30 يونيو.. هل يأتون؟ - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

30 يونيو.. هل يأتون؟

نشر فى : الأحد 9 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 9 يونيو 2013 - 1:16 م

هل سأراهم فى 30 يونيو؟. سؤال يراودنى منذ أن تم الإعلان عن هذا التاريخ ليكون يوما يعلن فيه الغاضبون عما أغضبهم والمظلومون عمن ظلمهم. هل سيأتى هؤلاء الناس الذين رأيتهم أيام يناير 2011؟. وإذا لم يأتوا بشخوصهم، هل سيأتى آخرون مثلهم من نفس قراهم ومدنهم ومصانعهم وغيطانهم وأزقتهم وحواريهم؟.

 

مازالت ذاكرتى تحمل ملامح الكثير منهم. بل وإلى الآن أتذكر التفاصيل الدقيقة لبعض أصحاب الوشوش التى من الصعب أن أنساها. وكثيرا ما أحن إليها، وتمنيت مرارا لو استطعت أن أطمئن عليهم، وأعرف ماذا فعلت بهم ثورتهم بعد عامين.

 

من منهم انزوى وندم أنه هتف يوما فى التحرير؟ وكم منهم زادت الأيام من عزيمته وصلب الظلم ظهره بدلا من أن يحنيه؟. وكم واحد تضاعف إيمانه بأن النصر آت ولو بعد حين؟ ومن منهم صدق أن الحفاظ على لقمة العيش حتما يذل اعناق الرجال فاختار اللقمة؟. من... ؟ ومن....؟ ومن.....؟.

 

من سيأتى منهم؟

هل سيأتى ذلك العامل قصير القامة ضعيف البنية الذى لم يكن يكف عن الحديث عن أحوال شركته (شركة نوباسيد) التى يعمل فيها سائقا على جرار فى الصحراء؟ والذى كان صوته مميزا وتعلو نبرته على كل المتحدثين. ومن فرط حماسه تنفر عروق وجهه الأسمر الذى زادته حرارة الشمس اسمرارا. كان صلبا بشكل مدهش. وما أن يشرع فى الحديث حتى يصمت جميع رفاقه تاركين له وحده ساحة الكلام خالية. خاصة عندما يبدأ فى شرح خطته فى تشغيل الشركه هو وزملاؤه ذاتيا فى غياب صاحبها رجل الأعمال السعودى، الذى كان قد اشترى الشركة بعد قرار خصخصتها. واستمر يهددهم بغلق أبوابها وقطع ارزاقهم كلما تجرأ أحدهم وطالبه بحقوق العمال.

 

وربما يعود هذا العامل هذه المرة وهو أكثر قوة لأنه نجح مع زملائه بالفعل فى تشغيل الشركة وحققوا معا أرباحا. والأكثر إلهاما فى التجربة أنه لأول مرة يتعرف العمال على أرباح شركتهم الحقيقية وليست كما يعلنها المستثمر. الذى مازال يخوض حربا ضروسا من أجل عدم رد الشركة للقطاع العام.

 

غالبا هذا العامل سينزل مرة أخرى يوم 30 يونيو لأنه مازال غير آمن على أن شركته قد عادت إليه. فهو يرى يوميا اجتماعات بين مسئولين حكوميين وبين المستثمر، من أجل التصالح معه ورد الشركة إليه. لتبدأ رحلة عذاب العمال من جديد.

●●●

 

عامل (نوباسيد) ليس وحده الذى مازال قابضا فى الصحراء على جرار شركته ولكن هناك الآلاف غيره من عمال شركات قطاع عام أخرى، نجحوا عبر أحكام قضائية فى نزع شركاتهم التى بيعت غصبا من أنياب من اشتراها. ولكن مازالت الحكومة تقاوم استردادها. سيأتون لكى يشد الواحد منهم من أزر الآخر.

 

وسيأتى من ورائهم عمال كثيرون ممن تم فصلهم بدون حياء من شركات خاصة يملكها رموز البيزنس فى مصر، بتهمة تكوين نقابات مستقلة داخل القطاع الخاص. والتى تعد من المحرمات فى نظر رجال الأعمال.

 

ربما سيغيب عن نظرى وشوش كثيرة ولكنى على يقين أنها ستكون موجودة مثل زينهم ربيع شحاتة ذلك البائع السريح الذى كان أقصى طموحه من الثورة أن يكف أمين الشرطة عن مصادرة بضاعته. وأن يتوقف عن اقتسام الربح معه باعتباره ضريبة لابد أن يدفعها. وإلا عاد إلى أهله فى المساء صفر اليدين.

 

بالتأكيد زينهم مثل ملايين غيره من الباعة الجائلين مازال يفقد بضاعته يوميا، وهو يجرى مختفيا من مطاردة أمين الشرطة له، وعندما يمسك به يدفع الضريبة من سُكات. وسكات زينهم ورفاقه ليس من باب الرضا، ولكن من باب قلة الحيلة. زينهم ورفاق الرصيف سيأتون.

 

وليس شرطا أن ألمح كثيرا من شباب العاطلين الذين كانوا قد نظموا أنفسهم فى جماعات وروابط. من أجل لفت النظر إلى قضية البطالة. إلا أنهم مازالوا ضحايا لتفاقم الأزمة بعد أن أصبح معدل البطالة لمن بينهم فى الفئة العمرية (20 إلى 25 عاما) يزيد على 40% من حجم البطالة. قد لا ألمحهم ولكنى على ثقة من وجودهم.

 

إذن لن ألمح بالضرورة من عرفتهم ولكن قد أرى غيرهم ممن لم أقابلهم فى شتاء يناير. فليس مستبعدا أن أرى سائق قطار فى السكة الحديد، أو عامل مزلقان، أو كمسارى، أو عطشجى من هؤلاء الذين كانوا قد أعلنوا الإضراب فى إبريل الماضى من أجل تحسين ظروف العمل وإصلاح حال السكة الحديد وإخراج الفاسدين. ولكن اضطروا غصبا إلى كسر الإضراب قبل أن يحققوا ما أرادوا بفعل سلاح المحاكمات العسكرية الذى تم تهديدهم به.

●●●

 

أما الذين سأنتظرهم وأبحث عنهم هذه المرة فهم العاملون بالترسانة البحرية بالسويس ممن يناضلون من أجل تحقيق العدالة فى أبدع أشكالها. الذين حولوا فكرة العدل إلى مفهوم بسيط ومنطقى وراقٍ.

 

فعمال الترسانة أضربوا من أجل رد كرامة زملاء لهم من العمال، الذين عوقبوا وتم التحقيق معهم لأنهم أصروا على دخول النادى الاجتماعى المخصص لكبار الموظفين بهيئة قناة السويس، والمحظور عليهم دخوله بسبب التمييز الذى يمارس ضد العمال لصالح كبار الموظفين فى مجالات كثيرة. والموروث من الإدارة الفرنسية قبل التأميم. والعدل فى مفهوم عمال الترسانة هو مقاومة الاستعمار الفرنسى القابع فى نفوس كبار مسئولى هيئة القناة.

 

أما الذى سأفتقده فهو الشاب الصعيدى أحمد المراكبى الذى يعمل فى أحد المنتجعات السياحية. والذى لا يخفى فقدانه الثقة فى الثورة لأنه وضع معيارا حادا لنجاحها. وبدا أنه غير قابل لتخفيض سقف طموحه.

 

أحمد يصر على أن الثورة لن تنجح إلا إذا استطاع أهل بلدته فى الصعيد أن يأتوا إلى هذا المنتجع ليسوا كعمال ولكن كنزلاء. ولأن دماغ أحمد الصعيدى لن تقبل بتخفيض سقف الطموح. ولأن أهل بلدته من الصعب أن يكونوا من نزلاء المنتجع. فالنتيجة أن أحمد لن يأتى يوم 30 يونيو.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات