مدى واقعية قضاء إسرائيل على حماس - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
السبت 21 سبتمبر 2024 4:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدى واقعية قضاء إسرائيل على حماس

نشر فى : الثلاثاء 31 أكتوبر 2023 - 6:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 أكتوبر 2023 - 6:00 م

إن من بين ردود الفعل الإسرائيلية على عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية على إسرائيل، إعلان كبار المسئولين الإسرائيليين على عدة مستويات وعدة مرات، عن عزمهم القضاء على حركة حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة، وأن إسرائيل لن تألو جهدا لتحقيق هذا الهدف بكل الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية. وبدأت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى يروجون أن حماس منظمة إرهابية مثل تنظيم داعش ويجب القضاء عليها بدعوى تحقيق الأمن لإسرائيل والمنطقة، والقول بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطينى. وقد وصل الأمر إلى أن الرئيس الفرنسى ماكرون، خلال جولاته فى المنطقة التى شملت إسرائيل، ورام الله، والأردن، ومصر، ظل يردد اقتراحه بالنظر فى تشكيل تحالف دولى على غرار التحالف الدولى لمحاربة داعش فى العراق وسوريا، لمحاربة حماس باعتبارها منظمة إرهابية.
●●●
الحقيقة أن الموقف الإسرائيلى والأمريكى والأوروبى من حركة حماس ينطوى على الكثير من المغالطات، فرغم الاختلاف مع حماس فى كثير من القضايا الرئيسية، خاصة منها ما يتعلق برؤية التسوية السلمية الشاملة للقضية الفلسطينية والتى توافقت أغلبية دول العالم على أنها تتمثل فى حل الدولتين ــ أى بإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بالرغم من ذلك، فإن حركة حماس جزء أساسى من المقاومة الفلسطينية باعتبارها أهم فصائل المقاومة بعد فتح، وهى تقاوم الاحتلال الاستيطانى الإسرائيلى الذى استمر على مدى 56 عاما منذ حرب 1967، يمارس كل أنواع الظلم والاضطهاد والتفرقة العنصرية ضد الفلسطينيين، ويغتصب الأراضى الفلسطينية ليقيم عليها المستوطنات ويتوسع فيها رغم أنها مخالفة صريحة للقانون الدولى، ويهدم المنازل ويقتحم المدن والقرى، ويستولى على المحاصيل الزراعية من الفلسطينيين أو يتلفها، ولا يصدر تراخيص بناء للفلسطينيين على أراضيهم، ويمضى فى تهويد القدس، وانتهاك حرمة المسجد الأقصى كل يوم بقيادة وزراء فى الحكومة الإسرائيلية وأعضاء فى الكنيست (البرلمان)، وقد حول الاحتلال الإسرائيلى قطاع غزة إلى أكبر سجن فى العالم داخله 2,3 مليون فلسطينى محاصرين وتتحكم إسرائيل فى كل ما يتصل بعلاقاتهم خارج هذا السجن الكبير.
هذا إلى جانب انسداد الأفق السياسى تماما منذ أن اغتال الإسرائيليون رئيس وزرائهم إسحق رابين، لأنه أبدى نية حقيقية فى تنفيذ اتفاق أوسلو الذى وقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية وبضمان الرئيس الأمريكى فى ديسمبر 1993، والذى يقضى بإقامة دولة فلسطينية. ومنذ اغتيال رابين لم تلتزم إسرائيل لا بخارطة الطريق ولا بحل الدولتين. وأدى هذا الجو السياسى الخانق إلى حالة من الإحباط تدفع إلى المقاومة المسلحة التى ترى حركة حماس أنها هى المخرج بعد أن سدت إسرائيل كل السبل أمام أى حل سياسى للقضية الفلسطينية، ومن ثم لا يعد ما تقوم به حركة حماس والمنظمات الأخرى المتعاونة معها عملا إرهابيا، وإنما هو مقاومة للاحتلال الاستيطانى الإسرائيلى، مع التحفظ على ما قد يشوب هذه المقاومة من بعض التجاوزات فى حق المدنيين الإسرائيليين رغم انتمائهم لدولة استعمارية مغتصبة.
أما القول بأن حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطينى فهو قول يحتاج إلى إجراء انتخابات فلسطينية جديدة، حيث إن آخر انتخابات تشريعية أجريت فى يناير 2006 وفازت فيها حركة حماس بالأغلبية بتفوق بعدد 20 مقعدا على منظمة التحرير الفلسطينية ــ خاصة فتح، وكان لحماس الأغلبية فى المجلس التشريعى الفلسطينى إلى أن ألقت إسرائيل القبض على أكثر من 30 نائبا من نواب حماس، سواء فى غزة أو فى الضفة الغربية، حتى يفقدوا أغلبيتهم عند انعقاد جلسات المجلس التشريعى الفلسطينى. ومنذ ذلك الحين، تزايد أنصار حماس فى غزة والضفة الغربية، ولم يعد وجود حماس فى غزة فقط كما تروج إسرائيل. ومع ذلك، يبقى السؤال المهم، هل لو أجريت انتخابات فلسطينية اليوم ستحصل فيها حماس على الأغلبية كما حدث فى انتخابات 2006 أم أن شعبيتها ستتأثر من جراء الدمار الوحشى الذى أحدثته إسرائيل فى غزة وتخطى أعداد القتلى من المدنيين نحو ثمانية آلاف، أكثر من ثلثهم من الأطفال؟
●●●
إن إسرائيل قامت باعتداءات مسلحة على غزة من قبل أربع مرات فى أعوام 2006، و2008، و2014، و2022، وعقب كل اعتداء كان يتم التوصل إلى تهدئة باتفاق بين حماس وإسرائيل عن طريق مصر ودول عربية فى مقدمتها قطر، وكان الجانبان الإسرائيلى والفلسطينى ــ أى حماس ــ يحترمان اتفاق التهدئة إلى أن يحدث توتر بينهما واعتداء آخر تعقبه تهدئة أخرى، وهكذا. وهنا يثور سؤال، هل كانت إسرائيل تتوصل إلى كل هذه الاتفاقات مع من تدعى أنها منظمة إرهابية وهى حماس؟ أم أن حقيقة الأمر أن إسرائيل كانت فى كل مرة تعترف من الناحية العملية بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وأنها الطرف المقابل الذى تتفق معه على هدنة؟
وإزاء شدة الصدمة التى تلقتها إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023 من جراء عملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى فى غزة، فقد دخلت إسرائيل فى حالة من رد الفعل المرتبك والمشحون بانفعال العزم على الانتقام الوحشى وتدمير أكبر قدر من الأحياء السكنية فى غزة، بما فى ذلك البنية الأساسية والمرافق والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وقطع إمدادات الغذاء، والماء، والدواء، والكهرباء عن غزة وقطع الاتصالات والانترنت، وقتل أكثر من 20 صحفية لمنع تغطية العدوان البشع على المدنيين وفرض حصار كامل عليها، ومطالبة الفلسطينيين بترك شمال غزة والتوجه إلى سيناء المصرية، ثم التراجع نسبيا وظاهريا عن ذلك، ومطالبة الفلسطينيين بالنزوح إلى جنوب غزة وتكثيف القصف الجوى على الشمال، وضرب الجنوب أيضا وهو ما أكده أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى كلمته أمام مجلس الأمن واعتباره أن ما تقوم به إسرائيل مخالف للقانون الإنسانى الدولى، ولم يسمه باسمه الحقيقى وهو أنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة الحصار الشامل ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلا فى أضيق الحدود التى لا تغطى إلا 1% من احتياجات الفلسطينيين فى غزة، خاصة الوقود والكهرباء والأدوية.
تريد إسرائيل إخلاء شمال غزة من السكان، مع تدمير ممنهج لكل المنشآت وتقوم بعملية اجتياح القوات الإسرائيلية على مدى أطول زمنيا وعلى مراحل من أجل تحقيق مطلبهم بإنهاء حكم حركة حماس لغزة، والتخلص منها نهائيا.
●●●
ولكن يواجه ذلك عدة عقبات وتحديات يحذر منها قادة عسكريون إسرائيليون وأمريكان، منها المقاومة الشرسة من جانب حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من خلال شبكة الأنفاق التى تعتبر مدينة أخرى تحت الأرض، وما يتوفر لدى حماس من كميات كبيرة من الأسلحة، وهو ما يتوقع أن يؤدى إلى خسائر إسرائيلية كبيرة فى العتاد العسكرى والأفراد، إلى جانب التحذيرات من عدة أطراف، بما فيها الأمريكية، من مخاطر اتساع دائرة الصراع بدخول أطراف أخرى سواء حزب الله فى جنوب لبنان أو من داخل سوريا. كما أن الرأى العام العالمى بدأ يتوازن إلى حد ما فى موقفه من هذا الصراع إزاء ما يشاهده من قيام إسرائيل بالتدمير والقتل دون تمييز للفلسطينيين فى غزة وقامت عدة مظاهرات فى العديد من المدن الأوروبية والأمريكية ودول العالم الأخرى، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المطالب بوقف القتال ووقف قتل المدنيين ورفع الحصار عن غزة وتأمين دخول المساعدات الإنسانية والذى وافقت عليه 120 دولة واعتراض 14 دولة فقط. هذا إلى جانب الثمن الاقتصادى الذى تتحمله إسرائيل، سواء نتيجة استدعاء نحو 300 ألف جندى احتياطى من أماكن عملهم ووقف السماح لنحو 18 ألف فلسطينى من غزة كانوا يذهبون يوميا للعمل فى إسرائيل، وتوقف السياحة وحركة الطيران العادية وتأثير الصواريخ التى أطلقتها حماس على بعض المستوطنات والمدن الإسرائيلية، وانخفاض سعر صرف العملة الإسرائيلية.
ورغم أن الحرب فى غزة أصبحت منذ اليوم التاسع من أكتوبر 2023 حربا من جانب واحد هو إسرائيل، لعدم التكافؤ الضخم بين الجيش الإسرائيلى والذى يعد واحدا من الجيوش الكبيرة فى الشرق الأوسط، إلا أن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامى والفصائل الفلسطينية الأخرى فى غزة مع الشعب الفلسطينى، صامدون فى مواجهة القتل والتدمير الممنهج من جانب إسرائيل.
وقد سبق أن اعتقد موشى ديان، وآخرون، أن الأجيال الفلسطينية التى تنشأ وتتربى فى ظل الاحتلال الإسرائيلى تكون أكثر طواعية ومرونة فى تعاملها مع إسرائيل وفيما يقدم من مقترحات لتسوية سياسية، إلى أن قامت انتفاضة أطفال الحجارة وأعقبها اتفاق أوسلو الذى أجهضته إسرائيل بقتل إسحق رابين. اليوم وإن اعتقدت إسرائيل أن الأولوية للتطبيع مع الدول العربية وتجاهل حل الدولتين، إذا بها تفاجأ بعملية «طوفان الأقصى»، فيكون رد فعلها تدمير وقتل وتشريد وحصار الفلسطينيين فى غزة مبررة ذلك بأن هدفها القضاء التام على حكم حماس لغزة وتصفية جناحها العسكرى.
الحقيقة أنه إذا لم تعلم إسرائيل أنه بدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فلن تعيش فى سلام وأمان، ولن تستطيع القضاء على حماس ولا على المقاومة الفلسطينية، وستواجه المزيد من الانتفاضات والطوفان طالما استمرت فى احتلال الأراضى الفلسطينية.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات