آثار السياحة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

آثار السياحة

نشر فى : الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 8:54 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 9:00 م

يعتبر نشاط السياحة من أعمدة الاقتصاد المصرى حيث ينسب إليه أنه يسهم بقدر كبير من الوظائف فى الداخل، كما أنه من المصادر المهمة للنقد الأجنبى من الخارج. وهاتان الصفتان تكسبان القطاع وضعا متميزا على المستوى العالمى، خصوصا أنه يسهم فى تشكيل طلب مهم على وسائل الانتقال عبر البلدان، لاسيما الطيران، الذى يعتبر بدوره محركا لقطاعات أخرى تدر دخلا من خلال قنوات متعددة، وفى تعزيز خدمات أخرى لاسيما فى ترتيب الرحلات بين البلدان، وإيجاد طلب إضافى على الاتصالات عبر الحدود.

وتملك مصر من الموارد ما يجعلها تتميز فى أنواع عديدة من السياحة، فى مقدمتها الآثار التى تشتهر بامتلاكها ما يفوق سدس ما لدى العالم، وهو قدر مرشح دائما للتزايد، ويتميز بإبهاره المشاهدين بمضامينه الحضارية التى سبقت فى ازدهارها باقى العالم، ولأن ما بقى منه فى صورة سليمة يفوق كثيرا ما تبقى من حضارات عاصرتها فى وادى الرافدين وأودية الصين. وعلى امتداد شواطئها، خصوصا المطلة على البحر الأحمر تختزن من الأحياء المائية ما يخلب ألباب عشاق الطبيعة وجمالياتها، خصوصا أنه يقترن بممارسات رياضية يفتقدها أسرى المكاتب والمصانع، تحت شمس تبعث البهجة والدفء خصوصا لمن يأتون من أماكن تفتقدها. وإذا كانت قد حرمت من الغابات والمسطحات النباتية التى تغذيها أمطار شاء الله أن تندر فيها، فإن صحراواتها تضم مواطن يندر وجود مثيل لها، لم تنل بعد حظها من الذيوع والانتشار، وهو ما جعل أهلها يشكلون مجتمعات متفرقة لم تلوثها آفات الحداثة بعد. هذه الثلاثية: الآثار والبحار والصحارى تمثل خصائص ذات طبيعة ريعية، تمتاز عن غيرها من الموارد الطبيعية بأنها لا تتعرض للنضوب إذا ما حفظها الآدميون.

وإذا كانت سياحة الآثار تشفى فضول الراغبين فى التعرف على ملامح من حياة الإنسان فى عهود مضت، فإنها تمثل حالة خاصة من السياحة الثقافية التى يسعى الإنسان من خلالها إلى توسيع مداركه العلمية وإشباع حواسه الفنية، وهى جميعا من صنع البشر. فإذا كانت الآثار تعكس ثقافات انقرضت، فإن الوجه الحضارى لأى مقصد سياحى يظهر فى السياحة العلمية التى تجذب طلاب العلم بقدر التقدم العلمى، والسياحة الترفيهية التى تلعب فيها الفنون الرفيعة دورا مهما فى اجتذاب ذوى الحس المرهف، بعيدا عن الإسفاف الذى يعتمد على إثارة الغرائز، وسياحة المؤتمرات التى تقصد أماكن توفر بيئة مناسبة فى المجالات التى تعقد حولها، سواء كانت علمية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، ويتفرع عنها سياحة المؤسسات الدولية، إقليمية كانت أم عالمية، تزدهر فى المواقع التى توفر قاعدة تخدم التخصصات التى تعمل فيها.

وهناك أيضا السياحة الطبية التى تقصد أماكن أحرزت تقدما فى علاج أمراض بعينها، أو تلك التى حبتها الطبيعة بمقومات الاستشفاء واهتدى أصحابها إلى حسن استخدام تلك الموارد وتوفير الراحة لروادها. وفى كل الأحوال يبدو جليا دور مهارات البشر القائمين على شئون السياحة، ومدى تحضر البيئة المحيطة بهم، وهى أمور تخفيها أحيانا المزايا الفريدة للخواص السياحية، خصوصا إذا كانت آثارا لا تنتمى إلى الإنسان المعاصر إلا فى حفظها وعرضها. إن هذا كله يكسب النشاط السياحى أهمية لمصر كمقصد، وللعالم كباحثين عما ينسيهم هموم الحياة.

وقد عقدت ورشة عمل مؤخرا حول ما يسمى «الحسابات القومية» للسياحة، بمعنى بناء قاعدة المعلومات التى تفحص علاقة القطاع بباقى الاقتصاد القومى. وهذا جهد مشكور إذا أرسى أسسا علمية لعملية مستمرة من جمع البيانات وتحليلها لاستخلاص النتائج التى تسهم فى تصويب مسيرة القطاع وتعظيم العائد منه. غير أننا يجب أن نطرح سؤالا مهما بالنسبة لدولة تجاهد من أجل التنمية: هل تصلح السياحة كقاطرة للتنمية، وهل هى قادرة على معالجة المشكلات الكبرى التى تواجه الدولة وفى مقدمتها البطالة، خصوصا بين الخريجين؟ إن أثر أى نشاط اقتصادى على الاقتصاد القومى يبدو فى ثلاثة أمور: الأول فيما يتضمنه من أعمال توفر فرص عمل ويتولد عنها دخل، وهو ما يجرى تقييمه وفق معايير الأداء التى تعبر عن مدى الكفاءة الاقتصادية فى إدارة شئونه؛ والثانى فى آثاره الخلفية المتمثلة فيما يحدثه من طلب على مستلزماته يساهم فى رواج القطاعات التى توفرها، ولكنه فى نفس الوقت يزاحم به قطاعات أخرى تحتاج إليها؛ والثالث هو ما يترتب على منتجاته من توفير احتياجات قطاعات تحتاجها لتوسيع نشاطها وهو ما يطلق عليه الآثار الأمامية.

فبالنسبة للآثار الخلفية نجد أن نشاط السياحة يولد طلبا على مستلزمات ينافس الاستهلاك المحلى وكذلك احتياجات النشاط الاقتصادى الجارى، وهو ما يكون طيبا إذا كان المعروض منها يفوق الطلب القائم، بينما ترتفع تكلفته إذا كانت الطاقات المتاحة لا تفى بمتطلبات الأنشطة الأخرى. وهنا نلاحظ أن السياحة تتجسد أساسا فى طلب على وسائط نقل داخلى وخارجى وبالتالى ما يلزم له من بنية أساسية متطورة، كما أنها تمثل طلبا على أماكن للإقامة ينافس الطلب على الإسكان وعلى المنشآت اللازمة للإنتاج، الأمر الذى يدفع إلى التركيز على إنشاءات متميزة، تحدث بدورها طلبا على مواد البناء من ناحية، وتعطى مؤشرا مبالغا فيه للقيم الإيجارية، ينعكس على قطاع إسكان المواطنين، وعلى تكاليف المنشآت المخصصة للإنتاج، مما يضعف من الهامش الذى يتبقى لها لتعزيز قدرتها على المنافسة فى الأسواق الداخلية والخارجية..

ويكفى أن نشير إلى الصراع حول الضبعة فى المفاضلة بين تخصيصها لقطاع حيوى هو الطاقة، أو تركها لمستثمرين يفضلون النشاط السياحى لربحيته على ما عداه من أنشطة اقتصادية تحدث تنمية مستدامة. ويرتبط بهذا طلب على الأغذية وبخاصة تلك التى يستسيغها السياح. فإذا كان الاقتصاد القومى يعانى من مشكلات فى البنية الأساسية وقصور فى القدرة على تلبية احتياجات الإسكان والغذاء مع ما هو معلوم من تداعيات الانكشاف الغذائى على مستوى المعيشة والأمن القومى، فإن الأمر يستدعى وقفة جادة أمام إستراتيجية التنمية.

أما بالنسبة للآثار الأمامية، فإن السياحة كأى قطاع تصديرى لا توفر مستلزمات لقطاعات أخرى، حيث تتركز أهميتها فيما توفره من نقد أجنبى، تتوقف جدواه على حسن التصرف فيه وفقا لخطة تنموية توجهه إلى استخدامات تدفع عجلة التنمية، وهى فى هذا تستوى مع أى قطاع تصديرى، ولو أنها تختلف فى أن المستورد يأتى لكى يستهلك ما يقدم له، وفى كونها لا تخرج منتجات إلى أسواق يتنافس فيها المصدرون. ومن ثم فإن الاهتمام ينحصر أساسا فيما قد يتولد عنها من خلق فرص عمل، وهى رغم ما تتطلبه من مهارات لا تمثل عملا لائقا للفئة التى ترتفع فيها نسب البطالة، وهى خريجى التعليم العالى.

ونشير هنا إلى نموذج يعتبر رائدا فى نشاط السياحة، وهو إسبانيا التى يزورها سنويا أكثر من 120% من سكانها (ما يعادل أكثر من100مليون لمصر). فعلى مدى العقدين السابقين ظلت إسبانيا تعانى من بطالة تفوق باقى دول الاتحاد الأوروبى، بلغت العام الماضى 20%. وستظل إسبانيا تعانى من تخلف نسبى لاقتصادها، ما لم تنجح فى وضع ميزتها النسبية فى السياحة فى خدمة إستراتيجية تنموية شاملة، بدلا من تركها تعمل كقيد على توجهات الاستثمار.

والمشاهد أن الاستثمار الأجنبى الوافد لمصر، يفضل مجالات الكسب السريع، ويترك الدولة تعانى من تداعى شبكات الطرق والتكالب على حرق أسعار الخدمات الفندقية. إن النموذج الفرنسى يشير إلى أن السياحة المجدية هى تلك التى يجلبها التقدم والارتقاء الثقافى لتكون قطاعا مستفيدا من التنمية لا صانعا لها. 

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات