أثارت كارلا ساركوزى سيدة فرنسا الأولى أزمة حين توجهت بصحبة زوجها للقاء ملكة إنجلترا إليزابيث الثانية، حيث رفضت كارلا الانحناء أمام الملكة وفقا لقواعد البروتوكول، تلك القواعد من مقدسات الحكم فى بريطانيا، وأكبر مظاهرها الملكة ذاتها، فوجودها وموضعها وموقعها مجرد بروتوكول..
وحين رفضت كارلا الانحناء أمام الملكة، تعمدت الملكة عدم مصافحتها، وربما تصبب الرئيس الفرنسى عرقا، ففى تاريخ العلاقات بين فرنسا وبريطانيا العديد من الحروب، ولا يجب أن تشتعل حرب جديدة بسبب عناد سيدتين..
المهم أن الصحف الإنجليزية لم تترك كارلا، إذ شنت عليها هجوما حادا واعتبرتها خارجة عن آداب الوقوف فى حضرة الملكة.. بينما قالت كارلا: إن هذا البروتوكول ليس ملزما لها، وما لا يقبله الإنجليز ليس بالضرورة أن تقبله هى..؟
لاشك أن كارلا ساركوزى تعرف وتفهم معنى البروتوكول الملكى البريطانى، فحين أحب وريث العرش الإنجليزى دوق وندسور فتاة من عامة الشعب، لم يسمح له بالزواج منها، فتخلى عن العرش وهاجر إلى فرنسا..
وكانت العائلة المالكة تنتقد الأميرة ديانا لتواضعها وبساطتها وانغماسها مع العامة من الشعب البريطانى، وهذا كان وراء الحب الجارف للأميرة من جانب الناس.. لكن ذلك لا يعنى أنهم لا يحترمون الملكة، فهم يحبون البسطاء من الأمراء ويتمسكون بكل قواعد التاج البريطانى وصوره وأهم تلك الصور هى الملكة.
كارلا ساركوزى قامت منذ أسابيع قليلة بزيارة رسمية أخرى إلى إسبانيا برفقة الرئيس الفرنسى.. والتقت الملكة صوفيا ورفضت الانحناء أمامها كما فعلت أمام ملكة بريطانيا.. لكن صوفيا لم تغضب، وابتسمت، وصافحت كارلا..
وهذا من أسباب حب الشعب لملكة إسبانيا.. إنها البساطة والتواضع أمام الناس وأمام حبهم.. وهذا بات معروفا بالتأكيد عن الرئيس الأمريكى باراك أوباما أيضا..
فهو يمزح ويلقى بالنكات فى حفل العشاء السنوى للصحفيين الذين يغطون أنشطة البيت الأبيض، ويداعب الدكتور زاهى حواس ويسأله عن وجه الشبه بينه وبين رسم فرعونى. وهو الرجل الذى يحكم أقوى دولة فى العالم ويحكم بدوره هذا العالم..
لكن بعض الناس يعانون من مرض التعالى وانتفاخ الأوداج، وأعرف واحدا منهم ينفرد بأنه يبدأ يومه «بشرب كوب من النشا» حتى يضمن أن تنتفخ روحه، وتفقد كل مظاهر ليونتها مثل ياقة القميص الذى يرتديه.. وأمثال هذا الشخص تجدهم أنصاف موهوبين، وأنصاف عاقلين، وأنصاف مشاهير وأنصاف بشر.
المدهش أن كثيرا من النجوم والعباقرة والعلماء والوزراء تجدهم فى غاية التواضع، هكذا وجدت نجيب محفوظ ود.أحمد زويل، ود.مصطفى السيد، وتوفيق الحكيم، وغيرهم ومنهم ملكة إسبانيا.. الملكة صوفيا.. نعم صوفيا التى قابلتها بالمصادفة فى أحد محال الهدايا التذكارية الأوليمبية بالعاصمة اليونانية أثينا عام 2004..
ففى وسط زحام هائل فوجئت بوجود الملكة وهى تتحرك وسط الناس وتتصبب عرقا، وتختار هدايا أظن أنها تليق بالملوك، وكانت الملكة محاطة بحراسها.. وشدنى وجودها وترددت بسبب الحراسة، لكننى قلت لنفسى: «يجب أن تصافح الملكة، فالإنسان لا يقابل ملكة كل يوم، وسوف تكتب فى تاريخك أنك قابلت ملكة وصافحتها (ها أنا أكتب فى تاريخى)»..!
توجهت صوب الملكة صوفيا.. كأننى لا أرى حراسها.. وكانت المفاجأة أن مواطنا بسحنة وملامح أبناء الشرق الأوسط الإرهابيين، كما يظنون عنا، يخترق حراسة ملكة إسبانيا، ويفسحون له الطريق دون أن يركل أو يضرب أو يقتل برصاصة، أو يطعن بكلمة مهينة، أو يسب، أو يتلقى ضربة قلم أو «قفا»..
وكانت المفاجأة الأكبر أن صوفيا رحبت بى بحرارة، كأنها تعرفنى أو التقت بى من قبل.. وعندما قلت لها إننى من مصر، اتسعت ابتسامتها.. كأنها رأت منقرع أو «منكاو ـ رع» حتى لا يغضب رئيس المجلس الأعلى للآثار..!
دار بينى وبين جلالة الملكة حوار قصير لا تزيد مدتة على 60 ثانية، لكنه بدا لى طويلا جدا ومهما جدا، وقد سألتها عن رأيها فى الألعاب الأوليمبية فقالت إنها من أهم وأجمل الأحداث التى عرفها البشر، وأن قدرات الإنسان تتجلى فى تلك المنافسات..
وبعد كلمة شكر ووداع انسحبت من حضرة الملكة صوفيا، وأنهيت مهمتى بشأن شراء الهدايا التذكارية عن الألعاب الأوليمبية، وخرجت من المحل الضخم محملا بالعديد من الأكياس، ووقفت لأرتاح وألتقط أنفاسى فى الخارج، وكان كل يونانى يرانى واقفا محملا بأكياس الهدايا يهتف قائلا: «سعوديا أرابيا»..
وكنت أرد فورا: «نو.. نو.. إيجيبت أرابيا».. ولمحت الملكة صوفيا وهى تغادر المحل الكبير وفى يدها كيس صغير بدا لى أنه مجرد «دبوس» يمثل أحد شعارات دورة أثينا.. ونظرت إلى أكياس الهدايا التى أحملها للأهل والأصدقاء، وعرفت الفرق بين أمثالى وبين الملوك؟!