وقت المراجعات - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقت المراجعات

نشر فى : السبت 10 أكتوبر 2020 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 10 أكتوبر 2020 - 8:55 م

أقوم منذ عدة سنوات بالتركيز على قضايا رئيسية مثل الماء والتنقل المستدام، وخاصة بالدراجات، والطعام. وتمثل لى المناطق التى تتداخل فيها الأرض الزراعية مع العمران أو مخرات السيول وما يحيط بها، أو المصانع التى توقف الإنتاج فيها مناطق ذات أولوية فى تناول تلك التحديات الرئيسية التى لا تواجهنا فى مصر فقط ولكن تواجه العالم ككل.
وجاءت كورونا لتضع العالم أمام الأهمية الكبرى لتلك القضايا ليس فقط فى مواجهة الأزمة الصحية الحالية ولكن أيضا لمواجهة الأزمات المتوقعة والتى ربما تكون أكبر وأضخم مثل أزمة التغير المناخى وأزمة فقدان التنوع البيولوجى.
ولأن تلك التحديات هامة وملحة فنحن نسعى للتغلب على ما نواجهه فى سبيل الحصول على البيانات والمعلومات التى تساعدنا فى تكوين صورة أوضح عن حجم المشكلة وتداخلاتها المختلفة. ونبدأ عادة من خلال التواصل مع المصادر بصورة مباشرة من خلال الزيارات. والتى هى للأسف ليست خالية من المضايقات. ولأننا نتبنى ما يمكن تسميته التعلم متعدد الحواس، حيث تأثير وجودك فى مكان ما ورؤيتك له وكيف يعيش الناس فيه وحوله ومع سماع الأصوات واستنشاق الروائح، كل ذلك له من التأثير والتحفيز للمعرفة الكثير كما يتم استكمال فى أحيان كثيرة ما تفتقده بعض المراجع من تحليل للسياق الاجتماعى والاقتصادى والبيئى الواقعى.
***
نفتقد طبعا نقدا وتحليلا مدققا للبيانات التى تصدرها بعض الجهات الرسمية فى مصر وللأسف الشديد تضيع كمية كبيرة من المجهود البحثى فى مصر خاصة فى رسائل الماجستير والدكتوراة لغياب هذه النوعية من التساؤلات عن متن البحث وهو ما يقلل من الثقة فى جودة البيانات خاصة ما نلاحظ منها تضاربها مع مصادر أخرى بدون وجود تمحيص جاد. يعجبنى فى هذا الإطار ما تعتمده بعض المنصات الإعلامية العالمية بضرورة التأكد من مصدرين مستقلين من الخبر قبل إعلانه وطبعا فى البحث العلمى مطلوب ما هو أكثر. وبالرغم من أننا نقوم ببناء مجموعة كتب لمكتبتنا بصورة سنوية منذ عدة سنوات لكن غياب المراجع التى تتناول الأوضاع والمناطق والتحديات من وجهات نظر محلية هى تحدٍ كبير لنا وللطلبة والباحثين الجادين.
منذ شهور قليلة بدأت نقاشا مع زملاء عديدين فى داخل مصر وخارجها عما أعتقده وربما الكثيرون غيرى من أن الأزمة الصحية التى نعانى منها الآن سيكون لها تداعيات كبرى ليس على طريقة تواصلنا فيما بيننا أو مع طلبتنا ولكن الأهم على محتوى ما نقوم به حيث تبدلت الأولويات وتقدمت قضايا البيئة والصحة على ما عداها وربما للأبد. وهذا ما أراه أبرز الإيجابيات فى هذه الأزمة إن تعاملنا معها.
يظن البعض من زملائى كما يظن بعض المسئولين لدينا أنها أزمة وستعبر وسنعود لممارسة حياتنا ونعالج التأثير على اقتصادنا وأسلوب حياتنا اللذين عانا من اضطراب كبير فى هذه المرحلة الأقرب للضبابية. لا يستطيع أن يجزم أحد بصحة رؤيته تماما ولكنى أعتقد أنه من المنطقى أن تخطط وتستعد لما هو أسوأ حتى إذا حدث الأفضل كان خيرا، وإذا حصل غير ذلك تكن مستعدا.
***
إذا كان الهدف مثلا فى التعليم أن تؤثر على الطالب بصورة فعالة، فنحن أمام فرصة للتفكير والنقد الذاتى والتطوير الذى يقتضى بعضها التجارب على مستوى الأفكار والمحتوى وعلى مستوى التواصل الفعّال وأيضا على مستوى كيفية استخدام الموارد المتاحة. يمكننا مثلا الآن أن ندعم (خاصة فى الجامعة ولكن أيضا ربما فى بعض مراحل التعليم الأخرى) التعليم الذاتى وتنمية الفضول للمعرفة. يمكننا بالطبع الاستفادة من تجربة التعليم عن بعد فى داخل مصر وخارجها لاستعادة جزء من الجانب التفاعلى الهام فى تلك العملية. وكيف يمكن التخطيط لتعليم عن بعد (جزئيا أو كليا) يعمل على ألا يستبعد أى من الطالبات والطلبة ولا يترك أى منهم فى عالمه وحيدا.
يمثل أيضا النظام المركزى المتراتب فى مؤسساتنا التعليمية تحديا حقيقيا فى التعامل مع الأزمة الراهنة لأن طبيعة بنيته ينتج عنها تأخيرات (حتى وإن لم تكن طويلة المدى)، بينما يتطلب رد الفعل الآن تحركا سريعا للغاية ومرنًا يمكن تعديله طبقا للمتغيرات فى البيانات والمعلومات. المشكلة الأكبر ليست فيما نحن فيه ولكن فيما هو متوقع مستقبلا من أزمات قد تكون أكبر فى تأثيراتها على مختلف جوانب حياتنا وليس التعليم فقط.
فى وقت «الكوارث المتعددة» كما بدأ البعض يطلق على وقتنا هذا تتطلع المجتمعات للأماكن التى يمكن أن تساعدها فى عبور هذا الوقت العصيب وأماكن إنتاج العلم والمعرفة وخاصة الجامعات هى أولى تلك الأماكن التى تتطلع لها المجتمعات. وهذه بالطبع مسئولية كبيرة للغاية لو تأمل فيها المنتسبون لتلك المؤسسات.
وحتى يمكن لمؤسساتنا الجامعية أن تقوم بمسئولياتها وتستجيب لتطلعات المجتمع تحتاج أيضا لمراجعة ذاتية جادة تفكك عبء المركزية الجاثم فوق هياكلها وتسمح بل وتشجع المبادرات الفردية والجماعية اللامركزية وتعمل على توفير ما تطلبه تلك المبادرات ليس ماليا فقط ولكن أولا بمناقشة تلك المبادرات وتقدير ما يستحق منها وأيضا العمل على تنفيذ التجارب والأفكار الواعدة منها. يتطلب ذلك أيضا تعاونا داخليا وخارجيا ينقد ويراجع ويتحدى حتى يمكن للأفكار أن تنبت وتزدهر.

أستاذ العمارة بجامعة القاهرة

التعليقات