الأساطير التى سقطت - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأساطير التى سقطت

نشر فى : الأربعاء 21 أكتوبر 2015 - 6:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 أكتوبر 2015 - 6:30 ص

استدعاء الأساطير القديمة فى أوضاع جديدة خطأ سياسى فادح ارتكب على نطاق واسع أثناء الجولة الأولى من الانتخابات النيابية.
هناك من تصور أن الدعايات تستطيع أن تملأ فراغ السياسة.
هذه أسطورة فلا دعاية تقنع ما لم تستند إلى حقائق ولا نظام يتأسس على أرض صلبة بلا رؤية سياسية.
قبل الانتخابات مباشرة بثت الفضائيات بإلحاح شريطا مصورا تحت اسم «حتى لا ننسى» يذكر بتجربة الأحزاب الدينية فى الحكم ويحذر من عودتها.
وقد فشلت فى دفع المواطنين بالتخويف إلى صناديق الاقتراع.
ما كان يؤثر فى لحظات غير طبيعية لم يعد صالحا فى لحظات أخرى شبه طبيعية.
لمرتين تدافع المصريون إلى صناديق الاقتراع لـ«تثبيت الدولة» التى كانت معلقة فى الهواء وخطر الإرهاب ماثل بقسوة.
فى الأولى أقروا الوثيقة الدستورية الجديدة بأغلبية ساحقة وفى الثانية انتخبوا رئيسا جديدا بأغلبية مماثلة.
السياق كله اختلف الآن.
جماعة الإخوان المسلمين ضربت على عمودها الفقرى التنظيمى، وتأثيرها تدهور فى الشارع بسبب انخراطها فى العنف والإرهاب.
والبيئة العامة لا ترشح حزب «النور» وصيفها فى الانتخابات النيابية السابقة لوراثة أدوارها.
هذه حقيقة أثبتتها الانتخابات الباهتة التى جرت.
لماذا الرهان على الفزاعات لدفع المواطنين إلى صناديق الاقتراع؟
بصيغة أخرى: لماذا غابت أية دعايات إيجابية تثير أملا فى المستقبل؟
غياب الأمل من دواعى الإحباط.
عزوف المواطنين عن المشاركة فى الانتخابات رسالة احتجاج على الحاضر وسياساته وخياراته.
لا كان دعوة من حزب ولا تحريضا من جماعة.
خطورة الرسالة فى وضوح موضوعها وعفوية فعلها.
لم تعد هناك ثقة فى المستقبل ولا فى كفاءة الأداء العام.
هذا الاستنتاج دعا إلى شىء من السخرية من إنتاج أغان تدعو المواطنين إلى ذات الطوابير القديمة يرفعون فيها الصور والأعلام ويرقصون على إيقاعاتها.
عندما تتراجع الرهانات الكبرى ويئن الشارع من وطأة الحياة المتدهورة دون أن تكون هناك أذن تصغى فالعزوف رسالة أولى وليست أخيرة.
الناس العاديون مستعدون لتحمل أية أعباء بشرط ألا يدفعوا كالعادة كل الفواتير ويعفى منها الحيتان الكبار.
المثير أن الدولة خفضت قيمة الجنيه مرتين فى أجواء الانتخابات.
من حيث التوقيت فهو جهل بالسياسة.
ومن حيث الأثر فهو ينذر بتآكل آخر فى مستويات شعبية الرئيس.
فى عزوف المدن والمناطق الحضرية بدرجة أكبر من المناطق الريفية مؤشر سلبى على احتمالات المستقبل.
فالطبقة الوسطى المدينية هى رافعة التغيير فى هذا البلد منذ تأسيس دولته الحديثة مطلع القرن التاسع عشر.
إحجام الشباب عن المشاركة فى الانتخابات مؤشر سلبى آخر على أزمة مستحكمة تنذر بتداعيات فى المستقبل المنظور.
أى اقتراب من ملف الشباب يتجاوز قضية الديمقراطية لف ودوران فى حلقة مفرغة.
فى الانتخابات التى جرت جولتها الأولى سقطت أسطورة الإعلام التعبوى.
لا يمكن أن يتأسس مستقبل على تعبئة بلا رؤية وصراخ بلا رادع.
اتهامات التخوين بلا تحرز وانتهاك حرمة الحياة الشخصية بلا سقف يفضى بالطبيعة إلى العزوف عن السياسة والسأم من الحاضر.
كل شىء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده.
إعلام التعبئة تجاوز كل معقول فى حملات تقريع المواطنين الذين أحجموا عن الذهاب للجان الانتخابات.
مرة قال إن الذهاب للانتخابات دعم للرئيس ومرة أخرى يقول «وما شأن الرئيس».
اضطراب فى الخطاب وعجز عن الإقناع.
رغم ذلك فإن اتساع شاشات الفضائيات لحوارات مفتوحة عن أسباب العزوف حرك شيئا من المياه الراكدة السياسية والإعلامية.
اتسع المجال العام بعض الشىء وحضرت الانتقادات كما لم يحدث منذ فترة طويلة نسبيا.
اختلاف الآراء من طبيعة الديمقراطية.
لا يمكنك أن تجرى انتخابات بلا منافسة ولا برامج ثم تتوقع أن يتدفق المواطنون على صناديق الاقتراع.
العزوف من نتائج تضييق المجال العام وتراجع الحريات.
أى رهان آخر أسطورة لا أساس لها.
عندما تهندس قوانين الانتخابات وتستهدف تهميش الأحزاب فالنتائج لابد أن تكون على الصورة التى رأيناها.
تجريف المنافسة إضعاف لبنية الدولة فى أن تتماسك بعد أن تستكمل مؤسساتها وتقويض لأية رهانات فى أن تكون ديمقراطية وحديثة.
أخطر الأساطير التى ملأت بعض الشاشات أن البرلمان سوف يعطل برنامج الرئيس وأن مصر لا تحتاج إلى أية سلطة تشريعية قد تحرمه من بعض صلاحياته.
الذين يدعونك للنزول هم أنفسهم الذين مسحوا الأرض بالدستور أفضل إنجازات «يونيو» بعد أن رقصوا أمام لجان اقتراعه.
غياب المصداقية أحد أسباب العزوف.
ورغم أن البرلمان المقبل سوف يوالى الرئيس ولن ينازعه، وفى بعض الموالاة عبء يسحب من أى رصيد سياسى، إلا أن هناك ضيقا بوجوده.
نزعة الضيق أفلت عقالها من أى منطق.
أهانت بلدا قام بثورتين من أجل تأسيس دولة حديثة تنهى دولة الرجل الواحد وأساءت بقسوة لسمعة النظام أمام العالم كله.
وكانت أخطر الأساطير التى سقطت أن نواب الحزب الوطنى يتمتعون بشعبية تحسم أية انتخابات.
تسابقت القوائم والأحزاب على ضمهم قبل أن يثبت فى السباق عجزهم عن أى حشد لافت داخل المناطق التى ينتسبون إليها.
لم ننتبه إلى أن المجتمع المصرى تغير وأن سطوة المجتمعات التقليدية لم تعد على أوضاعها السابقة.
بكلام آخر لا يوجد شىء اسمه الحزب «الوطنى» والمبالغة فى خطورته أسطورة متداولة.
أعضاؤه هم نفس أعضاء كل أحزاب السلطة التى مرت على مصر فى النظامين الملكى والجمهورى على السواء.
فى غياب القوانين التى تحترم التعدد وتنحى السياسة بدا الرئيس مسئولا بصورة مباشرة عن مسار الانتخابات.
كأن العزوف استفتاء عليه.
الخارجية نفت أن تكون نسب المشاركة المنخفضة استفتاء على مدى دعم المصريين لقيادتهم.
النفى بذاته اعتراف بأن هناك جرحا فى الشعبية وظلالا على الشرعية أمام العالم.
الحكومة كلها اعترفت بطرق مختلفة بهذه الجروح والظلال.
بدت مذعورة فى تعاطيها مع الأرقام الأولية التى تسربت بعد ثلاث ساعات من بدء التصويت.
لم يكن من حق رئيس الحكومة أن يعلن أية أرقام تخفف من وطأة الصدمة، فهذه مهمة اللجنة العليا للانتخابات.
فى التحشيد الإعلامى والحكومى قلق من الرسالة السياسية لتدنى نسب المشاركة.
وهذا اعتراف آخر بالأزمة التى كشفتها الانتخابات.
أزمة الثقة العامة.
لا يصح التهوين حيث يجب أن يكون الكلام جادا.
ولا يصح التبرير حيث تجب مواجهة الحقائق بشجاعة.