كائن أسطورى بشنب - محمد علاء الدين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كائن أسطورى بشنب

نشر فى : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 1:50 م | آخر تحديث : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 1:50 م

في أيام طفولتي، عندما كانوا يقولون «فلان قلش»، فهم يقولون إنه أخطأ بتوجيه الكرة، ثم تطور الموضوع إلى نكات مثل «لسانه قلش»، «القلش» عامة كان يعني السماجة وثقل الظل وغير قليل من اللزوجة وبعضا من التناحة، ثم لأفاجأ في بدايات الرجولة أن اللفظ أصبح يعني أي نوع من المزاح، «القلش» أصبح اسم خفة الدم، وأصبحت عبارة «أنت بتقلش» معناها «أنك تمزح»، وكشخص وقع في هذا الإفيه الوجودي، بولادته في آخر سنين السبعينيات، صار لدي هذا الألم الذي يفصح عن نفسه حين أقول لأحدهم بألم وبدرامية «أنا بقلش؟ أنا؟».

ومن باب الحكمة، قد يكون الموضوع يحتوى بعضا من السخرية المحببة من السخرية ذاتها، يجوز من أناس فقدوا بعض القدرة على السخرية هم ذاتهم، فاكتفوا بموقف متعال عليها، كان هناك سؤال يحيرني قبل ما حدث في ٢٠١١: إلى أين ذهب النكات؟ بدا أيامها أن النكت قد اختفت، وكل ما يمكننا فعله هو استحلاب مجموعة نكات ظهرت في أواخر التسعينيات، ولمن كانوا في الجامعة أيامها مثلي، فهم يمكنهم تذكر مجموعة من النكات العبثية، التي لا بد وأن يتيه بها «بيكيت» فخرا، والتي تبدأ غالبا بعبارة: «كائن أسطوري بشنب قابل كائن أسطوري من غير شنب»، أو النكات عن وضع أربع أفيال في عربة فرلكس فاجن. قبلها كانت مجموعة نكات الببغاوات، والتي لا بد وأن تلقى بأداء صوتي ما، لا يمكنك نسيان نكات التجديف التي تدور عادة في عوالم الشيوخ والقساوسة وغير ذلك، والتي يمتعض منها أصدقاؤنا الإسلاميون أو المتحفظون، والتي تميزت بخاصية لا يمكن فهمها أبدا؛ يمكنك أن تجد نكتة تجدف في الذات الإلهية، ولا يمكنك العثور على نكتة واحدة تتناول النبي.

في هذه الأيام، في عام ٢٠١٠ تحديدا، كنا جميعا غاضبين، تقريبا.

وإلى لآن لم أسمع نكتة جديدة، ولكن كما تحول القلش لاسم للمزاح، فقد وجدنا الجد يتحول هو ذاته لهزل: رقم أربعة يتحول إلى خمسة، سيدة ملهوفة تهتف بالماريشال المحبوب أن يأخذ خضرواته معه إلى نيويورك، وكيل سابق للمخابرات- أو هكذا يدعي- يقول إن الجنرال الأصلع، داهية المخابرات الذي اختفى في الجب، قد طرد ديك تشيني من مكتبه وربما منحه صفعة فوق صلعته أيضا، قبلها أسرنا قائد الأسطول السادس الأمريكي، وقبل قبلها اتهمنا أبلة فاهيتا بالتآمر على مصر وقبلها بطة بالتجسس.

وعلى ذكر البط، يظهر لنا الحاج "برهامي" ليحذر من تعليق صور بطوط في غرف نوم الأولاد، وأن احتضان الدمى أثناء النوم جائز بشرط أن يكون ذلك مؤقتا، وجدت موقعا على شبكة الإنترنت للواء في الهيئة الهندسية في القوات المسلحة يجادل بأن اسم خوفو الحقيقي هو خيري.

لم يعد هناك مجال حقيقي للنكات، ربما، في وسط كل هذا الجد. لم يعد هناك مجال ألا لنعود غاضبين، لم يعد هناك أي مجال سوى لتزايد عدد المشردين الذين ينامون فوق دكك ميدان عبد المنعم رياض في الليل. ربما أيضا لم يعد هناك مجال إلا انقطاع الكهرباء وضرب الناس في قرى الصعيد، لم يعد هناك مجال إلا لحبس يارا سلام وأحمد دومة وسناء سيف ومحمد سلطان وغيرهم كثيرون، لم يعد غير هذا وغير ذلك من مظاهر التضحية لمصر العظيمة. تحيا مصر. يحيا الكائن الأسطوري ذو الشنب.

وفي أثناء كل هذا، يغادرنا يوسف عيد.

محمد علاء الدين روائي مصري
التعليقات