تصريحات نارية غاضبة وصلت لتهديدات بنشوب حروب طاحنة، وأخرى دبلوماسية واقعية عاقلة، وثالثة لم تخل من «فانتازيا» إن صح التعبير.. سبقت مفاوضات فيينا التى بدأت جولتها السابعة، صباح أمس، بين إيران والدول الغربية حول «اتفاق 2015» الذى ألغاه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، ويحاول الرئيس الحالى جو بايدن إحياءه من جديد، بعد أن أصبحت إيران على الطريق نحو امتلاك ما يمكن أن نسميه «نصف قنبلة نووية» مع إعلانها امتلاك 120 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب، تكفى بحسب تقارير غربية لصنع قنبلة نووية خلال عامين.
أكثر التصريحات سخونة صدرت من إسرائيل، كبار مسئوليها هددوا بقصف منشآت إيران النووية، أو القيام بأعمال استخباراتية ضدها، وتخصيص 1٫5 مليار دولار لهذا الغرض، باعتبار أن إيران هى التهديد الحقيقى لوجود إسرائيل، أما الدول الأوروبية الثلاث إنجلترا وفرنسا وألمانيا التى عارضت خروج أمريكا من الاتفاق عام 2018، أو بمعنى أدق لم ترحب به، فقد لاذت بالصمت طوال السنوات الثلاث الماضية، واكتفت بتصريحات تؤكد على اهتمامها بضمان أمن إسرائيل ضد أى تهديدات خارجية، وهو ما عبرت عنه بوضوح المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل خلال زيارتها أوائل الشهر الحالى لإسرائيل، فى الوقت الذى شددت فيه إدارة بايدن الضغوط على إيران، وطالبتها بايقاف تخصيب اليورانيوم فورا، ومراجعة خططها لتطوير الصواريخ بعيدة المدى التى من الممكن تحميلها برءوس نووية، فى حين أعلنت السعودية بشكل غير رسمى على لسان الأمير تركى الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية عن ضرورة امتلاك أسلحة نووية تواجه بها خطر القنابل النووية الإيرانية، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول جدية هذه النوايا السعودية، خاصة أن هناك تقارير صحفية سابقة تشير إلى تعاون ما فى المجال النووى بين المملكة وكل من الصين وباكستان!
أما إيران التى أعلنت أن كميات اليورانيوم المخصب التى أنتجتها أخيرا، مخصصة فقط كوقود لإجراء الأبحاث وليس لصنع قنابل، وان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى أصدر فتوى بتحريم صنع القنبلة النووية، فقد جاءت التصريحات المثيرة لوزير الأمن والاستخبارات الإيرانى محمود علوى بأن بلاده قد تضطر إلى امتلاك سلاح نووى إذا استمرت العقوبات الغربية على بلاده، لتضع هذه الفتوى فى مهب الريح، ولتؤكد من جانب آخر على أن هناك آمالا كبيرة فى العودة لاتفاق 2015، رغم أجواء التشاؤم التى تحيط بالمفاوضات الحالية.
وسط كل هذه التفاعلات، تبدو مخاوف الدول العربية ــ وبالأخص الخليجية ــ من قدرات وطموحات إيران النووية مشروعة ومبررة، لكن ردود أفعالها ورهاناتها السياسية على إسرائيل لحمايتها من «الخطر الإيرانى» تثير الكثير من التساؤلات حول ترهل وضعف النظام الإقليمى العربى الذى لا يرى فى إسرائيل التى تمتلك أكثر من 200 رأس نووى أى تهديد حقيقى، فى حين يعتقد أن إيران «شبه النووية» خطر داهم ينبغى مواجهته بمنتهى العنف والحسم.
المخاوف الخليجية تأتى تحسبا من هيمنة إيران السياسية والعقائدية المفترضة على دولها، وهو أمر سيظل يخيم على جميع أرجاء المنطقة طالما ظل الخلاف محتدما بين « السنة» و«الشيعة»، وطالما ظل الإصلاح الدينى حلما بعيد المنال، وطالما ظل الاعتقاد السائد بين الطرفين أن خلافاتهما قدر سماوى لا يمكن تغييره.
كل شعوب المنطقة ستظل تدفع فاتورة باهظة الثمن لهذه الخلافات العقائدية، بانتظار أن يأتى يوم تخرج فيه كل دول المنطقة من قيود التاريخ، وأطماع الآخرين وتدخلهم فى تحديد مصائرنا.. قد يكون هذا اليوم بعيدا، لكنه بالتأكيد سيأتى فى زمن ما!