مخاطر المثالية العدمية - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مخاطر المثالية العدمية

نشر فى : الأحد 30 أكتوبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 30 أكتوبر 2011 - 9:00 ص

«مرشحين رئاسة؟ هو فيه مرشحين رئاسة؟ دول مرشحين رئاسة دول؟».

 

«انتخابات؟ انتخابات مين يا عم؟ هم دول ينفعوا يبقوا مرشحين؟ يا راجل، كبر دماغك».

 

عبارات نسمعها من قبل بعض الأصدقاء الذين يظنون أن الكون إما يسير على مزاجهم أو لا يسير بالنسبة لهم، وأنهم سيقاطعون الانتخابات حتى يظهر لهم «المرشح السوبرمان». المرشح الذى سيبنى لنا مستشفيات ومدارس ويقول للعفاريت حابس حابس.

 

يتوعد البعض أنهم لن يشاركوا فى الانتخابات إلا لما يكون المرشحون على مستوى «سعد زغلول» أو «جمال عبدالناصر». هؤلاء لم يولدوا بالزعامة التى انتهوا إليها، وإنما كان إنجازهم نتيجة اجتهادهم وتفاعلهم مع بيئتهم على مدى فترة طويلة من الكفاح والتجربة والخطر. بل إن من يقرأ قصة حياة كبار المخترعين فى العالم، سنكتشف أنها مليئة بالإحباط والمحاولات الفاشلة.

 

النظرة المثالية المبالغة فى الرومانسية للحياة تنتهى بك لأن تفعل لا شىء إلا تشويه الحاضر وتشويه كل الموجودين فيه على نمط قصة «المرتبة المقعرة» التى كتبها د. يوسف إدريس، التى جسد فيها لنا شخصا يحب الحياة ويكره أن يعمل لها. فقد رأى العالم من حوله فاسدا وقميئا ولا يتناسب مع معاييره الأخلاقية المثالية فقرر أن ينفصل عنه إلى أن يتغير هذا العالم المتوحش، فانتهى إلى عدمية مقيتة. نام الرجل على سريره وطلب من زوجته ألا توقظه إلا إذا تغير العالم.

 

هذه القصة تقول إن العالم يتغير حينما نساهم فى تغييره. وعليه فهناك نوع من البشر يغير العالم الذى يعيش فيه، وهناك آخرون يتساءلون ما الذى يتغير، وهناك من لا يعرفون حتى إذا كان هناك شىء تغير أم لا.

 

معلوماتى أن جهودا تبذل من أجل تأمين العملية الانتخابية داخلها وخارجها، وقد فوجئت أنا شخصيا بعدد الجنود الذين سيتم رصدهم لتأمينها داخل وخارج اللجان. والأهم من ذلك أن الحامى الأكبر لمصر هم أهل مصر ونزولهم الكثيف لساحة العمل السياسى فى كل بقاعه. كما أن المال السايب يعلم السرقة، فإن الشعب الكسول يعلم الاستبداد. والسرقة والاستبداد يأتيان من المثالية المفضية للعدمية ومن اللاوعى المفضى إلى اللافعل. فى النهاية هذه هى مصر، وهذه هى قواها السياسية، وتطويل المرحلة الانتقالية حتى يأتى ناس غير الناس، مسألة غير مأمونة العواقب.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات