2022.. عام الانكماش الاقتصادى وسباقات التسلح - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

2022.. عام الانكماش الاقتصادى وسباقات التسلح

نشر فى : الجمعة 30 ديسمبر 2022 - 7:55 م | آخر تحديث : الجمعة 30 ديسمبر 2022 - 7:55 م
اليوم تكتب نهاية عام ٢٠٢٢ الذى مر ثقيلا على بشرية كانت تتمنى خلاله التخفف من بعض أحمالها الثقيلة، فإذ هو يضيف إليها ما لا طاقة لها به.
فى بداية ٢٠٢٢، كانت آمال السيطرة التامة على جائحة كورونا والحد من أرقام وفياتها وتجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التى سببتها فى تصاعد تماثل من جهة مع ارتفاع نسب متلقى اللقاحات عالميا ومن جهة أخرى مع تزايد مؤشرات عودة قطاعات اقتصادية وخدمية عديدة إلى سابق حيويتها وفاعليتها.

فى بداية ٢٠٢٢، كانت بورصة توقعات أن تلتفت حكومات الشمال الغنية إلى تحديات التغير البيئى بجدية وأن تعمل مع حكومات الجنوب العالمى على إدارة «التحول الأخضر العادل» أيضا فى ارتفاع رتبه وجود إدارة أمريكية تكثر من الحديث عن الأمر وتطلق تعهدات متتالية بدعم ومساعدة المتضررين فى الجنوب والسعى إلى السيطرة على الانبعاثات الحرارية والكربونية.

غير أن العام الذى سينقضى خلال ساعات قليلة سرعان ما أحبط آمال التعافى العالمى وتوقعات العمل المشترك بين الشمال والجنوب عندما هاجمت روسيا أوكرانيا ونشبت الحرب المستمرة إلى اليوم والتى تورطت بها وبأدوار عسكرية مختلفة أطراف دولية كثيرة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى إلى إيران وكوريا الشمالية. أفضت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى أزمتى ارتفاع أسعار الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة، وفرضت حالة غير مسبوقة (منذ سبعينيات القرن العشرين) من التضخم ومن تراجع معدلات النمو الاقتصادى العالمى (من ٦ بالمائة فى ٢٠٢١ إلى ٣.٢ بالمائة فى ٢٠٢٢، مع توقع المزيد من التراجع إلى ما دون ٣ بالمائة فى ٢٠٢٣).
• • •
ولا تقل تداعيات التورط العسكرى للغرب ولأطراف أخرى فى حرب أوكرانيا خطورة عن الانعكاسات العالمية للتضخم والانكماش الاقتصادى. فإذا كان ٢٠٢٢ قد شهد ارتفاع مديونيات الكثير من بلدان الجنوب العالمى (غير المصدرة للنفط والغاز) التى تكاد تختنق بين مطرقة أسعار القمح والحبوب المتصاعدة وسندان أسعار الطاقة، وإذا كانت بلدان الشمال الغنى، خاصة الدول الأوروبية، قد عانت خلال ٢٠٢٢ من الأعباء الإضافية لأسعار الطاقة المتزايدة على موازناتها ومن غياب الإمدادات المضمونة للطاقة بعد أن اعتادت على الغاز الروسى الرخيص الذى حملته أنابيب نورد ستريم إلى المصانع والبيوت؛ فإن سباق توريد السلاح إلى الأراضى الأوكرانية الذى أطلقته الولايات المتحدة وسباق التسلح بين الأوروبيين وتورط أطراف كإيران (على نحو صار مكشوفا) وكوريا الشمالية (فى خفاء تشير إليه الصحافة الغربية وفقا لتقارير استخباراتية) فى توريد مسيرات وذخيرة إلى روسيا يدفع بالسلم والأمن العالميين إلى حافة هاوية غير مسبوقة منذ عقود طويلة.

ولكى ندرك الكارثة التى يمثلها سباق توريد السلاح إلى أوكرانيا والتسلح بين الأوروبيين، علينا أن نقارن بين وعد إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن فى ٢٠٢٢ (القمة الأفريقية ــ الأمريكية) بتقديم دعم تنموى لكل بلدان القارة الأفريقية يبلغ ٥٥ مليار دولار ووعدها أيضا فى ٢٠٢٢ بتقديم ٦٠ مليار دولار إضافى لأوكرانيا وحدها بين سلاح ومساعدات اقتصادية وإنسانية.
علينا أيضا أن نقارن بين تملص حكومات الاتحاد الأوروبى من الالتزام بمبالغ مليارية محددة لتعويض دول الجنوب العالمى عن أضرار التغير البيئى الذى لم يتسبب به الجنوب، ذلك التملص المستمر إلى اليوم والذى وثقته مخرجات قمة المناخ ٢٧ فى شرم الشيخ، وبين مسارعة الدول الأوروبية بعد نشوب الحرب الروسية على أوكرانيا إلى الإعلان عن تقديم مساعدات عسكرية لحكومة كييف بمليارات الدولارات وعن رفع فورى لميزانيات تسليح جيوشها.

وفى القلب من هذا التناقض الأوروبى المؤلم تقع سياسة ألمانيا، البلد الأوروبى الأكبر الذى تقوده حكومة ائتلافية من حزبين يساريين وحزب ليبرالى، وهى رفضت فى شرم الشيخ إقرار مبالغ وآليات محددة لتعويض دول الجنوب عن الأضرار البيئية بينما أعلنت عن تخصيص ١٠٠ مليار يورو لتجديد تسليح جيشها خلال ٤ سنوات وقدمت ما يقرب من ٢.٥ مليار يورو لدعم أوكرانيا عسكريا بنظم سلاح ألمانية وشاركت بالنصيب الأكبر فى مليارات أوروبية عديدة ذهبت من بروكسل إلى كييف.

بل إن الخطر الأكبر على السلم والأمن العالميين الذى يمثله ما شهده عام ٢٠٢٢ من سباقين لتوريد السلاح إلى أوكرانيا وللتسلح بين الأوروبيين يرتبط بعودة انفتاح القوى الكبرى على استخدام الأدوات العسكرية لتسوية صراعاتها. بالقطع، تتحمل الحكومة الروسية المسئولية الرئيسية فى هذا الصدد. فهى، وإن كانت لها مصالح أمن قومى معتبرة تتعلق بإبعاد حلف الناتو عن حدودها وحماية الأقليات العرقية الروسية فى أوكرانيا، التى بدأت بالعدوان العسكرى والغزو واستخدمت سلاحها التقليدى بقسوة وهددت بتوظيف السلاح النووى التكتيكى فى تصعيد ذكر بأزمة خليج الخنازير الكوبية (١٩٦١). تتحمل الحكومة الروسية أيضا مسئولية استيراد مسيرات وذخيرة من بلدين يتسم سلوكهما الخارجى بالعدوانية والمغامراتية وهما إيران وكوريا الشمالية، ومسئولية دفع بلدين أوروبيين للانضمام إلى حلف الناتو بعد أن كانا ولعقود طويلة على الحياد بين الناتو وروسيا وهما السويد وفنلندا.

غير أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية كبيرة كألمانيا (داخل الاتحاد) وبريطانيا (الخارجة من الاتحاد) تتحمل مشتركة مسئولية دفع عموم الأوروبيين إلى الاستخفاف بتداعيات الحروب وسباقات التسلح والاستخفاف بطول أمدها عوضا عن البحث عن الاحتواء ووقف النار والحلول التفاوضية. وسيكون من العبث، استراتيجيا وسياسيا، تصور أن يظل العملاق الصينى بعيدا عن سباقات توريد السلاح والتسلح بين روسيا وحلفائها وبين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أو أن يتابع دون رد فعل تطور الترسانات العسكرية الغربية وتفوقها التكنولوجى (وليست جولة التصعيد الأخيرة فى تايوان عن ذلك ببعيدة).
• • •
نحن أمام خطر عالمى داهم يمثله فى سياق الحرب الروسية على أوكرانيا سباق التسلح الراهن، ويمثله انفتاح القوى الكبرى على استخدام الأدوات العسكرية لحل صراعاتها. حين يتسابق الكبار على المزيد من السلاح وعلى توظيف السلاح، علينا أن نتوقع سباقات بين قوى العالم الوسطى (القوى المؤثرة فى أقاليمها) وربما دوله الصغيرة وعلينا أن نتوقع أيضا المزيد من الصراعات المسلحة والمغامرات العسكرية بين تلك القوى الوسطى والصغيرة التى تتابع سلاح موسكو وواشنطن وبرلين وهو يشعل النار على الأرض الأوكرانية.

وفى ذلك إهدار كارثى لموارد عالم يحتاج فقرائه للخروج من ديونهم ورفع إنتاجية اقتصاداتهم ويمر أغنياؤه بأزمات تضخم وطاقة مؤلمة وتستدعى مواجهة تحدياته تضامن الجنوب والشمال. وفى ذلك أيضا إهدار لقيمة الحكم الرشيد المرتبطة بتوجيه موارد المجتمعات لعلاج نواقص التنمية المستدامة (الفقر وضعف الخدمات الصحية والتعليمية والبطالة) وحل الصراعات بالطرق السلمية والتفاوضية.

هذا عام التضخم والديون وأزمات الغذاء والطاقة، هذا عام الانكماش الاقتصادى وسباق التسلح واستخفاف القوى الكبرى بالحروب وتداعياتها فى مقابل التنصل من التزامات مواجهة التغير البيئى وأضراره. ومع نهاية ٢٠٢٢، نقف جميعا فقراء الجنوب وأغنياء الشمال على حافة هاوية لا ابتعاد قريب عنها.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات