القبعات - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القبعات

نشر فى : الأحد 11 ديسمبر 2011 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأحد 11 ديسمبر 2011 - 9:35 ص

القبعات مصطلح يتم استعماله للتعبير عن الموقع الذى يتحدث منه الشخص. وهو الموقع الذى يحدد زاوية الرؤية وكذلك الأرضية التى يستند إليها المتحدث أو الكاتب فيما يكتبه. ويطل علينا من المنابر الإعلامية كتابا يرتدون أربع قبعات أساسية. قبعة الصحفى والأكاديمى والسياسى والمثقف. يفرض موقع كل قبعة على المتحدث قائمة أولوياته كما يحدد ما يراه من أحداث. فالصحفى على سبيل المثال مرتبط بحكم اتجاه قبعته بالأحداث اليومية، أسير فى معظم الأحيان لمفهموم الخبر، أقدامه منغرزة فى الأرض التى يقف عليها. ويسعى الأكاديمى لضبط المدخلات لمعايير علمية ومنهجية لمحاولة تحديد أنساق يمكن أن يقارنها بأنساق أخرى، حتى يقدم تحليلا شاملا للواقع. والسياسى منشغل بتحليل القوى السياسية ليرى كيف يمكنه التعامل مع حركتها وتحقيق مكاسب يمكنه من خلالها خدمة الوطن. أما المثقف فيحطم الزمان والمكان ليستطيع أن يرى من خارج وطأتهما، غير منشغل باليومى ولا بالمدخلات الخبرية، وإنما بمسيرة الإنسان منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا. المأساة أن كثيرا ما يطلب من أشخاص يرتدون قبعات مختلفة أن يتحاوروا. حوارهم فى معظم الأحيان مستحيل لأن كل منهم يقف على أرض مختلفة تماما عن الأخرى. وقد جرت العادة أن يتحاور الصحفى مع السياسى والمثقف والأكاديمى. ولكننا نجد أكثر وأكثر هذه القبعات الثلاث، وقد دخلت فى الحقل الإعلامى بالكتابة فى الصحافة اليومية أو الظهور عبر الشاشة التليفزيونية كمقدمى برامج. فشاهدنا على سبيل المثال الأكاديمى د.حسن نافعة يكتب مقالا صحفيا يوميا، والسياسى د.عمرو حمزاوى الذى أسس حزبا سياسيا، وتم انتخابه فى البرلمان يقدم برنامجا تليفزيونيا، والمثقف د.محمد المخزنجى يكتب المقال.

 

يطالب البعض كل من يتعامل مع الإعلام أن يرتدى قبعة الصحفى لأن المتلقى قارئا أو مستمعا أو مشاهدا ينتظر عندما يتعاطى مع الإعلام «الصحفى» وليس أحد غيره. فهؤلاء اعتادوا تاريخيا التعامل مع قبعة الصحفى وينشغلون معه باليومى والخبرى. وكثيرا ما يتم تلقى حديث أو نص كتبه من يرتدى قبعة غير قبعة الصحفى بنفس معايير التلقى للنص الصحفى. هو أمر محير. فهل يجب كتابة نوع القبعة أمام كل مقال أو برنامج حتى يتسنى للمتلقى ضبط شفرة استقباله على موجة القبعة؟ أم يجب أن ينسحب المثقف والأكاديمى والسياسى من حقل ما هو صحفى بالأساس؟ أسئلة تحتاج إلى التفكير، كما تحتاج إلى إجابات. فلو شاهدنا ما تمت كتابته عن الجولة الأولى للانتخابات التشريعية فسوف نجد اختلافات واضحة فى الرؤية حسب كل قبعة، تظل الغلبة ولا شك للصحفى الذى يتابع الأخبار، أما ما هو غير صحفى فيتم إشهار سيف بتار فى مواجهته بمعايير القبعة الصحفية. وكثيرا ما يتم الضغط الاجتماعى على المثقف على سبيل المثال من أقربائه وأهله متسائلين: كيف لا ينشغل باليومى، ويظل هو فى موقف المدافع عن دور الثقافة فى تاريخ الإنسانية وسط قهقهات البعض.

 

●●●

 

أما أنا فلأننى لم أكن صحفيا أو سياسيا فى يوم من الأيام، ولم أصبح أكاديميا كذلك بعد أن غيرت الطريق والحمد لله، لم يتبقَ لدىّ إذن إلا قبعة المثقف. ومن تأثير ووزن هذه القبعة على رأسى أقول الآتى وأقدامى كعادتها محلقة خارج ما يشغل «الصحفى»:

 

ما نعيشه هو مأتم للديمقراطية. أتساءل كيف يتحدث البعض عن عرس الديمقراطية فى إطار إقامة إنتخابات فى ظل أحكام عرفية، وقانون طوارئ، ونظام انتخابى مرتبك، وأحزاب غير مكتملة المولد، وفى ظل حكم بطش قبل أيام من بدء الانتخابات بمنتهى القسوة بمتظاهرين مصريين.

 

أخطأت القوى الثورية فى مصر أخطاء فادحة، واستكملت هذه الأخطاء باشتراكها فى مهزلة الانتخابات التى سوف تنتهى ببرلمان لا نعرف بدقة صلاحياته، ولا المدة التى سوف يمارس فيها هذه الصلاحيات غير المعروفة، داخل بنيان سياسى غير واضح المعالم، يسير نحو وجهة غير معلومة.

 

أثبتت النخب السياسية المصرية خلال الشهور الماضية أنها غير ناضجة على الإطلاق.  

 

أرى أن الانتخابات التشريعية الحالية خطوة مهمة فى مشروع إجهاض الثورة المصرية، وهو استكمال للاستفتاء الذى نجح نجاحا باهرا فى إقامة فجوات هائلة الضخامة فى جسد الثورة، عن طريق تحويل طاقة المصريين من دعم الحراك الثورى المطالب بإسقاط نظام فشل فى تحقيق الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية إلى التوجه إلى صناديق الاستفتاء وصناديق الانتخاب للا شىء على الإطلاق.

 

القوات المسلحة تمسك خيوط كثيرة سياسية واقتصادية، وسوف تفرض فى النهاية ما سوف يحقق مصالحها وإلا سوف تنقلب على القوى السياسية القائمة.

 

سوف يظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الجهة المسيطرة فى العلاقة بينه وبين التيار الإسلامى. وسوف يقبل التيار الإسلامى هذه الهيمنة.

 

أتساءل: كيف يمكن حل الورطة مع الناخبين بين أحزاب منتخبة بلا صلاحيات وبين مجلس عسكرى حاكم بأمره؟

 

ملايين الناس تحركت من منازلها للإدلاء بأصواتها فى الانتخابات. هل يمكن أن يتم التعامل معهم من قبل السلطة كطراطير؟ وإلى أى مدى زمنى هذا ممكن؟

 

نعيش حالة مخاض. صعب وطويل وسوف يطول لسنوات قليلة قادمة وكلما تسامينا كلما زادت إمكانية أن يخرج المولود عفيا.

خالد الخميسي  كاتب مصري