دَور تجارة النفط في هَيْمَنة الدولار الأمريكي - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دَور تجارة النفط في هَيْمَنة الدولار الأمريكي

نشر فى : الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 - 8:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 - 8:15 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب حافظ إدوخراز يشير فيه إلى دور التجارة الدولية للنفط فى تعزيز قوة وهيمنة الدولار الأميركى على عرش منظومة النقد الدولى وبالتالى دعم هيمنة الولايات المتحدة على العالم... نعرض من المقال ما يلى.
على خلاف العوامل الاقتصاديّة التى عكفت الأدبيّات الأكاديميّة الشائعة فى مجال الاقتصاد الدولى على إبراز دَورها كعاملٍ يُفسِّر استمرار هَيْمَنة الدولار على منظومة النقد الدولى، فإنّ التجارةَ العالَميّة للنفط، وما تكتسيه هذه التجارة من أهميّة استراتيجيّة بالغة بالنسبة إلى دعْم موقع العملة الأمريكية، حظيَت بدراسةٍ متواضعة من قِبَلِ جمهور الاقتصاديّين. وفى هذا الخصوص، ترى الدكتورة بسمة المومنى، أستاذة العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة فى جامعة واترلو الكنديّة، أنّ هناك عاملا غالبا ما يتمّ التقليل من أهميّته، وهو أنّ النفط يُباع ويُتداوَل بالدولار الأمريكى فى الأسواق الدوليّة، وأنّ الثقة المستمرّة للعالَم فى الديون الحكوميّة الأمريكية تستند إلى استخدام الدولار فى تجارة النفط وإعادة تدوير عائداته فى الأسواق الماليّة الأمريكية.
استخدامُ الدولار كعملة شبه حصريّة فى السوق العالَميّة للنفط يَمنح امتيازا عظيما للولايات المتّحدة، يتمثّل فى الحقّ فى إصدار عملتها الوطنيّة للدفع مقابل أى شىء تريده، ولفائدة أى شخص، وفى كلّ مكان من العالَم؛ بحيث تتعزَّز المنافع المتحصّلة من وراء هذا الامتياز، بالنَّظر إلى أنّ معظم الدول تبقى بحاجة إلى النفط لمواصَلة نموّها الاقتصادى وتأمين حاجيّاتها من الطّاقة. وينطبق هذا أكثر على الدول الصناعيّة المصدِّرة والمدمنة على هذا المَورد. وتحتاج كلُّ الدول الراغبة فى شراء النفط من الأسواق العالَميّة إلى تأمين الدولارات الكافية لهذا الغرض، ما يُحتِّم عليها أن تبيع سلعها للولايات المتّحدة أو لبلدانٍ تملك احتياطيّات كافية من الدولار الأمريكى. يَدفع هذا الوضعُ إلى زيادةِ الطلب العالَمى على العملة الأمريكية، ويَسمح للإدارة الأمريكية (من خلال الاحتياطى الفيدرالى الذى يقوم بشراء السندات الحكوميّة الجديدة) بطبْع المزيد من الدولارات التى توزَّع على دولِ العالَم المتعطِّشة لهذه العملة النقديّة الضروريّة لتأمين حاجيّاتها من النفط وباقى السلع الأساسيّة.
البلدان التى تفتقر إلى الموادّ الأوليّة الأساسيّة مثل النفط، تضطرّ إلى استيراد حاجيّاتها من هذه الموارد الطبيعيّة، وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى الدول التى تفوق حاجيّاتها حجْمَ إنتاجها المحلّى (الصين على سبيل المثال). فهى بالتالى تَجِدُ نفسَها مرغمةً على مُراكَمة الدولارات، لأنّها لا تستطيع تسديد ثمنَ وارداتها إلّا بالعملة الأمريكية ولا تقبل معظمُ الأسواق عملاتِها الوطنيّة. يدخل العالَمُ جرّاء هذا فى سباقٍ نحو التصدير إلى الأسواق التى يُمكن أن تدفع بالدولار مقابل السلع المصدَّرة، ولا مُنافِس للولايات المتّحدة بهذا الصدد؛ فالدولار هو عملتها الوطنيّة ويكفى أن يطبع الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى المزيد منه. تترتّب عن هذا الوضع زيادةٌ مستمرّة فى حجْم السيولة المُتداوَلة دوليّا بالدولار، ما يقدِّم تفسيرا لبقاء العملة الأمريكية كأهمّ عملة نقديّة مُتداوَلة فى أسواق الصرف وكأهمّ عملة فى احتياطيّات المصارف المركزيّة عبر العالَم.
• • •
على صعيدٍ آخر، فإنّ التجارة الدوليّة للنفط بالدولار الأمريكى تلعب دَورا محوريّا فى سيولة أسواق المال الأمريكية، وبالتالى فى جاذبيّتها وقدرتها على استقطاب رءوس الأموال الدوليّة. يُشير الاقتصادى إيثان كابستين بهذا الصدد إلى أنّ أزمتَى النفط التى شهدهما العالَم فى سبعينيّات القرن الماضى (ارتفع سعر برميل النفط من 1.80 دولار فى العام 1970 إلى نحو 39 دولارا فى بداية الثمانينيّات) أدّتا إلى أكبر تحويل للدخل على مرّ التاريخ، وذلك بالنَّظر إلى أنّ المُستهلِكين فى البلدان المستورِدة للنفط اضطرّوا إلى إنفاق ملياراتٍ إضافيّة من الدولارات من أجل الحصول على حاجيّاتهم من المُنتجات النفطيّة. وترتّب عن ذلك بروز ديناميّة جديدة تمثّلت فى إعادة تدوير «البترودولارات» فى أسواق المال الأمريكية بإيعازٍ من حكومة الولايات المتّحدة وبترتيبٍ منها، وذلك من أجل امتصاص الفوائض الضخمة التى حقَّقتها البلدان المصدِّرة للنفط نتيجة ارتفاع أسعار الذهب الأسود فى الأسواق الدوليّة.
ولأنّ المسئولين الأمريكيين واعون تماما بكلّ الرّهانات التى سبقت الإشارة إليها، فإنّ إعادة إنتاج هذا النظام القائم على «البترودولارات»، والإبقاء على الوضع القائم فى مجال العلاقات النقديّة الدوليّة يكتسى طابعا استراتيجيّا بالنسبة إلى الولايات المتّحدة، وذلك من أجل الاستمرار فى جنى ثمار وضْع الهَيْمَنة النقديّة الذى يتمتّع به الدولار ضمانا لقوّة الولايات المتّحدة وسيطرتها على العالَم. ولذلك فهُم لا يتردّدون فى استعمال كلّ مَوارد قوّتهم النّاعمة والصلبة على حدّ سواء (بما فى ذلك القوّة العسكريّة إذا لزم الأمر) فى سبيل تأمين الشروط والظروف المعزِّزة لهَيْمَنة العملة الوطنيّة الأمريكية ودعْمِ مَوقعها فى سوق النفط الدوليّة بشكلٍ خاصّ وأسواق السلع الأساسيّة (الموادّ الأوليّة) بشكلٍ عامّ.

• • •
فى هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى إحدى الفرضيّات التى تمّ تقديمها كتفسيرٍ للغزو الأمريكى للعراق فى العام 2003، وإن كانت هذه الفرضيّة لا تحظى بالكثير من الدَّعم من طَرَفِ الباحثين فى مجالَى العلاقات الدوليّة والاقتصاد السياسى الدولى. غير أنّ هذه الفرضيّة، إنْ قُرئت فى ضوء ما قدّمناه سابقا، تحوز بعضا من الصدقيّة، ولعلّ الباحثين قد يعودون إليها إذا تكرَّر مُستقبلا لجوء الإدارة الأمريكية إلى القوّة العسكريّة من أجل دعْمِ موقع الدولار فى منظومة النقد الدولى، وخصوصا فى ظلّ الوضع العالَمى الجديد الذى يشهد تحدّيا واضحا للأحاديّة القطبيّة والهيْمَنة الأمريكية.

يقول الكاتب وليام كلارك فى كتابه الصادر فى العام 2005 (Oil, Iraq and the Future of the Dollar Petrodollar Warfare) إنّ الرئيس العراقى الأسبق صدّام حسين أَعلن فى شهر نوفمبر من العام 2000، عقب اجتماعٍ حكومى، أنّ العراق قد قرَّر أن يطلب من الأُمم المتّحدة تسديدَ مقابل صادراته النفطيّة بالعملة الأوروبيّة الموحّدة بدلا من الدولار الأمريكى. وقد عمدتِ الحكومةُ العراقيّة بعد وقتٍ وجيز من هذا الإعلان إلى فتْحِ حسابٍ مصرفى باليورو لدى إحدى كبريات البنوك فى فرنسا (BNP Paribas). ما من بلدٍ عضو فى منظّمة الأوبيك تجرَّأ قبل هذا التاريخ على انتهاك الاتّفاق المُضمَر الذى أبرمته الولايات المتّحدة مع البلدان الأعضاء فى المنظّمة فى سبعينيّات القرن الماضى. أصرَّت الإدارةُ الأميركيّة على غزو العراق فى العام 2003 بحججٍ واهية (حيازة أسلحة التدمير الشامل وعلاقة النّظام العراقى بتنظيم القاعدة) لم تَفلح فى إقناع حتّى بعضٍ من حلفائها التاريخيّين، ولقى مشروع القرار مُعارَضةً قويّة داخل مجلس الأمن، لكنّ ذلك لم يمنع الولايات المتّحدة من غزو العراق حتّى من دون غطاء الشرعيّة الدوليّة.

يوضِح كلارك فى كِتابه أنّ هذا الغزو لم يكُن من أجل السيطرة المباشرة على حقول النفط، إذ لو ظلَّ النفط العراقى يُباع بالدولار الأمريكى، لَما كان هناك من حاجة إلى ذلك، لكنّ قرار الرئيس العراقى الأسبق كان يشكِّل سابقةً تهدِّد موقع الدولار كعملة تتربّع على عرش منظومة النقد الدولى، وتُعزِّز فُرص العملة الأوروبيّة الوليدة فى اكتساب حلفاءٍ جُدد ومُنافَسة العملة الأمريكية المُهيْمِنة. يَذكر كلارك أنّ القوّات الأمريكية قامت بُعيد الغزو مباشرةً بإعادة الأمور إلى سابق عهدها. ويُعلِّق الأكاديمى وأستاذ الاقتصاد السياسى بنجامين كوهين فى مقال له منشور فى العام 2009 تحت عنوان: Dollar Dominance, Euro Aspirations: Recipe For Discord? قائلا: «على الرّغم من أنّنا لا نتوفّر على أدلّة قويّة تدعم هذه الفكرة، فإنّ الواحد لا ينبغى أن يغضّ الطَّرف عن بعض الحقيقة التى تحتوى عليها». النظام العالمى يعرف حركةً تكتونيّة (نسبةً إلى الحركات الباطنيّة التى تحدث فى باطن الأرض) شديدة، ولربّما نشهد من جديد حروبا مُماثِلة من أجل الدولار.

التعليقات