الخروج على وش الدنيا - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخروج على وش الدنيا

نشر فى : الأحد 25 أبريل 2010 - 10:28 ص | آخر تحديث : الأحد 25 أبريل 2010 - 10:28 ص

 أكاد لا أصدق أن مسئولا حكوميا رفيعا، وضعته الظروف فى موقع يتحكم بمقتضاه فى أقدارنا، يستطيع بمنتهى الشجاعة أن يدافع عن حد أدنى للأجور فى مصر يبلغ 450 جنيها. ويتهم الذين يطالبون بأن يكون عند 1200 جنيه بأنهم لم يتعلموا اقتصادا من قبل، ولم يعرفوا المعايير الاقتصادية والدراسات الدولية التى يستند إليها مسئولونا الذين تعلموا الاقتصاد من أهله فى الجامعات الأمريكية والبريطانية.

وربما يكون السيد الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية محقا فى أن بعضا من الذين ينادون بهذا الحد الأدنى، الذى يراه مبالغا فيه، لم يدرسوا اقتصادا بالفعل.

ولكن إذا كان الذين تعلموا الاقتصاد قد أوصلونا إلى ما نحن فيه، فليذهب علم الاقتصاد من أوله إلى آخره للجحيم غير مأسوف عليه.
فهل علم الاقتصاد يقول لنا إن جهازا مثل «التعبئة العامة والإحصاء» يقوم بإعداد بحث الدخل والإنفاق كل 5 سنوات ويكلف عددا كبيرا من الباحثين يجوبون البلاد بطولها وعرضها ويدخلون بيوت 48 ألف مصرى ليخرجوا لنا بإحصاءات حول معدل الفقر فى مصر، ثم نتجاهله تماما، ولا نأخذه فى اعتبارنا عند التفكير فى وضع حد أدنى للأجور.

فإذا كان جهد هؤلاء الناس قد أسفر فى البحث الأخير عن أحوال المصريين فى ما بين عام 2004/2008 عن أن حد الفقر فى مصر يبلغ 205 جنيهات فى الشهر للفرد. وهذا الحد يعنى، فى تعريف جهاز الإحصاء، أن هذه الجنيهات هى ما يصرفها الفقير لكى يبقى بالكاد على قيد الحياة فقط. أى هى ما يستطيع بها البنى آدم الفقير أن يحصل على ما يسد رمقه من أرخص أنواع الأكل، وما يستر عورته من أردأ أنواع اللبس، وما يحميه تحت سقف وأربعة حيطان مايله.

أى أن الـ205 جنيهات هى التى تكفى فقط لتوفير أسوأ أنواع المأكل، والملبس، والمسكن فقط، دون دفع فاتورة للكهرباء، أو لمياه الشرب، وطبعا هذه الجنيهات غير شاملة لتكلفة المواصلات، ولا لمصاريف التعليم، ولا لدفع مقابل العلاج. وهذه المعايير ليست من اختراع هؤلاء الذين لم يتعلموا الاقتصاد إياهم، ولكن هى المعايير التى استند إليها الباحثون الذين عملوا فى بحث الدخل والإنفاق فى جهاز الإحصاء طبقا لما أعلنه اللواء أبوبكر الجندى رئيس الجهاز نفسه.

فهم يحسبون خط الفقر عن طريق معرفة الأموال التى تلزم للإبقاء على حياة الفقير قبل حافة الموت. وبحسبة بسيطة يصبح حد الفقر للأسرة فى الشهر طبقا لجهاز الإحصاء (الحكومى) هو 820 جنيها. استنادا إلى أن كل واحد فى مصر يعول أربعة أفراد.

أى أن هذه الجنيهات (820 جنيها) وهى التى تقترب من الضعف عما حدده الدكتور عثمان كحد أدنى للأجور فى مصر وهو (450 جنيها) لا تكفى إلا لكى تتنفس الأسرة، بدون كهرباء، ولا مياه، ولا تليفون لا محمول ولا غيره، ولا مواصلات تنقلها إلى مكان العمل، ولا علاج لمريض لديها، ولا تعليم لفرد واحد منها، ولا لإدخال وصلة دش مسروقة، ولا حتى لشراء تليفزيون أبيض وأسود.

أى أن الدكتور عثمان وهو الذى استكمل تعلم الاقتصاد فى الخارج يرى أن الحد الأدنى للأجور فى مصر يجب أن يكون أقل من الحدود التى تسمح للبنى آدم بالتنفس، أى ما يبقيه بين الحياة والموت يصارع من أجل البقاء فقط. ما أتعسه ذلك العلم الذى يذهب بنا إلى أن نطالب للناس بأن يحصلوا على أجر لا يكاد يكفيهم إلا للعيش عند مرحلة طلوع الروح.

هل وصل بنا الحال بدلا من ننتفض ضد أوضاع الفقراء، ونطالب لهم بالخروج على وش الدنيا بعيدا عن ذلك الخط اللعين الذى لا يعطيهم سوى حق الشهيق والزفير فقط. وبدلا من أن نطالب لهم بأن يحصلوا على الحق فى ركوب الأتوبيس، أو رفاهية الذهاب إلى المستشفى، أو فشخرة الحشر ضمن 50 تلميذا فى مدرسة ابتدائى آيلة للسقوط، أو الفوز برشفة من كوب مياه نظيف يكفيهم شر الفشل الكلوى، نجد من يطالب بأن يصبح الحد الأدنى للأجر فى مصر هو أقل من هذا الحد المهين. ويصبح الحق فى التنفس هو أقصى المراد من رب العباد بالنسبة لأغلبية المصريين.

أهذا ما تعلمه مسئولونا من علم الاقتصاد؟. إذا كان هذا بالفعل ما تعلمونه، فليذهب هذا العلم إلى الجحيم، وليذهبوا هم إلى غير رجعة.
okamal@shorouknews.com


أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات