مسح الشعب الفلسطينى من الوعى الإسرائيلى - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 11 أكتوبر 2024 3:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسح الشعب الفلسطينى من الوعى الإسرائيلى

نشر فى : الخميس 22 أغسطس 2024 - 7:30 م | آخر تحديث : الخميس 22 أغسطس 2024 - 7:30 م

ما أثاره المدعى العام بشأن إمكان فتح تحقيق جنائى ضد المغنى إيال جولان، عقب دعوته إلى «محو غزة تماما»، أثار قبل أيام قليلة ضجة كبيرة؛ فمن جهة، من الجدير بنا أن نتساءل عن سبب تركيز النيابة العامة على جولان تحديدا، بينما تجاهلت تماما التصريحات الداعية إلى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى من جانب عشرات الساسة، والعسكريين، والصحفيين الذين أوغلوا فى خيالاتهم المرضية التى تتحدث عن الإبادة، والتسوية بالأرض، وتجويع وتعطيش سكان غزة بالكامل.
ومن جهة أُخرى، دعونى أطمئنكم أن جولان لا يواجه أى خطر، فهذا الشخص الذى خرج كالشعرة من العجين عندما اتُّهم بقضية استغلال جنسى لقاصرات، لن يدخل إلى السجن بالتأكيد، بسبب تحريضه ضد الشعب الفلسطينى. يكفى الإنسان أن يعيش فى إسرائيل ساعتين، ليدرك أن هذا «التحقيق» ليس سوى مسرحية فارغة للفت انتباه القضاة فى محكمة لاهاى، والعم سام، لإظهار أن إسرائيل تتعامل بجدية مع جرائم الحرب والتحريض على الإبادة الجماعية، وهو ما ينفى الحاجة إلى تدخُّل «ذوى الحس المرهف» فى شئوننا، عبر أفكار تافهة، على غرار «الأعراف والمواثيق الدولية» و«المعاملة الإنسانية».
إن مجرد طرح إمكان التحقيق مع جولان كان غريبا جدا، إذ تجاوز الاحتجاج على التحقيق الفوارق القائمة بين الاصطفافات السياسية الإسرائيلية، فامتدت الاحتجاجات من سمحا روتمان (عضو بالكنيست)، وصولا إلى أحمد الطيبى (عضو بالكنيست)، حتى لو كان ذلك لأسباب متناقضة (سأخاطر بالمراهنة على أن الطيبى يعتقد أنه يجب إدانة كثر آخرين شجعوا على الإبادة الجماعية فى غزة، بينما روتمان يعتقد أنه لا ينبغى مقاضاة أى يهودى، لأن جريمة «التحريض» هى جريمة عجائبية، لا يقوم بارتكابها إلا العرب).
ومن التعليقات الكثيرة، برز تعليق شديد التفاهة، وهو تعليق المحلل فى موقع «Ynet» أتيلا شومفليبى، إذ كتب: «إليكم مواد جديدة أكتبها لكى تحققوا فيها، بموجب القرار السخيف من المدعى العام: فلتُمحَ غزة! تعالوا الآن وحققوا معى». وما من حاجة إلى الإشادة بشومفليبى على جرأته، فهو يعلم جيدا بأن الدولة توفر كل الدعم لمن يدعون إلى محو غزة، بل أيضا تشيد أساسا بمن يقومون بمحوها فعليا. لو كان شومفليبى متحمسا للدفاع بجسده عن حرية التعبير، لتعيّن عليه ربما النضال من أجل المواطنات والمواطنين العرب الذين تم فصلهم من وظائفهم، أو اعتقالهم، أو ضربهم على مدار الأشهر الأخيرة بسبب قيامهم بأمور قانونية تماما؛ مثل كتابة منشورات فى وسائل التواصل الاجتماعى، نصُّها «العين تبكى على غزة»، أو نتيجة ارتداء قميص كُتبت عليه كلمات بالعربية، أو الخروج فى تظاهرات سلمية مناهضة للحرب.
لكن منشور شومفليبى ليس فقط مثيرا للشفقة، بل أيضا خطيرا؛ فهو يحوّل إمكان بقاء مليونَى إنسان حقيقى، على الرغم من الحرب، إلى مجرد وسيلة بلاغية فى نقاش نظرى بشأن حقوق اليهود (تماما كما تتحول دعوة إبادة جميع اليهود بالغاز، باسم حرية التعبير، إلى قضية مجردة).
هذا المنشور التافه يمثل ظاهرة أوسع كثيرا؛ وهى ظاهرة المحو الكامل للشعب الفلسطينى من الوعى الإسرائيلى. بالطريقة نفسها، أدان الرئيس يتسحاق هرتسوج المذبحة التى ارتُكبت فى قرية جيت، والتى ادّعى أنها «تمسّ بالمستوطنين جميعا»، و«بمكانة إسرائيل»، من دون أن يذكر بكلمة واحدة الأذى الذى لحِق بالفلسطينيين والفلسطينيات الذين حاول المستوطنون إحراقهم، بينما كتبت وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبى ليفنى «هم يعتقدون أنهم يحرقون منازل الفلسطينيين، لكنهم يحرقون الأسس التى بُنى عليها الوطن القومى للشعب اليهودى، وكأن المنازل الفلسطينية المشتعلة هى مجرد أوهام، وليست جوهر الحدث».
إن التعامل مع حياة الشعب الفلسطينى على أنها تسلية نظرية مجردة، أو لِنقُل، مشكلة إعلامية فى أقصى تقدير، يحول ملايين البشر إلى شخصيات شبحية لا وجود لها، أو لا أهمية لها، إلاّ بقدر مساهمتها فى إلقاء الضوء على النقاش الداخلى بين اليهود. المحو الرمزى ليس بالضرورة أسوأ من المحو الفعلى، لكنه سهل الحدوث؛ فالحياة التى لا تعدو كونها أداة بلاغية، لن يكون لدينا مشكلة فى إبادتها والقضاء عليها.
يوعناه غونين
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات