العنف فى إثيوبيا لن يقف عندها - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العنف فى إثيوبيا لن يقف عندها

نشر فى : السبت 21 نوفمبر 2020 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 21 نوفمبر 2020 - 8:45 م

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب Alex de Waal يعرض فيه تاريخ الصراعات فى إثيوبيا والتى لا تنتهى بانتصار أحد الطرفين، فمن الممكن أن تنزلق الحرب الحالية بين إثيوبيا والتيجراى إلى حرب عصابات، إلى جانب التحديات التى ستفرضها الحرب على فريق بايدن للسياسة الخارجية... نعرض منه ما يلى:

من بين هدايا أخرى سيتركها ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض، سيرث فريق السياسة الخارجية القادم صراعا مستعصيا فى إفريقيا يهدد بإحداث فوضى فى شمال شرق إفريقيا وتدمير مؤسسات الاتحاد الإفريقى للسلم والأمن الهشة بالفعل.
كما هو الحال فى جميع الحروب، كلا الجانبين ــ الحكومة تحت قيادة الرئيس آبى أحمد ومنطقة تيجراى المتمردة ــ يلقيان باللوم على الآخر فى التسبب بإشعال الصراع. ولكل منهما تفسير مختلف لدستور إثيوبيا الفيدرالى والسلطات التى يمنحها للحكومة المركزية ومناطق مثل تيجراى... تتراكم المظالم وتتزايد مخاطر الانزلاق إلى فوضى عنيفة فى المنطقة كل يوم، مع كل مذبحة ترتكب ضد المدنيين، ومع كل هجوم جوى على تيجراى، ومع كل صاروخ يطلق من تيجراى على مناطق إثيوبية أخرى أو على إريتريا.
***
يوجد دروس نتعلمها من التاريخ هنا... منذ أكثر من أربعة عقود، حكومة كارتر وعدت بتدشين عصر جديد تستند فيه السياسة الخارجية الأمريكية على احترام حقوق الإنسان... كانت إثيوبيا من أول التحديات أمام حكومة كارتر، بعدما أطاح انقلاب عسكرى بالإمبراطور هيلا سيلاسى وبدأت معه عمليات القمع.
بعد أسبوعين فقط من تنصيب كارتر، قام الديكتاتور الإثيوبى منجستو هيلا مريام بحشد مسيرة فى أديس أبابا، وأثناء خطابه للجماهير، ألقى بثلاث زجاجات بها سائل يشبه الدم واعدا بأن هذه هى الطريقة التى سيسحق بها أعدائه... وفى اليوم نفسه أطلق منجستو حملة «الإرهاب الأحمر» استمرت لمدة عام، قُتل وعذب فيها عشرات الآلاف من الإثيوبيين ونفى الملايين.
فى ذلك الوقت، لم تعرف الولايات المتحدة طريقة للتعامل مع الانقلابات العسكرية، ولم يستطع كارتر فعل شىء باستثناء إدانة منجستو ووقف المساعدة العسكرية... يتفق المؤرخون على أن كارتر لم يتردد، على الرغم من ذلك، تجاه ما يجب فعله بشأن طموحات الديكتاتور الموالى للسوفييت فى الصومال المجاورة، الجنرال محمد سياد برى، الذى كان لديه أحلام بضم منطقة أوجادين الإثيوبية ــ التى تسكنها عرقية صومالية ــ وجعلها جزءا من الصومال الكبرى.
أغرت الاضطرابات فى إثيوبيا محمد سياد برى، وحشد جيشه للغزو. بدلا من إعطاء إنذار واضح برفض الهجوم، أعطت الولايات المتحدة رسائل غير واضحة اعتبرها سياد برى ضوءا أخضر لغزو إثيوبيا. مع اجتياز الدبابات الصومالية حدود إثيوبيا، لجأت إثيوبيا إلى السوفييت طالبة المساعدة العسكرية.
تراجعت الولايات المتحدة، فهى على الرغم من أنها اعتبرت الصومال حليفا لها فى الحرب الباردة وكان من الممكن أن تتدخل ضد الاتحاد السوفيتى، لم ترغب فى بدء حرب عالمية ثالثة بسبب نزاع إقليمى إفريقى. وفى واحدة من أكثر لحظات الاضطراب بين القوى العظمى فى الحرب الباردة، تحولت الصومال التى كانت حليفا للسوفييت إلى الكتلة الغربية وإثيوبيا إلى الكتلة السوفيتية.
هزمت إثيوبيا الصومال، ولكن الجيش الإثيوبى ــ الأكبر فى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء والمجهز من قبل السوفييت ــ لم يستطع سحق المتمردين فى المناطق الأخرى؛ إريتريا وتيجراى ومنطقة الأورومو. كل بضعة أشهر كان يخرج منجستو معلنا شن هجوم للقضاء على الإرهابيين والمتمردين، إلى أن أطاحه المتمردون من السلطة عام 1991.
الدرس بسيط هنا للولايات المتحدة: الحروب فى إثيوبيا من السهل إشعالها ومن الصعب إخمادها. ويصبح من الأفضل وقف العمليات العسكرية قبل أن تتصاعد.
***
تعلمت أمريكا هذا الدرس بشكل قاس سنة 1998. فى ذلك الوقت، حكم المتمردون التيجراى إثيوبيا، وإريتريا حكمها حلفاؤهم فى حرب التحرير ضد منجستو. كان رئيس الوزراء الإثيوبى آنذاك ميليس زيناوى والرئيس الإريترى أسياس أفورقى حلفاء مقربين للولايات المتحدة. فى مايو سنة 1998 تصاعد نزاع على الحدود على بلدة «بادمى» إلى مواجهة عسكرية. وواجهت سوزان رايس، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، أول تحد لها.
بالعمل مع الرئيس الرواندى بول كاغامى، كادت رايس أن تنجح فى التوصل إلى حل وسط يؤدى إلى خفض تصعيد الصراع. لكن إسياس رفض هذا الحل فى اللحظة الأخيرة ــ لم يرد فقدان ماء وجهه اعتقادا أنه قد ينتصر فى الحرب.
فى النهاية، لم تنجح رايس وكاغامى فى منع الحرب التى أصبحت أكثر الصراعات دموية فى القارة، والتى أودت بحياة 80 ألف جندى من الجانبين. لكن اقتراحهم كان مفيدا بتجاهله التساؤل حول من بدأ الحرب، ليبقى الوسطاء الأفارقة والأمريكيون محايدين فى ظل تبادل الاتهامات بين البلدين. حاكم إثيوبيا ميليس زيناوى كان حكيما وحدد أهدافه بصد غزو إريتريا، وعندما انتصر جيشه وكان على وشك اجتياح إريتريا دعا إلى التوقف... أسياس لم يغفر أبدا لميليس.
***
كان نتيجة ذلك ثمانية عشر عاما من الحرب حتى جاء آبى أحمد وسافر فى 2019 إلى إريتريا وأعلن السلام. حاز آبى على نوبل للسلام، ولكن أسياس لم يرى فى ذلك سلاما. أسياس يعتبر الحاكم الإفريقى الأكثر سلطوية، فإريتريا ليس لها دستور أو أحزاب سياسية أو إعلام، وما رآه فى السلام مع إثيوبيا هو فرصة لسحق تيجراى. وإذا أقنع إثيوبيا بتدمير جيشها فى حربها مع تيجراى، فسيكون قد ضرب عصفورين بحجر.
مثل الكثير من دول العالم، أعجبت إدارة ترامب بآبى. ولكن فى القرن الإفريقى الإصلاح دائما ما يكون ثانويا فى حسابات القوة ومشاعر الفخر الوطنى.
الحرب الإثيوبية فى تيجراى غير واضحة. فالجوانب القانونية للنزاع، ما إذا كان نظريا يحق لتيجراى إجراء انتخابات إقليمية دون موافقة الحكومة الفيدرالية، يمكن أن تفسر بطرق مختلفة، وليس من الواضح من أشعل الصراع.
من الواضح أن هناك ثلاثة أطراف متحاربة؛ الحكومة الفيدرالية فى إثيوبيا، جبهة تحرير شعب تيجراى، وإريتريا. تنطلق الطائرات المسلحة بدون طيار التى تقضى على التيجراى من القاعدة الجوية الإريترية فى عصب. بصمات إسياس توجد على جميع جوانب الحرب، وهو يعلم أنه لن يفلت من العقاب إذا عادت رايس إلى منصبها، وهو احتمال وارد فى ظل رئاسة بايدن.
من الواضح مع كل القتل والدمار والمذابح والانتهاكات أن هذه الحرب حرب كبرى لن تنتهى إذا احتل الجيش الإثيوبى تيجراى وأعلن انتصاره.. ستتحول الحرب إلى حرب عصابات. تحول آبى إلى الخطاب القومى ليثير مشاعر الكراهية تجاه تيجراى، والذى من شأنه تعميق الانقسام. هنا يجب أن ننظر إلى التاريخ ونتعظ؛ الحروب فى إثيوبيا تقتل الآلاف، إن لم يكن الملايين، من الممكن حدوث مجاعة، تحقيق الانتصار السريع وهم.
هناك سياسة واحدة للتعامل مع حرب مثل هذه: افعل كل ما هو ممكن لوقفها. حظر الأسلحة والعقوبات وحظر السفر.. كلها سياسات مناسبة.
الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة. فى الوقت الحالى، تتساهل إدارة ترامب مع حكومة آبى على الرغم من أن فرقا مدرعة كاملة تدخل فى معارك يوميا والمستشفيات تعج بالآلاف من الجنود الجرحى.
إذا لم يتمكن فريق بايدن الانتقالى للسياسة الخارجية من العمل مع مسئولى ترامب المنتهية ولايتهم لإعادة توجيه السياسة الأمريكية فى الأيام المقبلة، فسيكون الكونجرس بحاجة إلى إرسال رسالة من الحزبين إلى آبى: أوقفوا هذه الحرب التى لا داعى لها.. وإلا فإن ولاية بايدن ستبدأ بمستنقع فى القرن الإفريقى يجر السياسة الخارجية لإدارة بايدن وربما يدمر إثيوبيا.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى هنا

التعليقات