«بيت القاضي» - محمود قاسم - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«بيت القاضي»

نشر فى : الجمعة 12 أغسطس 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 12 أغسطس 2022 - 8:10 م

أغلب الأفلام مرآة صادقة للعصر الذى أنتج فيه، خاصة من الناحية الاجتماعية والسياسية، ولعل فيلم بيت القاضى المأخوذ عن رواية إسماعيل ولى الدين وإخراج أحمد السبعاوى هو الأبرز فى تلك الفترة، هو فيلم مثير للدهشة باعتبار أن أحمد السبعاوى لم يخرج فيلما بذات القيمة والأهمية لا من قبل ولا من بعد رغم كثرة أعماله كمساعد مخرج أو فى أعماله السينمائية والتلفزيونية، هو مخرج وخلاص، وقد اكتسب الفيلم أهميته من السيناريو الجيد الذى كتبه عبدالحى أديب، وهو الكاتب الذى تباينت أهمية أعماله طوال تاريخه خاصة فى الثمانينيات، وأذكر المرة الأولى التى شاهد فيها هذا الفيلم فى مهرجان الإسكندرية والاستقبال الحافل له من النقاد والسينمائيين، مخرج لم يكن أبدا من أصحاب أفلام القضايا أو الجدل، ويذكر له أنه قام بتنفيذ النص بشكل يجعله واحدا من الأعمال المهمة، فالفيلم مرآة حقيقية لأحوال المجتمع من خلال حكايات متشابكة لسكان منطقة بيت القاضى الذين يمثلون اتجاهات فكرية متعددة، لكل منهم مصالحه التى تضارب مع مصالح الآخرين ففى هذا العالم الضيق الأشبه بكل قصص نجيب محفوظ، فإن كل هؤلاء الأبطال لا يغادرون المنطقة ولكنهم يلتزمون بالإقامة فيها ويعود بعضهم من الغربة القاسية لاستئناف حياتهم وعلى رأسهم فتحى «نور الشريف» الشاب الذى لم يحقق أى حلم له فى الغربة فعاد مفلسا ليبحث عن عمل وليتزوج حبيبته، ويكتشف أن أباه قد مات مقتولا، وأن والد حبيبته قد غيَّر اتفاق معه حول الخطبة، فى رأى أن الفيلم من نوع «سواق الأتوبيس»، فالشباب الثلاثة الذين اشتركوا فى حرب أكتوبر صاروا فى الثمانينيات مجرد مواطنين مطحونين أحدهم «الأكتع» الذى يبحث عن فرص عمل وهناك أمين الشرطة الذى تزوج من أرملة والد فتحى بعد مقتله أما الثالث فهو المثقف «أحمد عبدالوارث» الذى يحاول الترشح فى الانتخابات ضد الخوانجى، معلم الحارة يمتلك ثرواتها الذى يريد الحصول على كل شىء مثل حبيبة فتحى والحصول على مقعد فى مجلس الشعب، لذا يقدم الإغراءت لأبناء المنطقة بكل أنواعها ويساعده فى ذلك أمين الشرطة الفاسد الذى يرتكب الجرائم باعتباره الذراع للسلطة والذى يستغل وظيفته لفرض إرادته على زملاء «الكروانة».
المشاهدون الذين رأوا الفيلم فى عرضه الأول يجد كل منهم نفسه فى إحدى هذه الشخصيات خاصة أبناء الأحياء الشعبية مثل منطقة بيت القاضى فهذه مجموعة من الفقراء يمكن شراؤهم بالرشاوى الانتخابية، ويظهر من بينهم المتشددون دينيا الذين عاد بعضهم محملا بالدولارات حيث يفرض المال سطوته، وتبدو إرهاصات الخلافة الدينية مسيطرة على الحوار بين الناس، حتى هذا الحوار فهو معتدل قبل أن تشتد حالة التطرف فى مصر، وكما أشرنا أن أغلبهم من الشباب الذين صاروا الآن بعد أربعين عاما من الشيوخ، علما أن أغلب من قاموا بالتمثيل فى هذا الفيلم رحلوا عن عالمنا وصاروا تاريخا، لكن لا يزال بيت القاضى يمثل صورة حقيقية للجدل القائم فى المجتمع المصرى، كما رصده عبدالحى أديب الذى انحاز للفقراء ضد كل من هو قوى بسلطاته ومركزه الاجتماعى والمالى، وسط صورة نمطية للأشرار وأيضا للأخيار وعلى كل فإن الفيلم هو قراءة صادقة لتلك المرحلة السياسية والاجتماعية، وعليه فإن أمام فيلم تتسم البطولة الاجتماعية لنجوم تلك المرحلة مع التركيز على المناطق الشعبية، كما صورها إسماعيل ولى الدين فى روايته، هذه الروايات التى تباينت أهميتها فى السينما حسب كاتب السيناريو، وأيضا حسب كل مخرج فهو صاحب خمسة عشر عملا أدبيا تحولت إلى أفلام وهذه الأفلام أيضا هى الشاهد الأكبر على عصر لا يزال حيا فى الذاكرة.

التعليقات