أين أيقونات العرب بعد فيروز وطه حسين وأم كلثوم؟ - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أين أيقونات العرب بعد فيروز وطه حسين وأم كلثوم؟

نشر فى : الأحد 27 سبتمبر 2020 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 27 سبتمبر 2020 - 9:00 م

نشر موقع قنطرة مقالا للكاتب خالد الخميسى، يجيب فيه عن تساؤل الكثيرين ــ بعد انتشار صورة فيروز مع الرئيس الفرنسى ــ وهو هل لدى العرب اليوم نجوم فى وزن فيروز وطه حسين، وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب؟... جاء فيه ما يلى:
لماذا لم تبزغ نجوم فى قامة عمالقة العرب على غرار فيروز وطه حسين وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب؟ هل لدينا اليوم فى مجال القصة القصيرة من فى قامة يوسف إدريس؟ وفى مجال الرواية من فى قامة نجيب محفوظ؟ وفى مجال المسرح من فى قامة توفيق الحكيم؟ وفى مجال الصحافة من فى قامة محمد حسنين هيكل.
وفى السينما من فى قامة صلاح أبوسيف؟ وفى مجال النحت من فى قامة مختار؟ وفى الفن التشكيلى عبدالهادى الجزار؟ وفى مجال الفكر لويس عوض؟ وفى الشعر أمل دنقل؟ وفى العلوم د. على مصطفى مشرفة؟ وفى مجال الاقتصاد طلعت حرب.
الإجابة بالنفى فى كل هذه المجالات.
هل تعد هذه الأسئلة جلدا غبيا للذات؟ وهل هذا النفى مجرد حالة عدم إبصار للموجودين على الساحة؟
لا أظن.
لم يلق كتاب فى الخمسين عاما الماضية الأثر، الذى أحدثه «فى الشعر الجاهلى» لطه حسين حين صدوره عام 1927؟
إذن ما السبب؟ هذا أمر غير منطقى. فهناك بالتأكيد أصوات شابة يمكن أن توازى أصوات فيروز وأم كلثوم وليلى مراد وأسمهان. فلماذا لا تظهر تلك الأصوات؟ أين الملحنون فى قامة السنباطى وبليغ والموجى والقصبجى؟
***
هناك أسباب عديدة، دعونى أحاول إلقاء الضوء على بعضها:
أولا: المدينة ــ الحيز المكانى:
تلعب أى مدينة دورا بارزا فى عمليتى الإبداع والابتكار. تشكل البيئة المكانية، والعلاقات التى يتم خلقها داخل الحيز المكانى الحافز فى خلق الأفكار الجديدة. كما يمكن أن تلعب المدينة الدور العكسى فى قمع ظهور أفكار تحمل الجديد. لا تتعلق المسألة فقط بوجود نظام سياسى داعم للإبداع أم العكس.
دعونا نتتبع كيف أن مدينة مثل بودابست فى الربع الأول من القرن العشرين شكلت مجالا حيويا لظهور العديد من المبدعين العمالقة الذى أثروا تأثيرا كبيرا على مجريات القرن العشرين، يمكن أن أذكر منهم الفيزيائى «ليو زيلارد»، الذى كان من أوائل من طوّر تطبيقات للطاقة النووية منذ عام ١٩٣٣، و«جون فون نيومان» الرياضى والفيزيائى الذى كانت له إسهامات كبيرة فى ميكانيكا الكم.
كما يمكن النظر فى حالة الإسكندرية فى نفس الحقبة الزمنية وكيف أنها كانت أيضا مكانا لظهور الأفكار الجديدة، يمكن أن نكتفى بذكر «سيد درويش» و«بيرم التونسى» و«توفيق الحكيم» و«محمود سعيد» وبزوغ نجمهم خلال هذه الفترة الثرية فى تاريخ مدينة الإسكندرية.
وفرت الإسكندرية كمدينة جاذبة لجميع التخصصات من مختلف الجنسيات بيئة ثقافية ومادية مناسبة تسمح بأن يطور الإنسان أفكاره. فالإبداع لا يسقط من السماء، كتفاحة تقع فتظهر الفكرة. يحتاج الإبداع إلى توفر شبكة من البشر تمثل الحافز لتطوير الملكات. فسيد درويش قد احتاج إلى بديع خيرى، كلاهما احتاج إلى نجيب الريحانى. والثلاثة احتاجوا إلى عشرات غيرهم ليظهر إبداعهم للنور.
كانت مصر فى النصف الأول من القرن العشرين مكانا جاذبا للأرمن والشوام والإيطاليين واليونانيين وغيرهم. وإذا تتبعنا عالم السينما أو الموسيقى أو المسرح أو العالم الأكاديمى فسوف نجد عشرات من جنسيات مختلفة ساهموا جميعهم فى دفع هذه الفنون إلى الأمام. هكذا كان حال باريس ونيويورك فى الربع الأول من القرن العشرين، مدن جاذبة للفنانين.
هل توفر أى مدينة عربية هذا المناخ العام لخلق الأفكار؟
بالتأكيد لا توجد مثل هذه المدينة. الكيانات العلمية والثقافية مريضة وعجوزة ودون ميزانيات كافية. والنشاط التعليمى والفنى يفتقد للكثير من الآليات الحديثة الداعمة للإبداع. والتعليم المدرسى قائم على التلقين.
ثانيا: فتح المجال للأسئلة الكبرى
فى النصف الأول من القرن العشرين كانت مصر فى حالة فوران فكرى وثقافى. أسئلة حول الهوية، والسعى لاكتشاف أسرار الحضارة المصرية. أسئلة عن الانتماء لحضارة البحر المتوسط، أو الانتماء للدولة الإسلامية، أو الانتماء للحيز المكانى المتحدث باللغة العربية. طرح أسئلة جديدة، وظهور تيارات فكرية ماركسية وإسلامية وفاشية وغيرها. وبزغت الحركة النسوية، والحركة العمالية. كان هناك قبول عام فى محاولات النبش فى جسد التاريخ والفكر. داخل هذا المجال الداعم بشكل عام للحقوق المدنية، كان النقاش المجتمعى ممكنا، الأمر الذى أدى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية. وحتى فى حالات الإقصاء والترهيب وهو ما تم للشيخ على عبدالرازق بعد صدور كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، إلا أن الكتاب حقق ما صبا إليه مؤلفه، وأثرى حالة الحوار المجتمعى فى شأن الخلافة الإسلامية.
ثالثا: حالة انفتاح وتسامح أمام حالة انغلاق وتطرف:
قرأت منذ أيام خبر إصدار الرئيس الجزائرى قرارا يمنح فيه الجنسية الجزائرية لبيار أودان، نجل موريس أودان، وهو متخصص فرنسى فى الرياضيات وعضو الحزب الشيوعى الجزائرى الذى كافح من أجل استقلال الجزائر حتى قتلته قوات الاحتلال الفرنسى وهو عمره خمسة وعشرين عاما.
وقد أبدى العديد من الجزائريين اعتراضهم على منح الجنسية الجزائرية لفرنسى غير مسلم. وهو موقف يعبر بوضوح عن حالة الانغلاق والتطرف التى توصم نسبة كبيرة من الشعب العربى.
فى حين لو أننا قرأنا أغنية بوخمار خنفشار التى كتبها بديع خيرى ولحنها سيد درويش فسوف نجد الشامى والتركى والمصرى واليونانى حاضرة أصواتهم فى النص.
رابعا: دعم الطاقات الشابة
اختارت وزارة المعارف العمومية د. على مصطفى مشرفة لبعثة علمية إلى بريطانيا على نفقتها بعد أن أنهى دراسته فى دار المعلمين العليا. تفجرت ثورة 1919بعد أن حصل على شهادة فى الرياضيات. وعندما أبدى رغبته فى العودة إلى مصر قال له أحد قادة الثورة: «نحن نحتاج إليك عالما أكثر مما نحتاج إليك ثائرا». عاد د. مشرفة إلى مصر بعد أن حصل على الدكتوراه فى العلوم عام 1924 ليعمل أستاذا مشاركا فى الرياضيات التطبيقية فى كلية العلوم، ثم منح درجة أستاذ عام 1926 وقبل أن يتم الثلاثين عاما من عمره. ما نفهمه من حكاية د. مشرفة أن الرجل تم دعمه بشكل كامل منذ تفوقه فى المدرسة إلى أن أصبح أول عميد مصرى لكلية العلوم.
نعم ما زلنا نرسل طلبتنا للحصول على الدكتوراه فى الخارج، ولكن ليس هذا فقط هو نوع الدعم الذى تحتاجه طليعة العلماء والمفكرين. فطريق التقدم يحتاج إلى دعم متصل لمن يمتلك القدرة على السير الصعب نحو القمم. وهذا ما لا يتحقق منذ أن وعيت على الدنيا.
تصوروا معى عازفا ماهرا للقانون يعزف الروائع، فتحيطه فرقة حسب الله وتصدر عبر أبواق هائلة الحجم أصواتا عالية مزعجة، أو كيميائى يعمل على تركيبة جديدة ويدلق أحدهم لتر مياه على هذا الترياق. أو يكتب شاعر قصيدة فتنهمر فوقه ملايين الحروف التى لا معنى لها سوى كل رخيص.
هذا ما عايشته فكيف بالله يمكن أن تبزغ فكرة لامعة فى هذه البيئة المعادية للتفكير والإبداع؟

النص الأصلى

التعليقات