#جريمة_الفندق - مزن حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

#جريمة_الفندق

نشر فى : الجمعة 7 أغسطس 2020 - 7:00 م | آخر تحديث : الجمعة 7 أغسطس 2020 - 7:00 م

وسم آخر يحمل اسم أحد الفنادق الشهيرة فى القاهرة يتصدر وسائل التواصل الاجتماعى الأسبوع الماضى، من خلال هذا الوسم تم سرد واقعة اغتصاب جماعى لفتاة بعد تخديرها وتصويرها من قبل عدد من الرجال. تفاصيل قاسية فى رواية تلك الفتاة وكتابة الأحرف الأولى من أسماء المغتصبين على إحدى مناطق جسدها «الحساسة».
عند قراءة تفاصيل تلك الواقعة فى نفس الوقت الذى يتم فيه الحكم على اثنين من «فتيات تيك توك» إثر اتهامهن بتهديد «قيم الأسرة المصرية» وعدد آخر من الجرائم، نجد أنفسنا أمام التباس حقيقى نحو قيم الحقوق وحماية النساء من العنف.
جريمة الفندق هى جريمة مروعة بكل المقاييس ــ ولتلك الفتاة التى كسرت حاجز الصمت وتحدثت جزيل الامتنان والتمنيات أن تنجو روحها من تبعات ما واجهته وتواجهه ــ ولكن لتصبح تلك الفتاة وغيرها من النساء ناجيات حقا يجب محاكمة هؤلاء الرجال.
ومن ثم النظر لبعض من إشكاليات السياسات التى تهدف فى ظاهرها لحماية النساء وفى عمقها هى سياسات تهدف إلى حماية شكل اجتماعى تفرضه التصورات الأبوية على النساء وتتسبب فى تعنيف العديد من النساء.
تقضى سياسات أغلب الفنادق المصرية على عدم تسكين نساء فى فنادق نفس محافظاتهن، وتتوسع السياسات لعدم تسكين نساء وحدهن فى الفنادق، ويتطور تطبيق تلك السياسات إلى كثير من التمييز ضد النساء حينما يذهبن إلى الفنادق طلبا لغرفة، تظهر علامات الريبة والتشكيك والأسئلة التفصيلية وأحيانا كثيرة رفض التسكين بدعوى أنه ليس هناك غرف متاحة، أو تكرار تعليمات بأسلوب اتهامى مثل «ليس مسموحا بالزيارة فى الغرف»!
أتذكر تلك التجارب المتعددة التى مررت بها شخصيا عندما كنت أتحرك بين محافظات مصر المختلفة للعمل مع نساء فى تلك المحافظات ويحضرنى تعليقات مسئولى الفنادق وبعض أفراد أسرتى لوالدتى كيف تتقبل مبيتى فى الفنادق وحيدة وأنهم لا يسمحون بذلك لبناتهن أبدا! فهذا أمر يضر «قيم الأسرة المصرية».
هذه التجارب والتعليقات تذكرتها وأنا غاضبة عند قراءة تفاصيل جريمة الفندق. أين كانت تلك السياسات والأحكام الأخلاقية على النساء عندما رأى الجميع مجموعة رجال يسيرون مع امرأة يبدو عليها عدم الوعى نحو غرفة؟ أين كانت «قيم الأسرة المصرية» وتلك الفتاة محاطة بكل هؤلاء الرجال داخل هذا الفندق الشهير؟
لماذا لم يتذكر من رأى هذا المشهد تعليمات «غير مسموح بالزيارة للغرف»؟!
أتوقع أن بعض من رأى هذا المشهد لم يعره انتباها فهناك احتمال أنهم رأوا تلك الفتاة ترتدى ملابس لا تعجبهم فحكموا عليها أخلاقيا وتمادوا بأنهم تصوروا أن تلك الفتاة هى من استدعت هؤلاء الرجال وليس العكس. لم تلتفت إدارة الفندق للتعليمات التى وضعتها بنفسها، فالالتفات والريبة والحكم الأخلاقى يبدو أنه للنساء فقط!!
كل ما سبق من تصورات هو افتراض أن هذا هو تأثير ثقافة متأصلة ترى أجساد تلك النساء وتصرفاتهن هى السبب فى تدهور أخلاق وقيم المجتمع والأسرة، إن وجدنا نساءً يرقصن فهن يهددهن القيم، لكن إن وجدنا رجالا أقوياء يدفعن بفتاة فى بهو أحد الفنادق فلا ننتبه، إن وجدنا سيدة ترتدى أى ملابس تسير فى الشارع فهى تهدد قيم المجتمع ولكن إن وجدنا رجالا يلتفون حول فتاة للتحرش بها والاعتداء عليها جماعيا فلنسأل لم كانت تسير وحدها؟ ماذا كانت ترتدى؟
ولكن ماذا لو كانت جريمة الفندق هى استكمالا لسلسلة من التواطؤ مع رجال معتدين تتفشى فى هذا المجتمع وتزداد يوما بعد يوم؟ تواطؤ معهم لأنهم أقوياء جسديا أو ممكَّنون اجتماعيا أو سياسيا أو محاطون بأصدقاء تتبرع لحمايتهم من تهديد النساء ممن تبوحْن أو تتضامَنّ، أو لأن العديد لا يريد أن تغيب عنه صورته التخيلية عن قيم المجتمع أو الأسرة أو مجتمعهم البديل.
أعلن المجلس القومى للمرأة للمرة الثانية أنه يستقبل شكاوى النساء كما قام من قبل فى قضية طالب الجامعة الأمريكية، وفى هذا رسالة أن العنف ضد النساء أمر هام، ولكن هل حان الوقت ليصبح هذا الأمر شيئا دائما ولا يتم انتظار حوادث بعينها؟
يمكن أن يكون هذا هو الوقت لتخصيص كيانات دائمة داخل المجالس المتخصصة لاستقبال شكاوى الفتيات والنساء فى قضايا العنف الجنسى وإعمال مواد قانون تنظيم المجلس القومى للمرأة ليمثل النساء جميعا، وليس بعضهن، قانونيا ويقدم لهن دعما نفسيا واجتماعيا ويصبح بداية لتطبيق آليات مختصة داخل النظام القانونى المصرى من نيابات ودوائر محاكم تطبق قانونا يحمى النساء من العنف ويعاقب المعتدين مع حماية خصوصية الناجيات خاصة بعد إقرار قانون حماية البيانات الشخصية والذى تم المصادقة عليه الشهر الماضى.
هل حان الوقت للقائمين على هذا الأمر أن يفسروا لنا ما هى «قيم الأسرة المصرية»؟ وكيف يمكن ألا تستمر تلك العبارات الفضفاضة وسيلة لممارسة عنف على النساء وتبرير عنف يقع على الفتيات وسلب حرية أجيال تخرج للمجتمع؟ إن واجبنا نحو تلك الأجيال حمايتها من العنف وليس سلب حريتها.
فلنعلى قيم حق النساء فى حماية أجسادهن من العنف وليس قيم سلب حريتهن بدعوى الحماية.

مزن حسن مديرة مؤسسة نظرة للدراسات النسوية
التعليقات