«يونيو».. أسئلة الحاضر والمستقبل! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 14 نوفمبر 2024 3:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«يونيو».. أسئلة الحاضر والمستقبل!

نشر فى : السبت 2 يونيو 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : السبت 2 يونيو 2018 - 9:35 م

تغيرت مصر كثيرا خلال السنوات السبع الماضية، حياة سياسية رتيبة وبها قدر من الاستقرار ميزت فترة مبارك وخصوصا خلال ربع القرن الأول من حكمه، ثم حراك سياسى محسوب فى سنوات حكمه الأخيرة، قبل أن تنفجر السياسة المباركية وتفقد قدرتها على الاستيعاب والتوازن لتتغير مصر تماما بعد فبراير ٢٠١١ وتشهد البلاد حقبة ديموقراطية قصيرة (٢٠١١ــ٢٠١٢) ثم حالة انسداد سياسى مشوب ببعض العنف (٢٠١٢ــ٢٠١٣) قبل أن تتحول الدفة مرة أخرى فى يونيو ٢٠١٣ وتخسر القوى الثورية والديموقراطية كل المساحات تدريجيا وصولا إلى نقطة تأميم سياسى نقف عندها الآن لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعها قبل عدة سنوات.
لم تكن التغيرات السياسية بعد يونيو ٢٠١٣ مجرد تعبير عن فقدان فرصة الديموقراطية والحراك، ولكنها كانت تعبيرا عن العجز والعقم السياسى لدى أربع قوى رئيسية لطالما شكلت الحياة السياسية فى مصر الحديثة:
ما بعد يونيو ٢٠١٣ عبر وبوضوح عن فشل تيار الإسلام السياسى فى الحكم، متمثلا تحديدا فى فشل جماعة الإخوان فى قيادة تيار ثورى / ديموقراطى يعبر عن حد أدنى من التفاهمات السياسية بين قوى التغيير الديموقراطى، ثم فشلت ثانيا فى عقد تفاهمات دائمة مع أجهزة الدولة الأمنية والبيروقراطية لتوفير حد أدنى من الاستقرار فى الحكم، ثم فشلت ثالثا حتى فى قيادة التيارات الإسلامية الأخرى رغم أنها الجماعة الأقدم والأكثر حنكة وخبرة سياسية أو هكذا اعتقد البعض. ما بعد يونيو ٢٠١٣ أكد أيضا على فشل تيار الإسلام السياسى الشعبوى الذى تمثل تحديدا فى التيار الإسلامى الشعبوى المهلل الذى قاده حازم صلاح أبوإسماعيل ولم يملك أى أدوات أو استراتيجيات أو محتوى واضح للحكم سوى بعض الشعارات الحنجورية المتأثرة بشخصية أبوإسماعيل ولم تلبث أن تقف أمام أقل التحديات، ثم أخيرا فقد عبرت تغيرات ما بعد يونيو عن أن المكان الصحيح للجماعات السلفية هو مساجدها وزواياها المحدودة، فلا هى ثورية ولا هى ديموقراطية ولا هى حتى قادرة على أن تكون جزءا من أى معادلة سياسية للحكم، ولم يكن معظمها سوى أدوات للتأميم والتطويع والسيطرة على عقول جماهيرها وإن لزم الأمر فيتم استخدامها كفزاعة لغير الإسلاميين وهذا هو أقصى نفع متوقع منها.
عبرت مرحلة ما بعد يونيو ٢٠١٣ أيضا عن فلس معظم التيارات المدنية، فلا هى التى تمكنت من الاستمرار فى الحكم حتى بالاعتبارات والمعايير المصلحية، ولا هى التى تمكنت من الحفاظ على حد أدنى من المدنية والديموقراطية وباستثناء بعد المناجاة للنظام للإصلاح، فقد عجزت حتى عن تطوير خطاب مناسب للمرحلة السياسية الحالية، فضلا عن إفلاسات أخرى نعرفها جيدا عن عدم القدرة على الاحتكاك بالشارع أو المنافسة القوية فى صناديق الانتخابات، وباستثناء الفترة بين يوليو وديسمبر ٢٠١٣، فقد تم استبعادها تماما من نظام الحكم بل ولاحقا طالها الكثير من التضييق.
ثم عبرت مرحلة ما بعد يونيو ٢٠١٣ أخيرا عن استحالة عودة بقايا نظام مبارك والحزب الوطنى للحكم مرة أخرى، ورغم أنه بدا لوهلة أن بقايا النظام المباركى قادرة على العودة إلا أنه وباستثناء قيادات محدودة للغاية فقد تم استبعاد معظم المنتمين لهذا العصر ولم يتمكنوا من عودة حلموا وسعوا لها بعد هزيمة تيارات يناير.
ثم عبرت مرحلة ما بعد يونيو ٢٠١٣ أخيرا عن هزيمة التيارات الثورية الشبابية فى معظمها والتى عبرت مرحلة يونيو / يوليو ٢٠١٣ عن هشاشتها وفراغ محتوى معظم شعاراتها وضعف بناها التنظيمية وهياكلها الحشدية، رغم أن هذه القوى كانت ومازالت الأكثر اتساقا مع مبادئها وأفكارها وشعاراتها مقارنة بكل التيارات السابقة، لكن بكل تأكيد فإن حديث المبادئ غير كافٍ لتحقيق أى انتصارات سياسية على الأرض.
***
ماذا تبقى إذن لنتحدث عنه خلال هذه السنوات الخمس الماضية؟
هناك ثلاثة ملامح رئيسية لسياسات ما بعد يونيو ٢٠١٣ وهى:
أولا: الشخصانية: وهو ما يعنى أن السياسة المصرية وفى ظل الضغوط الشديدة والاقصاءات التى تعرضت لها قوى المعارضة وغير المعارضة فقد تمحورت حول شخصية الرئيس المصرى، الذى أصبحت خطبه وأفكاره هى بمثابة المحرك الرئيسى للسياسة المصرية داخليا وخارجيا. ورغم أن محورية دور الرئيس المصرى هى بشكل عام من ملامح السياسة المصرية فى العهد الجمهورى، إلا أن غياب أى تنظيمات سياسية بما فيها حتى تلك الحاكمة (كالاتحاد الاشتراكى والحزب الوطنى) زاد من ثقل وهيمنة شخصية السيسى على المشهد المصرى وأصبحت مؤتمرات الشباب على محدوديتها هى النافذة الوحيدة لممارسة بعض السياسة والتى مازال للرئيس الدور النافذ فيها.
ثانيا: الحمائية والجبائية بديلا عن الزبائنية: وهو ما يعنى أن المعادلة الزبائنية التى ميزت عصر مبارك (الولاء السياسى مقابل الحصول على موارد الدولة) تلاشت لصالح المعادلة الحمائية، حيث تحولت الدولة إلى شركة كبيرة لا تلتزم سوى بتقديم خدمة الأمن كالتزام عام تجاه مواطنيها وما عدا ذلك فهى لا تقدم الخدمات سوى بأسعارها الحقيقية فلا دعم عام ولا إنفاق حكومى إلا بمقابل، ورغم أن هذه السياسة قد تم تسويقها على أنها «إصلاح لابد منه» أو على أنها «فاتورة ندفع ثمنها كنتيجة لسياسات سابقة خاطئة»، إلا أن هناك ملاحظتين سريعتين عليها، الأولى أنها حملت الطبقتين الفقيرة والمتوسطة الفاتورة الرئيسية لهذا الإصلاح فأصبحا الطبقات الفقيرة شديدة الفقر وتحولت المتوسطة إلى فقيرة، ثم ثانيا فإن هذا الإصلاح الاقتصادى لا يوازيه إصلاح سياسى موازٍ، فيما يعنى أنه بينما تخلت الدولة عن أبويتها الاقتصادية، فإنها لم تتخلَ عن أبويتها السياسية!
ثالثا: غياب الحوار السياسى: منذ إصلاحات السادات السياسية (على محدوديتها) فى سبعينيات القرن الماضى، لم تشهد مصر هذا التقييد على الحوار السياسى مثلما تشهد الآن. فباستثناء عدد قليل للغاية من مقالات الرأى فى بعض الصحف والمواقع الالكترونية فإن الحوار السياسى لم يعد عمليا له وجود، فقد اختفى تقريبا من كل وسائل الإعلام الحكومية والخاصة على السواء كما أن تقييد الحياة السياسية لم يعد يسمح بأى حوار سياسى حر وحقيقى حتى فى المنابر الشرعية، مما جعل الحوار السياسى فى اتجاه واحد فقط هو من الحكام إلى المحكومين. ورغم أن مؤتمرات الشباب تمثل مرة أخرى استثناء محدودا هنا إلا أن المتابع لهذا المؤتمر الدورى سيلاحظ بسهولة أن الحوار فيه أصبح أكثر محافظة وأقل نقدا وأكثر انصياعا.
الآن تعيش مصر فى عصر أصبح أشبه بالمونولوج السياسى والخيارت المتاحة أمام المعترضين على هذه المعادلة هى أولا خيارات محدودة وثانيا هى خيارات خطرة ولم يعد أحد يملك رفاهية ارتكاب خطأ غير مقصود يقيد حريته أو يضيق على أكل عيشه أو يحمل أولاده وأسرته ما لا يطيقون.
***
بعد خمس سنوات من يونيو ٢٠١٣ فإن الأسئلة الأهم الآن ليست تلك المتعلقة بالديموقراطية والحرية، ليست أسئلة الحقوق والواجبات، بل وليست حتى أسئلة المستقبل، لكن الأسئلة كلها تتمحور الآن على كيفية النجاة فى الحاضر، عن كيفية الحفاظ على الحياة الكريمة مع حد أدنى من التمسك بالمبادئ، على كيفية النظر فى أعين أبنائنا ونحن نصارع لنوفر لهم حاضرا يسترهم ومستقبلا لا يعريهم، كيف نحمى أنفسنا وأولادنا ونعيش شرفاء؟ أى نوع من القيم والمبادئ نتركه للأجيال القادمة ومبادئنا وقيمنا لم تدفعنا سوى إلى الغربة عنهم بمعناها المادى والمعنوى؟ كيف نتقرب من الله وفينا عشرات الأسئلة الدفينة عن معانى الحياة وفلسفة الوجود؟
كانت ومازالت عندى رفاهية سؤال أهلى عما فعلوه أو لم يفعلوه فى شبابهم، كان ومازال عندى طاقة محاسبة الأجيال الأكبر عما ساهموا به ليقودونا إلى هذا الحاضر الأليم، ومازال عند تلك الأجيال القدرة والطاقة والشجاعة على الإجابة والجدال والدفاع عن المواقف، أما جيلنا فغالبا لن يجد إجابات عندما يجد نفسه بعد عقد أو اثنين فى موقف مشابه، أخشى أننا لن نعجز فقط عن الإجابة أو نجد الطاقة للجدل، ولكننا غالبا لن نتمكن حتى من مجرد النظر فى أعين الأجيال القادمة وسنعتبر لو كان عصرنا هذا عصرا منسيا!

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر