دروس وعبر: جائزة نوبل للسلام والرباعى التونسى - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس وعبر: جائزة نوبل للسلام والرباعى التونسى

نشر فى : الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 - 4:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 - 4:30 ص

يأتى حصول الرباعى التونسى الراعى للحوار (الاتحاد العام التونسى للشغل والاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين) على جائزة نوبل للسلام فى سياق مخصوص تشهد فيه تونس صراعا داخل الحزب «الحاكم»: حزب النداء الذى تعددت فيه الزعامات وتضخمت فيه الأنوات وراح كل رهط يفكر فى آليات الاستحواذ على السلطة وعلى هذا الأساس فإن الدرس الأول يوجه إلى القيادات الندائية حتى تعتبر وتعيد النظر فى مفهوم العمل الجماعى وتوزيع السلطة على أساس الكفاءة وترجيح مصلحة الوطن على المصالح الفردية فتعمل تبعا لذلك على تجاوز الأزمة الداخلية من خلال تفعيل آلية الحوار وإدارة الاختلاف وتقديم التنازلات والتفاوض.. فمن خلال تجاوز الخلافات والبحث عن الرصيد المشترك وعقلنة المواقف يمكن أن ننأى بالبلاد عن مخاطر حرب ضروس تحركها اللوبيات والمافيات التى تأسست فربطت السياسة بالمال الفاسد وبالإعلام.

أما الدرس الثانى فإنه موجه إلى الرأى العام العالمى الذى ثبت صورة سلبية لتونس فباتت فى نظر شعوب العالم بلد تصدير الإرهابيين وفضاء للعمليات الإرهابية المستمرة والمعارك بين الجنود وقوات الأمن والمتشددين الكارهين لذواتهم وللوطن. فإذا بالجائزة تقيم الدليل على أن فى تونس فئة محبة للوطن استطاعت أن تكون صانعة للسلام خدومة لثقافة بناء الديمقراطية التشاركية حريصة على تحقيق التغيير بوسائل حضارية وسلمية. وهكذا كسرت الجائزة نسق التنميط وحررت التونسيين من اللعنة التى صاحبتهم فجعلتهم يخجلون من سياق انتشرت فيه ظواهر غريبة عن المجتمع التونسى كالاستيلاء على بيوت الله والسيطرة على المنابر وتحريق أضرحة الأولياء وجهاد النكاح وشد الرحال إلى بلاد الشام وغيرها.

***
ويوجه الدرس الثالث إلى كل الشعوب المقهورة التى لم تستطع أن تنجز تحولات رئيسية فى نظام الحكم ونمط العلاقات بين السائس والمسوس وإحداث إصلاحات جوهرية فى جميع المجالات ولعل بلدان النزاع كسوريا وليبيا واليمن وغيرها أكثر البلدان حاجة إلى التفكير فى اعتماد النموذج التونسى المختزل فى مصطلح «التوافق» فى إدارة الأزمات وهو توافق قائم على تفضيل آلية الحوار وتحكيم العقل على استعمال السلاح والانسياق وراء التصفيات المادية. ويمكن القول إن الأحزاب التى سقطت فى شراك الاستقطاب الحدى (الإسلاميون/العلمانيون) استطاعت أن تتدرب على فن الإصغاء وتعلمت على مر الأيام كيف تغير نظرتها إلى الآخر المختلف، وتغفر له زلاته وتغادر سجن الأيديولوجيا لتنصت إلى نداء الضمير وحكمة العقل وتعمل على استثمار الرصيد المشترك.

ويتضمن الدرس الرابع رسالة موجهة إلى المجتمع المدنى حتى يحافظ على يقظته ويواصل مسار ابتكار المبادرات والأفكار. والعالم إذ يكرم الرباعى الراعى للحوار إنما يعترف بقوة المجتمع المدنى الذى استطاع أن يتحول من قوة ضغط إلى قوة اقتراح ومن مراقب ومحتج إلى فاعل رئيسى فى مسار الانتقال الديمقراطى قادر على إعادة القاطرة إلى مسارها الصحيح. وعلى هذا الأساس لم يذهب صراخ النساء فى المظهرات هباء الريح ولم تضع جهود الناشطين الذين رابطوا فى الجمعيات ونظموا الدورات التدريبية وخططوا لأشكال المقاومة.. ولم يضع أيضا ما بذله آلاف الشبان من جهد فى سبيل تصحيح المسار وإنقاذ التجربة التونسية.

ولا يمكن التغاضى عن الدرس الخامس الموجه إلى كل النفوس الضعيفة التى لا تؤمن بالعمل الجماعى وتحتقر كل إنجاز يتحقق فى مثل هذه الأيام العصيبة وتصر على استصغار كل مبادرة تأتى من الآخر وتصر على كتابة سردية الفشل وتسوق للإحباط واليأس والغضب والانتقام.. فهذه الجائزة تقيم الدليل على أن ثقافة حب الحياة وتحقيق مشاريع التغيير وثقافة المواطنة وثقافة السلام ليست حكرا على الغرب إنما هى من حق جميع الشعوب المؤمنة بمنظومة قيمية كونية لا تفرق وإنما تجمع.. لا تهدم وإنما تبنى.

 

التعليقات