اقضِ يومك فى الحطابة - مىّ الإبراشى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اقضِ يومك فى الحطابة

نشر فى : الإثنين 11 فبراير 2019 - 10:50 م | آخر تحديث : الإثنين 11 فبراير 2019 - 10:50 م

الحطابة لغويا (فعالة) إعلاميا وإداريا (مفعول بها).
تأتيها كاميرات السينمائيين لتستغل طبيعتها المنحدرة وموقعها المتميز فى حضن القلعة. فتصور مبانيها التاريخية المحتمية بالقلعة والمطلة على المآذن والجوامع والمقابر التاريخية، وتأخذ كل هذا الجمال وتحوله إلى خلفية لقصص مكررة وحكايات نمطية تظهر أهل الحطابة الذين استضافوا الكاميرات والمخرجين والممثلين على أنهم بلطجية أشقياء.
تأتيها الجهات المسئولة بالمسطرة والقلم لتدون حالة مبانيها المتداعية وتواضع حال سكانها، وتتجاهل أسباب هذا التدهور لتصدر أحكاما عن ضرورة الإزالة والإخلاء متجاهلة علوما كثيرة – التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والاجتماع – علوما لو التفتنا إليها ستحكى قصة أكثر تعقيدا من مشاهد الأفلام وتقارير الخبراء.

تاريخ
يحكى أن موقع القلعة كان مكانا مباركا به القبور والمشاهد والخلوات حيث يعتكف الصوفية والأولياء. جاءه صلاح الدين الأيوبى فبنى عليه قلعة حصينة أسوة بما تعلمه فى بلاد الشام وهو أن المدينة ليست بمدينة دون قلعة وسور يحميها. وطبقا لرواية المقريزى اختار صلاح الدين موقع القلعة بنفسه فاختبر جودة الهواء بعدد من الأماكن المرتفعة حول القاهرة فعلق قطعة لحم نىء وراقب تحللها ليستنتج أن المكان حيث التحلل الأبطأ هو الأنقى هواء.. وهذا المكان هو موقع القلعة الآن. والقلعة بدءا من نهايات العصر الأيوبى كانت ــ مثلها مثل معظم قلاع هذه العصور ــ قرية صغيرة بها سكن للجنود وأسرهم وأسواق وخدمات. وكان امتدادها الشمالى ــ الأقرب لمدينة القاهرة ــ امتدادا للمساكن والأسواق والخدمات، وقد سمى فى العصر المملوكى باسم (تحت القلعة) يليه جبانة عرفت بباب الوزير على اسم الوزير نجم الدين محمود بن شروين المعروف بوزير بغداد الذى فتح بابا بسور القاهرة هناك. وتحت القلعة عدد من المبانى المهمة مثل ضريح الشرفا والخانقاه النظامية وقبة يونس الدوادار. ومن أهم ما ميز المنطقة مرور قوافل الحج منها وهو ما انعكس فى اهتمام عدد من أمراء المماليك منهم منجك اليوسفى وشيخو العمرى بإنشاء صهاريج وأحواض وأسبلة لتزويد الحجاج بالماء. وفى العصر العثمانى ومع تحول القلعة من مركز الدولة الإسلامية إلى مقر لإحدى ولايات الخلافة العثمانية تحول (تحت القلعة) من امتداد القلعة إلى منطقة حرفية سميت الحطابة نسبة إلى مهنة الحطب. ظلت قوافل الحج والمحمل تمر من هناك وظلت الحطابة تمدهم بالماء فأنشأ الأمير عبدالرحمن كتخذا ــ وهو أكثر أمراء العصر العثمانى ولعا بالتشييد والبناء ــ حوضا وسبيلا هناك. ومع تولى محمد على باشا الحكم خلفا للعثمانيين وفى إطار محاولاته لبناء مصر الحديثة واجه مشكلة غريبة هى عدم ملاءمة شوارع القاهرة غير المستقيمة وبواباتها الضيقة لعربته التى تجرها الخيول والمستوردة من الغرب. فشق شارع محمد على ذى البواكى الباريسية المؤدى إلى ميدان الرميلة الذى سمى لاحقا بميدان محمد على ومنه إلى القلعة عبر شارع جديد شقه بالحطابة ليدخل منه للقلعة عبر بوابة جديدة سميت (الباب الجديد). وظل هذا الباب مفتوحا حتى أغلق لأسباب غير مفهومة فى بدايات القرن الحالى.

جغرافيا
إذا فالحطابة منطقة محظوظة لموقعها المتميز فى حضن القلعة؟ نعم؛ للأسباب التاريخية السابقة.. ولا؛ لسبب غاية فى الغرابة. فى نهايات القرن التاسع عشر تأسست (لجنة حفظ الآثار العربية القديمة) بهدف تسجيل وترميم وصيانة الآثار الإسلامية على مستوى الدولة. واتبعت هذه اللجنة منهجيات المهندس الفرنسى فيوليه لى ديوك والذى كان يرى ضرورة رجوع الأثر لحالته الأصلية وكشفه من جميع الجوانب لإظهار زخارفه وشكله المعمارى. لذلك كان الهم الأعظم للجنة حفظ الآثار هو إزالة ما أسمته (تعديات) على الأثر وهى كل ما هو ملاصق له. كما أسست لما يسمى (بحرم الأثر) وهى منطقة حماية للأثر يتم إخلاؤها من المبانى أو على الأقل التحكم فيما يتم إنشاؤه بها. ولهذه المنهجية وجاهتها إلا أنها فى كثير من الأحيان تغفل أن ما هو ملاصق للأثر قد يكون هو ذاته تاريخيا. ولجنة حفط الآثار لها أياد بيضاء على كل تراثنا الإسلامى حيث إن لها الفضل وحدها فى إنقاذه، إلا أن لها هفواتها أيضا حيث إنها فى أحيان بدأت فى هدم منشآت ملاصقة لآثار مهمة لتكتشف أثناء الهدم أثريتها. هكذا تم هدم الكتاب الذى كان يعلو سبيل الناصر محمد الملاصق لمجموعة المنصور قلاوون بشارع المعز. وحرم الأثر هذا غالبا ما يكون نحو 2 متر حول الآثار داخل المدينة يتم إخلاؤه وإحاطته بسور وكثيرا ما يتحول إلى مكان إلقاء للقمامة. ورجوعا للقلعة فقد رأت الجهات الحكومية عام 1973 بأن القلعة حالة خاصة يجب إخلاء ما حولها على بعد يصل إلى 600 متر. وشملت منطقة الإخلاء حيين تاريخيين هما عرب آل يسار والحطابة. ولم يتم تنفيذ قرار الإخلاء إلا أنه تم منع أعمال تنكيس وترميم المبانى السكنية وتم وقف تراخيص البناء. وبالتالى بدأت البيوت التاريخية ذات العقود والمشربيات فى التداعى واضطر الأهالى فى حالات كثيرة للتنكيس أو الهدم وإعادة البناء بدون ترخيص. وأما الذين اختاروا الالتزام بالقانون فقد تحولت منازل وورش بعضهم إلى مبان غير آمنة وأنقاض. وبالتالى تحولت الحطابة من مدخل الملوك والسياح للقلعة إلى منطقة متهالكة فقيرة الحال.

سياسة
فى عام 2008 تم تأسيس صندوق تطوير المناطق العشوائية بهدف نبيل هو التعامل مع المناطق غير الرسمية بمصر. وقام الصندوق بتسجيل العديد من الأحياء كمناطق عشوائية وكان التوجه بأولوية التعامل مع ما سمى بالمناطق غير الآمنة التى تشكل خطرا على أرواح قاطنيها. وكان القرار بإزالة جميع ما سجل كمناطق خطورة من الدرجة الأولى والتعامل مع ما سجل كمناطق خطورة من الدرجة الثانية بما سمى (بإعادة التخطيط). ومصطلح إعادة التخطيط هذا مصطلح مطاطى قد يحتمل التنمية العمرانية أو الإزالة. فمنطقة ماسبيرو التى تم إزالتها بالكامل هى منطقة خطورة من الدرجة الثانية. وكذلك عرب آل يسار التى يتم إزالتها حاليا وكذلك الحطابة الصادر لها قرار إعادة تخطيط بتاريخ 2017 إلا أنه لا تزال الفرصة قائمة للتعامل معها كمنطقة تاريخية يجب تطويرها مع التعامل مع المبانى غير الآمنة والمخالفة.

اقتصاد
إذا فقيمة الحطابة فى نسيجها المعمارى التاريخية. فقد سجلت خريطة وصف مصر أن شكل وأسماء شوارعها لم يتغير منذ العصر العثمانى على الأقل وبها العديد من المبانى التاريخية السكنية والدينية غير المسجلة. وآثارها ترجع للعصر المملوكى وتشمل الخانقاة والضريح والمسجد والسبيل والحوض والصهريج. كما أن بها كثافة عالية من الورش معظمها يدوى وتقليدى فتشتهر بورش النجارة والتطعيم بالصدف والخيامية. وقبل غلق الباب الجديد للسياحة كان شارعها الرئيسى مسارا سياحيا به محال وورش سياحية. القلعة الآن من أهم مزارات السياحة بالقاهرة وعلى الرغم من أنها محاطة بالآثار والأحياء التاريخية المهمة فإن السائح يدخلها من طريق صلاح سالم ويخرج من نفس المكان دون المرور على هذه الآثار. وكانت السياحة قديما تخرج من الباب الجديد مرورا بالحطابة ونزولا لميدان القلعة حيث جامعا السلطان حسن والرفاعى فى مسار أكثر تشويقا للسائح وأفيد اقتصاديا للبلد.

اجتماع
منطقة الحطابة منطقة صغيرة لا يتعدى سكانها الألفى نسمة. مرتبطون ارتباطا تاريخيا بمنطقتهم. يعمل معظمهم فى السياحة والحرف التقليدية. يفخرون بتاريخ المنطقة ويتحاكون عن زمن كانت العربة الملكية تدخل القلعة من عندهم وزمن آخر ليس ببعيد كانت تأتيهم فيه السياحة وكانت منتجاتهم مطلوبة للبيع فى خان الخليلى. يحمون القلعة من جهة الشمال ويحافظون عليها. ذلك على الرغم مما سببته لهم جيرتها من أذى.

بارقة أمل
قامت جمعية الفكر العمرانى ــ التى أرأس مجلس إدارتها ــ بعمل مقترح مبدئى لتطوير منطقة الحطابة بالتعاون مع ممثلين عن وزارة الآثار وصندوق تطوير المناطق العشوائية ومحافظة القاهرة. استنادا إلى دراسة اليونسكو المفصلة للقاهرة التاريخية وتعاونا مع مكتب اليونسكو بالقاهرة. المقترح يؤسس لفكرة الحفاظ على منطقة الحطابة بناسها ومعمارها كحى من أحياء مدينة القاهرة التاريخية الحية. فيوصى بإعادة فتح الباب الجديد للقلعة تشجيعا لخروج السياحة منه مرورا بالحطابة ووصولا إلى مزارات سياحية مهمة بالقاهرة التاريخية. وذلك بالتوازى مع تشجيع الحرف اليدوية القائمة خاصة حرفتى التطعيم بالصدف والخيامية. كما ضم المقترح دراسات للإدارة والشراكات والتنمية الاقتصادية. وقد قامت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية التابعة لوزارة الآثار بالموافقة على المقترح من حيث المبدأ وجارٍ الآن مخاطبة محافظة القاهرة لأخذ المقترح فى الاعتبار والتعاون مع الجمعية لإعداد مخطط تفصيلى يأخذ طبيعة المنطقة التاريخية ومؤهلاتها السياحية فى الاعتبار مع التعامل الجاد مع المبانى غير الآمنة والمخالفة.
وتقوم الجمعية بالتعاون مع وزارة الآثار ومحافظة القاهرة بتنظيم جولة بمعالم الحطابة التاريخية وورشها الحرفية تنتهى بحفل غنائى يوم الجمعة 15 فبراير وذلك فى إطار (اقضِ يومك فى الخليفة 6) وهى فاعلية سنوية يتم تنظيمها للتعريف بتراث حى الخليفة وتقام من 13 إلى 16 فبراير بين شارع الصليبة ومنطقة الإمام الشافعى والحطابة وشارع الخليفة. جميع الأنشطة مجانية والدعوة عامة.
لمزيد من المعلومات وللتسجيل: اقضى يومك فى الخليفة 

مهندسة حفاظ معمارى حاصلة على دكتوراه فى الآثار – رئيسة مجلس إدارة جمعية الفكر العمرانى ومنسقة مبادرة الأثر لنا
www.atharlina.com; www.megawra.com

مىّ الإبراشى رئيس مجلس إدارة جمعية الفكر العمرانى ومنسق مبادرة الاثر لنا
التعليقات