلينتون. قال المرجح فى النهاية بعد الماراثون الطويل فوز هيلارى، لأنها امرأة ومحنكة، ولأن الأمريكيين يقولون «اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش»، ونحن ليس لدينا رفاهية التجريب لكن تجربة أوباما الفاشلة تصب فى صالح ترامب. فى النهاية اتفقنا على الانتظار دون توقع فأمزجة الشعوب يمكن أن تتحول ليس من يوم لآخر بل من ساعة لأخرى.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات