سرعان ما انتبهت السينما إلى كل ما تتمتع به رواية أرض النفاق من سحر وقام أبو السعود الإبيارى بتحويلها إلى فيلم عرض عام 1950 من إخراج نيازى مصطفى، وكانت هذه بداية للتعامل الكثيف جدا بين الأدب والسينما حيث اتجهت النوايا إلى الأدب المصرى ولمعت أسماء بعينها منهم السباعى وإحسان عبدالقدوس وعبدالحليم عبدالله وغيرهم وذلك قبل تحويل أى رواية من أعمال نجيب محفوظ إلى فيلم، الظاهرة غريبة لكن كاتب السيناريو لا يرى إلا نفسه فى المقام الأول بمعنى أن الإبيارى قد أخذ القشور فقط من أرض النفاق التى تحولت إلى فيلم باسم أخلاق للبيع، والفكرة فى حد ذاتها متألقة بدليل أن كتاب السيناريو ظنوا يرجعون إليها حتى يومنا هذا ويقومون بتنويع الحكاية فى السينما والتلفزيون، وكل ما فعله الإبيارى هو أن الإنسان صار فى إمكانه أن يشترى من المحل المجاور حبوبا للشجاعة وأخرى للمروءة من الأخلاق، وفى الرواية فإن الأحداث تجرى على لسان رجل غير متزوج وهو ليس فى حاجة إلى الزواج لأن ما تفعله به الحبوب كاف لشغل وقته وتجعله يتصرف بما يناقض أفكاره، أما الفيلم فقد اتجه إلى زاوية بعيدة تماما فالشاب أحمد موظف متزوج من أمينة التى تحبه، ويحتفل بمرور عام على الزواج، وهو يعيش فى شقة حماته التى تؤلب ابنتها ضد زوجها وتحول حياته إلى نكد، ومن خلال المشاهد الأولى للفيلم يحكى أن الشاب هذا يفتقد إلى الشجاعة ويحتاج إلى المروءة، وهناك قصص إضافية كثيرة عن شخصيات تعيش حياة أحمد مثل صديقه بلبل وجارته اليونانية، وتستمر الحكايات حتى يجد الشاب نفسه يدخل إلى حانوت يبيع الأخلاق، ويكتشف أن جميع الأخلاق الحميدة لا تباع وأنه يعيش فى أرض النفاق ويضطر إلى أن يتناول حبوب الشجاعة التى تكفيه عشرة أيام، وتبدأ ظهور نتائجها عليه فيصطدم بمديره بالعمل الذى طالما تملقه، كما يصطدم بحماته التى تؤرق عليه حياته ويصطدم أحمد بالواقع والملاحظ هنا أن كاتب السيناريو قد تجاهل تماما الجانب السياسى التى ارتكزت عليه الرواية، وباعتبار أن الرواية تدور أحداثها فى عام 1948 فإن الشجاعة تنتاب أحمد وهو يعلن مواقفه المضادة ضد سياسات جامعة الدول العربية خاصة فى حرب فلسطين، ولكن الإبيارى حريص دوما على عدم الاقتراب من السياسة فصنع فيلمه الخاص وأراح دماغه رغم أن قوة الرواية تنبع فى مواقف وآراء البطل فيما يحدث سياسيا، على الأقل عربيا، وفى الفيلم فإن أحمد لم يحتمل أن يكون شجاعا أكثر من يومين وذهب ليتناول حبوبا بديلة تجعله رجل المروءة، ويمكن أن نقول أن هناك بعض التشابه بين رجل المروءة فى الفيلم والرواية، ففى القصة يذهب الرجل لزيارة بعض الفقراء وتجعله أخلاقه يتبرع بجميع ما يلبسه وما معه للأسرة الفقيرة وفى الفيلم فإن أحمد يتبنى مجموعة من الأطفال يذهب بهم إلى بيته وأماكن أخرى لرعايتهم.
السيناريو اختار الحل البسيط الساذج عندما يخبر بائع الأخلاق «على الكسار»، الشاب المندفع أنه ليس هناك أبدا حبوب للأخلاق وأن ما ما حدث كان بتأثير الإيحاء، ويعنى هذا أن الفيلم قد قام بتفريغ الفكرة كلها من فحواها حتى وإن كانت الحماة أم أمينة قد صارت امرأة فاضلة بعد تناول الحبوب، وتحسنت علاقتها بزوج ابنتها ومن حولها ثم تزوجت برجل عجوز.
الغريب أن أرض النفاق الكتاب قد تغيرت تفاصيله تماما فى كل الأعمال التى شاهدناها فى السينما والتليفزيون، رغم تعدد كتاب السيناريو والمخرجين، ويمكن أن نحسب لهذا الفيلم أنه كان بمثابة فتح لدخول أدب الشباب فى تلك الفترة إلى السينما وهم العدد الأكبر من أدباء مصر الذين أكسبوا حكايات الأفلام أفكارا ومواقف اجتماعية وسياسية وفنية جعلت الحياة الفنية تتوازن بشكل ملحوظ.