هوامش على دفتر (الاتفاقية الإطارية) - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 7:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوامش على دفتر (الاتفاقية الإطارية)

نشر فى : الخميس 22 أبريل 2010 - 9:49 ص | آخر تحديث : الخميس 22 أبريل 2010 - 9:49 ص

 لا شك أن الجولة الأخيرة من المفاوضات حول الاتفاقية الإطارية للعلاقة بين دول حوض النيل التى عقدت منتصف هذا الشهر قد مثلت إخفاقا للسياسة المصرية التى دأبت منذ بداية جولات التفاوض على التمسك بموقف جمعها مع السودان باعتبارهما دولتى المصب يقوم على أساس رفض توقيع الاتفاقية الإطارية ما لم تتضمن ثلاث نقاط محددة تتعلق أولاها بوجود نص صريح فى الاتفاقية يضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل، والثانية الإخطار المسبق عن أى مشروعات تقوم بها دول أعالى النيل، والثالثة أن يكون تعديل الاتفاقية أو ملاحقها بالإجماع وليس بالأغلبية، وفى حالة إقرار مبدأ الأغلبية يجب أن تشمل دولتى المصب أى مصر والسودان.


غير أن جولات التفاوض امتدت فى 2009 ابتداء من جولة كنيشاسا فى مايو والإسكندرية فى يوليو، ثم كمبالا فى سبتمبر، ودار السلام فى ديسمبر، إلى أن تمت الجولة الأخيرة فى شرم الشيخ هذا الشهر. وعبر هذه الجولات الممتدة لم يتمكن المفاوض المصرى من زحزحة دول المنبع السبع عن موقفها بحيث وصلنا فى شرم الشيخ إلى إعلان الدول السبع عن السير قدما بشكل منفرد فى توقيع الاتفاقية الإطارية اعتبارا من 14مايو المقبل ولمدة عام، وهذا هو المقصود بالإخفاق المحدد للسياسة المصرية فى إدارة ملف مياه حوض النيل، وهو إخفاق يقتضى كتابة عدد من الهوامش على دفتره اكتفى منه بخمسة.


أما الهامش الأول فينصرف إلى نغمة التفاؤل وتبسيط الأمور التى سادت تصريحات الجانب المصرى أثناء جولات المفاوضات رغم وضوح المشكلة فى ذهن المفاوض المصرى، ففى جولة كينشاسا كانت هناك سعادة كبيرة بإجماع وزراء الموارد المائية والرى فى دول الحوض على أهمية رئاسة مصر للاجتماع الوزارى فى الإسكندرية فى يوليو 2009، وقبل جولة الإسكندرية أكد مصدر رفيع المستوى بوزارة الموارد المائية والرى أن هذه الجولة لن تشهد أى مفاوضات حول النقاط المعلقة للاتفاقية الإطارية (!)، ولكن البدائل الأخرى ستتم دراستها وصولا إلى صيغ مقبولة من الجميع بما يضمن عدم المساس بالمقترحات المصرية ــ السودانية، وفى صحيفة الأهرام بتاريخ 28 يوليو وصفت إضافة بند مناقشة «الاتفاقية الإطارية» إلى جدول أعمال المجلس بأنها تطور مهم (!). والواقع أن هذه المسألة تحتاج وقفة، فكيف كنا نتصور انعقاد جولة الإسكندرية دون مناقشة الخلافات حول الاتفاقية الإطارية؟


من ناحية أخرى فإن الدكتور أحمد نظيف أعلن فى كلمته الافتتاحية لجولة الإسكندرية عن سعادته عندما كان يستمع فى «مؤتمرات ومنتديات دولية عديدة» إلى الإشادة بمبادرة حوض النيل باعتبارها مثالا لقصة تعاون مكللة بالنجاح (!) ومثلا أعلى يحتذى به (!). وبعد انتهاء الجولة اعترف الدكتور نظيف لدى استقباله الوزراء المشاركين فيها بوجود «بعض» الاختلاف فى وجهات النظر واعتبر هذا أمرا طبيعيا، وأشار د.مجدى راضى المتحدث باسم مجلس الوزراء إلى أن د.نظيف طرح على الوزراء مبادرة مصرية جديدة (بعد انتهاء الاجتماعات؟) يتم من خلالها إخراج مبادرة حوض النيل من منظورها الضيق كمبادرة لإدارة موارد الدول من مياه النيل إلى مبادرة أكثر اتساعا تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة لدول الحوض، وذكر المتحدث أن المشاركين قد استقبلوا هذه المبادرة «بترحاب شديد» (!).


فى جولة كمبالا فى نهاية سبتمبر 2009 اعتبر اختيار مصر بالإجماع رئيسا لجولات التفاوض مؤشرا للنجاح، وأشار وزير الموارد المائية والرى إلى أن «كلمات الافتتاح» اتسمت بالإيجابية. واعترف الوزير بوجود اختلافات لكنه وصفها بأنها تنحصر فى بعض بنود الاتفاقية (وهذا هو بيت القصيد)، لكنه أكد أن العلاقات السياسية بين مصر ودول حوض النيل متميزة جدا، وأنه من المتوقع أن تسفر جولة كمبالا عن حسم عدد من النقاط، ولا يدرى المرء كيف لا تساعد العلاقات السياسية «المتميزة جدا» على تخطى الخلافات أو حتى تقريب وجهات النظر، كما أن جولة كمبالا بالتأكيد لم تحسم أيا من النقاط الخلافية الجوهرية بين دولتى المصب ودول المنبع.


وفى الأهرام بتاريخ 22/12/2009 وصفت مفاوضات اللجنة الفنية المعنية فى دار السلام بأنها حققت «نجاحا وتقدما». وحتى قبيل ما وقع فى شرم الشيخ نشرت الأهرام فى 14/4/2010 أن مصادر «رفيعة المستوى» مشاركة فى الاجتماعات الوزارية أكدت أن النية تتجه إلى «إصدار بيان حول نتائج الاجتماع ينص على شكل التعاون المستقبلى وتحقيق الأمن المائى لشعوب النيل بشرط عدم الإضرار بأى دولة عند تنفيذ أى مشروعات على مستوى الأحواض الفرعية». ولم يحدد أحد «نية» من هذه التى تتجه، لأن ما حدث فعلا أنه قد صدر بيانان عن الاجتماع أولهما لدولتى المصب والثانى لدول المنبع السبعة يعكسان الخلافات الحادة بين الطرفين. ومن الطريف أن مصادر إعلامية مصرية قد خلعت وصف «البيان الرسمى للمبادرة» على البيان المصرى ــ السودانى. وقد قيل وفقا لهذه المصادر إن بداية الجلسة كانت «مبشرة» إلى أن أصر وزير الرى التنزانى على ضرورة التوقيع على الاتفاقية قبل مغادرة شرم الشيخ وتبعه وزير الرى الكينى مما دعا أطرافا أخرى (هى فى الواقع كل دول المنبع للتراجع عن موقفها).


والسؤال هنا: لماذا كان كل هذا التبسيط للمشاكل، على الرغم من وجود مؤشرات قاطعة على وعى المفاوض المصرى بحقيقة الخلاف مع دول المنبع؟ ويعقب هذا السؤال سؤال آخر عن المسئول عن هذا التفاؤل وتبسيط الأمور: أهو الدوائر المسئولة عن الملف أم الدوائر الإعلامية المصرية أو كلاهما معا؟ وأغلب الظن أن الإجابة الأخيرة هى الصحيحة. وقد ينقلنا هذا إلى الهامش الثانى عن إدارة الملف.


والمفروض بداهة أن الملف بيد وزارة الموارد المائية والرى، ومن البديهى أن تكون وزارة الخارجية بخبرتها الدبلوماسية وكفاءتها القانونية مسئولة أيضا، كما يفترض أن يكون جهاز الأمن الوطنى مشاركا بتوفير المعلومات وطرح بدائل الحركة، لكن الصورة لا تبدو واضحة بالنسبة للمراقب العادى، وربما ما كان هذا الأمر ليكتسب أهمية لو أن إدارة الملف قد حققت أهداف السياسة المصرية، لكنه أما وقد انتهى بنا المآل إلى ما نحن فيه فإن المسئوليات يجب أن تحدد لإمكان ترشيد الحركة، ولذلك كان اهتمام مجلس الشعب بالموضوع يوم الاثنين الماضى علامة ضوء فى هذا الصدد بغض النظر عن تقييم ما جرى فيه. ولعل هذه تكون بداية لمشاركة النخبة السياسية الرسمية بجميع عناصرها فى متابعة هذا الملف المهم، وهو ما ينقلنا إلى الهامش الثالث عن ضرورة حشد المجتمع المصرى كله خلف هذه القضية التى يجب أن يدرك أنه لا حياة مزدهرة له بدونها.


لا تبدو الجماعة المصرية فى عمومها منشغلة كثيرا بهذه القضية، ولا هى واعية بخطورتها كما ينبغى، وإنما يقتصر الأمر على من بيدهم الملف، وعدد محدود من الأكاديميين المتخصصين الذين بح صوتهم من فرط الإنذار مما يمكن أن يحيق بالمصالح المائية المصرية نتيجة ضعف السياسة المصرية فى أفريقيا وأحيانا غيابها. والحقيقة أن أجهزة الإعلام تبدو صاحبة مسئولية أساسية فى هذا الصدد، وقد يكون التقصير فى شمول متابعتى لما يجرى لكن شجارات شوبير ومرتضى منصور على شاشات التليفزيون مثال كافٍ. ومن الطريف من ناحية أخرى أن كبرى الصحف المصرية لا تنشر تفاصيل أخبار الملف المائى المصرى إلا فى صفحة المحليات، وهو ما يذكرنى بتقليد لا يقل طرافة لدى بعض الصحف جرت فيه على وضع أخبار وزارة الداخلية فى صفحة الحوادث.


يتعلق الهامش الرابع بما درج عليه البعض بحق من نسبة الإخفاق المصرى إلى تدخلات إسرائيلية معادية لدى دول المنبع وربما من قوى دولية أيضا، لكن السؤال هنا: لماذا تنجح إسرائيل ونفشل نحن؟ مع أننا الأقرب تاريخا ونضالا إلى هذه الدول، ولنا رصيد فى مساندتها فى معارك التحرر الوطنى والتنمية، وما الذى تفعله إسرائيل تحديدا فى هذه الدول؟ وهل نكون متسقين مع أنفسنا فنفكر فى مراجعة سياستنا تجاه إسرائيل طالما أنها تحاربنا فى هذه المنطقة القاتلة بالنسبة للأمن المصرى؟ خاصة وأن حركتنا مغلولة إزاء نهى دول المنبع عن التعاون مع إسرائيل فى الوقت الذى توجد لنا فيه علاقات رسمية طبيعية معها، بحيث نبيعها الغاز بأسعار يبدو أنها تفضيلية لدرجة أننا لم نجرؤ يوما على الإعلان عنها.


أما الهامش الخامس والأخير فيتعلق ببدائل الحركة، وثمة اضطراب ظاهر فى هذا الصدد، وقد لجأت السياسة المصرية إلى الدبلوماسية الرئاسية بمعنى إرسال رسائل لرؤساء دول الحوض تحاول حل المشكلة، ولا يوجد ما يضمن أن تنجح هذه الدبلوماسية فى ظل استفحال الخلاف على هذا النحو، وفى المدى الأطول لا بديل عن تفعيل السياسة المصرية فى أفريقيا كافة وفى دول الحوض بصفة خاصة بحيث تمثل هذه السياسة حال نجاحها سندا للتحركات المصرية فى ملف المياه، ولا تبدو وقتية تزدهر كلما ظهرت مشكلة، وتختفى بتوهم اختفاء المشكلة، لأن الخطر هنا أنها قد تشجع على «ابتزاز» دول المنبع لمصر. ومن ناحية ثانية يفترض أن تكون الإمكانات متاحة أمام تطوير نماذج تعاونية لزيادة حصص الجميع من مياه النيل الذى يبلغ حجم الأمطار المتساقطة على دول حوضه نحو 1600 مليار متر مكعب لا تستغل منها سوى نسبة 5%، لكن المشكلة أن تنفيذ هذه النماذج يحتاج تمويلا هائلا ليس بمقدور مصر وحدها.


يبقى بعد ذلك حديث «القوة»، وحسنا فعل وزير الموارد المائية والرى المصرى عندما تمسك دائما بأهداب الصبر فى مواجهة إصرار دول المنبع على موقفها. لكن صبر المفاوض المصرى بدا وكأنه نفد فى أعقاب جولة شرم الشيخ فصرح المتحدث الرسمى باسم الوفد المصرى بأن مصر لديها من الإمكانات والوسائل «التى تمكنها من الرد بقوة على أى مواقف تؤثر على حصتها التاريخية من مياه النيل». ولا يدرى المرء ما هو معنى تعبير «الرد بقوة»، ذلك أنه من الخطورة بمكان التلميح على هذا النحو، أم أن هذا التعبير قد ورد عفو الخاطر بعد مفاوضات مرهقة انتهت بإخفاق المفاوض المصرى فى تحقيق أهدافه؟ ولذلك فقد أحسن الدكتور زكريا عزمى صنعا فى مناقشات مجلس الشعب يوم الاثنين الماضى عندما أكد على ضرورة عدم التصعيد والتلويح بالحرب، وقد كان هذا الكلام بديهيا من شخص مسئول يعرف على الأقل أن نجاح المبادرة الرئاسية المصرية الحالية لا يمكن أن يتم فى مناخ تصعيدى.


دفتر الاتفاقية الإطارية صار إذن مثقلا بمضمونه وهوامشه، والاختبار القادم قريب موعده الاجتماع الوزارى فى يونيو المقبل فى أديس أبابا، ومصر كلها مدعوة للمشاركة فى الاهتمام بالملف ودعم المفاوض المصرى وترشيد حركته قبل ذلك وتزويده بالبدائل، لأن الموضوع أخطر مما نتصور، وإن كانت المعضلة تتمثل فى أن ما أفسدته السنون لا يمكن إصلاحه فى شهور.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية