«تحت الوصاية».. نظرة في العمق - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تحت الوصاية».. نظرة في العمق

نشر فى : السبت 29 أبريل 2023 - 9:05 م | آخر تحديث : السبت 29 أبريل 2023 - 9:05 م
حقَّق مسلسل «تحت الوصاية»، من كتابة الثنائى شيرين وخالد دياب، ومن إخراج محمد شاكر خضير، نجاحا نقديّا وجماهيريّا كبيرا، بسبب قوة معالجته الدرامية، وبسبب تكامل عناصره الفنية، وفى قلب هذه العناصر أداء منى زكى الاستثنائى، لدور امرأة تحارب من أجل استرداد الوصاية على طفليها، بعد أن تعرضت للظلم، نتيجة وصاية الجد، وعدم حصولها على ما تستحق، من عائد مركب زوجها.

جاءت المعالجة شاملة لجوانب المأساة، قانونيّا واجتماعيّا ونفسيّا وإنسانيّا، نتابع خلالها رحلة الهرب الغريبة بالمركب، من الإسكندرية إلى دمياط، ورحلة بطلة الحكاية حنان لتغيير اسمها إلى ليلى، وإدارتها الشاقة لعمليات الصيد فى المركب، والصراع المستمر فى عالم الميناء، أو فى مواجهة عم طفليها، الذى انتقل فى مطاردتها إلى دمياط.

نتأمل بإعجاب بناء دراميّا مثل وتر مشدود، يبدأ من الذورة، بهروب حنان، ومحاولتها تغيير شكل المركب المسروق، مع تلخيص سبب هروبها فى شكل فلاشات قبل عناوين كل حلقة، على أن نبدأ من أول الحكاية، وننتهى إلى الذروة بالهروب، بينما تتطور حكاية الهروب نفسها إلى ذرى أكبر وصولا إلى القبض على حنان، والحكم بسجنها، فنصبح طوال الوقت فى صراعٍ مستمر ماضيا وحاضرا.

لمست المتفرج الشخصيات التى أجيد رسم معالمها، رئيسية ومساعدة، وأسرتنا كثيرا براعة المخرج فى اختيار أماكن التصوير الواقعية، ونقل تفصيلات عالم الصيد والصيادين، وبراعة اختيار كل الممثلين والممثلات.

لكننا نظلم المسلسل كثيرا لو قلنا إنه فقط عن مسألة وصاية الأم على أولادها وأموالهم، لأنه انتقل أيضا إلى أفكار أخرى مهمة، دون أن يتجاهل مسألة وصاية الأمهات، فى بعديها القانونى والإنسانى.

مسلسل «تحت الوصاية»، فى معناه الأعمق، يتحدث عن وصاية المجتمع الذكورى على المرأة، وعدم الثقة فيها من الأساس، وعدم اعتبارها مخلوقة قوية الإرادة، ومسئولة، وقادرة على أن تدير عملا صعبا مثل قيادة مركب للصيد، بل وأن تصبح «ريّسة» هذا المركب، باعتراف بحارتها، الذين كان معظمهم مستهينين بها.

وكان الثلاثى؛ شنّو وحمدى وعيد، أقرب إلى فكرة استغلاها على كل المستويات، حتى تغيرت نظرتهم إليها، عندما عرفوا حكايتها.

الحكاية بالأساس عن امرأة تستحق الاحترام، وبالتالى تستحق أن تكون مسئولة عن رعاية أولادها، وأموالهم، والوصاية عليهم.

وقد نجحت حنان فى أن تكون «ريّسة» مركبها، و«ريّسة» أسرتها أيضا، رغم الحرب الشرسة التى خاضتها، ورغم أنها تعرضت كالمعتاد للطعن فى شرفها.

يمكن النظر إلى حنان كشخصية تراجيدية نموذجية، أى تلك الشخصية ذات الهدف النبيل التى تخطئ الطريق فى سبيل تحقيق هدفها.

ولأن الشخصيات التراجيدية نبيلة بالأساس، ولأنها ليست سيئة أو باحثة عن الخطأ، ولكن ظروفها تدفعها لذلك، فإننا نتعاطف مع حنان، رغم أنها سرقت المركب، وبحثت عن هوية شخصية مزورة، وهى جرائم قانونية، ستدفع ثمنها فى النهاية بكل هدوء.

إلا أن تضحية الشخصية التراجيدية بنفسها، ودفعها الثمن الفادح كاملا، لا يشعر المتفرج أبدا بالراحة، ليس فقط بسبب التعاطف المسبق مع أمومتها وكفاحها ومنطقها فى رعاية أطفالها، وفى مواجهة ظلم أقارب زوجها، ولكن لأن المعالجة أخذتنا إلى فكرة أخرى مهمة، وهى مدى ترجمة القانون لفكرة العدالة.

تعيدنا حكاية حنان إلى تلك المسافة بين القانون والعدل، وهى مسافة نرى صداها فى أعمالٍ أدبية شهيرة، مثل رواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ، و«الجريمة والعقاب» لديستويفسكى، وهما روايتان من بطولة شخصيات تنشد العدل، ولكن بطرقٍ غير قانونية.

والشخصيتان، سواء سعيد مهران فى الرواية الأولى، أو راسكولينكوف فى الرواية الثانية، من أكثر الشخصيات إثارة للتعاطف من البداية حتى النهاية.

انتصر القانون بالقبض على حنان السارقة والباحثة عن بطاقة مزورة فهل تحققت العدالة؟ وهل استراح من طبّقوا القانون؟

لو أخذت الأسئلة إلى مداها فستجد نفسك أمام محاولة البحث عمن أصدر القانون؟ وما حيثيات منطقه الذى يحرم الأم من الوصاية لصالح الجد؟ وما مرجعية هذا القانون؟ هل حقق القانون العدل أم فتح أبواب مشكلاتٍ أكبر وأخطر؟ وهل القانون قدرٌ لا يمكن تغييره أم أنه يمكن أن يتغير ليحقق مقاصد العدالة والرحمة الأكثر شمولا من كل القواعد والقوانين؟

هذه المعانى الخطيرة حاضرة فى الدراما، بل إن هذا الخلل فى مسألة الوصاية، والظلم الناتج عنها، هما ما يدفعان حنان إلى هذا الهروب الخطر، وإلى تلك المشكلات القانونية، وإلى اليأس من العدالة الذكورية، التى رسخت منطقها فى شكل قانونى، والبحث عن «عدالة فردية بديلة»، ستقود حتما إلى مأساة، وهو نفس ما حدث فى لحظات يأس «سعيد مهران» و«راسكولينكوف».

هذه هى المعالجة الذكية التى انطلقت من الوصاية على الأم، إلى الوصاية الذكورية على المرأة، لأنها عاجزة أو لا يوثق فيها، إلى مناقشة فكرة القانون والعدل، ومساءلة ومراجعة مواد قانون لا يحقق العدل.

أنت الآن ترى الحكاية فى واقعها، وعبر أماكن وشخصيات حية نابضة، ليست أحادية الجانب، بل هى متغيرة ومتحولة، فالجار المدرّس والبحارة يتغير موقفهم، حتى العم والجد يتفهمان منطق حنان فى النهاية.

وأنت الآن متعاطف أيضا، سواء مع جسارة أم تنقذ ابنها وابنتها، أو مع قوة وجرأة امرأة تريد أن تنجح فى إدارة مركبها، وأن تثبت للجميع أنها قادرة على هذا النجاح، وتستحقه بجدارة.
القانون الذى يكرّس الظلم يجب تغييره.

وحنان حاربت من أجل طفليها، بنفس القوة التى حاربت بها من أجل استقلالها المادى، ومن أجل أن تعمل لحسابها، لا من أجل الآخرين.

لم يتركوا لها خيارا آخر، فسارت بلا تردد نحو مغامرتها، مثل أى شخصية تراجيدية، لا تتراجع أبدا، رغم توقعها للنهاية.

استحقت استعادة اسمها الجميل، حتى لو كان الثمن أن تدخل بسببه إلى السجن.
«متيسرة» بعد الخروج يا ست حنان.
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات