صحيفة الخليج ــ الإمارات: العقوبات الدولية في زمن الحروب - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الخليج ــ الإمارات: العقوبات الدولية في زمن الحروب

نشر فى : الثلاثاء 21 يونيو 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 يونيو 2022 - 8:30 م

نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب الحسين الزاوى بتاريخ 16 يونيو تناول فيه اختلاف العقوبات فى زمن الحروب عن السلم مسترشدا بالعقوبات المفروضة على روسيا، التى شملت آثارها العالم أجمع... نعرض من المقال ما يلى:

تختلف دلالات العقوبات الاقتصادية التى تفرضها الدول والتكتلات السياسية الدولية فى أزمنتى السلم والحرب، إذ إن العقوبات التى فُرضت فى مراحل سابقة على دول مثل الصين وروسيا وإيران وعلى نظام الميز العنصرى فى جنوب إفريقيا، سواء من طرف الدول الغربية أو من قِبل المجموعة الدولية بناء على قرارات أممية؛ تختلف إلى حد بعيد عن العقوبات التى تُفرض الآن على موسكو فى زمن الحرب الروسية فى أوكرانيا، لأسباب عديدة تتعلق بكون أن العالم يعيش فى أتون حرب متعددة الأوجه بين الغرب وروسيا.
ويعود هذا الاختلاف إلى نقطتين رئيسيتين: أولاهما هى أن العقوبات الغربية على روسيا تكاد تكون شاملة وتمس ربما لأول مرة فى تاريخ الصراعات ما بين الدول، حظر الطيران فوق الأجواء، ولعل منع طائرة وزير الخارجية الروسى من عبور أجواء دول أوروبية من أجل الوصول إلى صربيا، يمثل أبرز مثال على ذلك؛ كما تعمل هذه العقوبات أيضا على الاستحواذ على ممتلكات مواطنين روس ليست لهم بالضرورة صلات مباشرة بالخيارات السياسية لدولتهم. أما النقطة الثانية فتبدو وثيقة الصلة بالمثل الشائع القائل: الشىء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، حيث إن العقوبات الغربية، ونظرا لكونها شاملة، فإنها ألحقت أضرارا كبيرة بالدول الغربية أكثر مما أثرت بشكل فعلى فى الاقتصاد الروسى الذى يعتبر أقل تبعية للمنظومة الاقتصادية الدولية، وبالتالى فإن من قاموا برشِ «مياه» العقوبات ابتلوا بها قبل أن يبتل من أرادوا رشه بها.
ونستطيع أن نلاحظ أن الهدف الأساسى من وراء فرض العقوبات الغربية على روسيا، تمثل فى شن حرب اقتصادية شاملة ضد روسيا النووية من أجل تركيع اقتصادها، بحسب تعبير وزير الاقتصاد الفرنسى برونو لومير؛ إلا أن الذين أطلقوا هذه الحرب، أهملوا، كما يقول الباحث جون بابتيست نوى، أن الاقتصاد ولكونه يستند على التبادل فإنه يتحرك فى اتجاهين متقابلين وليس فى اتجاه واحد، ومن ثم فإن معاقبة روسيا هى معاقبة للدول الغربية لاسيما أوروبا. لقد كان الهدف يرمى إذن إلى إضعاف روسيا لدفعها إلى الانسحاب من أوكرانيا دون الاضطرار للدخول فى مواجهة عسكرية معها.
وعندما نتحدث عن التأثيرات السلبية للعقوبات الغربية فى أوروبا نفسها، فإنه لا يمكننا أن نضع الدول الأوروبية على قدم المساواة، فهناك دول ذات اقتصادات متواضعة، ودول أخرى لم تكن تتعامل مع روسيا إلا فى حدود ضيقة، ودول صناعية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا كانت تربطها معها علاقات اقتصادية قوية سواء فى مجال الطاقة كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا، أو فى مجال الاستثمارات داخل السوق الروسية، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا التى كانت شركاتها توظف 160 ألف عامل روسى بحسب أرقام رسمية، وكانت تحصل على عوائد معتبرة، إذ وصل رقم أعمال إحدى الشركات التجارية الفرنسية فى روسيا إلى 18 فى المائة من مجموع مداخيلها عبر كل فروعها فى العالم.
وفضلا عن كل ما تقدم، فإن أسوأ ما تمخض عن هذه الموجة الشاملة من العقوبات هو أنها هزت بشكل غير مسبوق ثقة أغلبية دول العالم فى النظام النقدى الدولى، حيث بدأت الدول تكتشف أن ما تمتلكه من أرصدة بالعملات الدولية مثل الدولار واليورو، قد يكون وهميا وقد يأتى عليها حين من الدهر تجد نفسها بدون رصيد، لأن أوراق العملات ليست ملكا لها ولكنها أوراق نقدية تتحكم فيها البنوك المركزية التى تشرف على طباعتها؛ وقد دفعت هذه الوضعية دولا مثل الصين إلى تسريع وتيرة استعمال العملات الوطنية فى معاملاتها التجارية مع دول أخرى مع الحرص على ربطها بالذهب للمحافظة على قيمتها.
ويمكن القول إن العقوبات الأخيرة التى فرِضت على روسيا أكدت بشكل واضح أن الغرب كما، أشار إلى ذلك برتراند بادى، لم يعد يتحكم وحده فى العالم، وأن العالم أصبح فعلا متعدد الأقطاب وأضحت قوى إقليمية فى العالمين العربى والإسلامى وفى شرق آسيا وفى أمريكا الجنوبية، تملك أجندتها المستقلة وتتعامل مع العقوبات الغربية وفق الأسلوب الذى يخدم مصالحها.

التعليقات