اللعنة الأبدية: النهضة فى قفص الاتهام - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللعنة الأبدية: النهضة فى قفص الاتهام

نشر فى : الثلاثاء 14 يوليه 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يوليه 2015 - 9:35 ص

لقد صار تداول الفيديوهات التى تدين قيادات النهضة من الممارسات المتأصلة بعد كلّ حدث إرهابى. فما إن تنتشر أخبار الإرهابيين ومخططاتهم وصورهم حتى يسعى عدد من السياسيين والإعلاميين والمثقفين والفايسبوكيين إلى تفعيل ذاكرة التونسيين عملا بالآية: «وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين». وليست الغاية من وراء هذا الجهد المبذول على مستوى صناعة صور الفوتوشوب، ونسج خطابات يمتزج فيها الجدّ بالهزل ونشر «حكم» و«أقوال مأثورة» وردت على لسان الغنوشى أو على العريض أو رفيق بوشلاكة وغيرهم إلاّ لتأكيد صلة هؤلاء بالإرهاب، والضغط على الحكومة حتى تفتح الملفات التى تجنّبت فتحها لأسباب فرضتها موازين القوى السياسية، وتبدأ عملية محاسبة الذين تورطوا فى النشاط الإرهابى أو تساهلوا أو يسّروا دخول العناصر الإرهابية...

بيد أنّ السؤال المطروح فى هذا الصدد لِمَ لَمْ ينجح حزب النهضة فى تغيير صورته بالرغم من كلّ ما فعله؟ إنّ المجهود الجبّار، والأموال الموظفة لحلقات التدريب والمؤتمرات وشبكات المناصرة الفايسبوكية والإعلامية، والتنازلات المقدمة، والخطابات المعدلة، وللدعم الإعلامى العالمى والدعاية، وغيرها، وآخرها نشر صورة الغنوشى وهو يمارس الرياضة فى الملعب مع الشبّان فى إيحاء بالالتحام بثقافة السلم وتجدد الطاقة الإيجابية.. إنّ كلّ هذا النشاط لم يجبّ ما قبله.
لقد كانت هذه السياسات «النهضوية» مؤثّرة فى الخارج وخاصّة فى الولايات المتحدة الأمريكية عرّاب الإسلام السياسى. أمّا على المستوى الداخلى فإنّ شكوك خصوم النهضة تحوّلت إلى يقين خاصة بعد كشف النقاب عن مسئولية علىّ العريض فى تيسير هروب أبى عياض، وتغاضيه عن الرسالة المحذّرة من اغتيال البراهمى، ودور بعض الجمعيات الخيرية والمدارس القرآنية وأئمة المساجد فى تيسير هجرة الشبّان إلى سوريا فضلا عن مسئولية وزير الشئون الدينيّة نور الدين الخادمى عن ظاهرة فوضى المساجد ووقوعها تحت سيطرة السلفيين المتشددين..

***

إنّ طقس الجلد الذى يمارسه خصوم النهضة مع كلّ اعتداء إرهابى يثبت أنّ الحزب اقترن فى أذهان هؤلاء باستشراء ظاهرة العنف حتى وإن أعلنت القيادات أنّها غيّرت مواقفها منذ زمن. ولكنّ المسألة لا تقتصر على اتهام النهضة بممارسة العنف فى الماضى فقط بل خلال السنوات الأخيرة وهو ليس عنفا ماديا فحسب بل هو عنف رمزى يفعل فعله فى الناس، ويسرق أحلامهم ويصادر آمالهم.

ويعدّ تمسّك المعارضين لتشريك النهضة فى الحكم بتنشيط ذاكرة التونسيين مفهوما باعتبار انغماس الشبان فى العمل الإرهابى وتصدرهم قائمة العناصر الأكثر فاعلية فى أرض الشام. ولعلّ ما يحز فى نفوس خصوم النهضة أنّ ما أكّده مورو حين استقبل وجدى غنيم من أنّ الرهان هو على الناشئة قد تحقّق. فكيف يمكن التسليم بانخراط عدد من القيادات فى مشروع مكافحة الإرهاب والحال أنّ الحزب لم يقرّ بمسئولية بعض أبنائه عن تسريب الأفكار المتطرفة داخل المؤسسات التعليمية والدينية؟ وأنّى لمن اعتبر أنّ السلفية يبشرون بثقافة جديدة أن يقنع الأجيال الجديدة المندفعة نحو الجهاد فى بر الشام بأنّ ما يحلمون به يندرج فى خانة الجرائم المنظمة؟ وأنّى لمن كان فى موقع القرار وتجاهل معاناة الأهالى الذين فقدوا أبناءهم مفضّلا مصلحته الحزبية على حلّ مشكلة ضحايا عمليات غسل الأدمغة أن يقنع التونسيين بأنّه فعل كلّ ما فى وسعه من أجل تطويق الأزمة؟ وأنّى لمن تغاضى عن أهميّة المراجعات الفكرية وبيان الصلة بين الإرهاب والخطاب الدينى أن يستمرّ فى نسج خطابات تُدين الإرهاب؟

***

ليست زيارة الغنوشى وعدد من القيادات فندق سوسة، أى مكان الجريمة إلاّ عملية ترميم لصورة الحزب، وليس خروج أتباع النهضة فى المسيرات المندّدة بالإرهاب إلاّ بحثا عن المرئية وليست التصريحات الإعلامية هنا وهناك إلاّ محاولات لصناعة صورة ناصعة وصياغة سردية مطمئنة. ومادامت القيادات لم تقر بأهمية المصارحة والمحاسبة وتحمّل المسئولية فإنّ هذه الوجوه التى تخرج كلّما حدثت عملية إرهابية لتندّد وتتبرأ وتتوّعد لن تفارقها اللعنة الأبدية وستظل مرمى سهام المنتقدين والساخطين والمتهمين الذين لن ينقطعوا عن ممارسة الرجم بالكلمات مادامت سياسة الحكومة قائمة على المصالحة عملا بمقولة «الصلح خير».

 

التعليقات