المستفيقون الجدد - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المستفيقون الجدد

نشر فى : الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 10:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 10:45 م
ومن مفارقات 2015 أن بعض الكتاب والإعلاميين الذين يخرجون اليوم على الناس محذرين من الآثار الخطيرة لموت السياسة ومسجلين رفضهم لهيمنة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على إدارة شؤون الحكم، كانوا ممن وظفوا مساحاتهم فى المجال العام لتسويق السلطوية الجديدة منذ لحظة ميلادها فى صيف 2013، وللتبشير بإنقاذها المؤكد للوطن وللدولة، ولتجهيل الرأى العام بوقائع وتفاصيل الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان والحريات.

بل إن هؤلاء الكتاب والإعلاميين الذين يتبنون اليوم قراءة نقدية للكيفية التى أدارت بها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مشهد «الانتخابات البرلمانية 2015» وللتشكيل المفتت وغير الحزبى الذى أنتجته للمؤسسة التشريعية، كانوا ممن تقدموا الصفوف خلال العامين الماضيين لصناعة نظرة بالغة السلبية للأحزاب السياسية وللحد من دورها فى العمل التنفيذى والتشريعى وفى عموم المجال العام. اتهمت الأحزاب بتكالبها على «المصالح الضيقة» وبالعجز عن الارتقاء إلى مقتضيات «المصلحة الوطنية» التى يصيغها رأس السلطة التنفيذية، ومن ثم تعالت أصداء المطالبة بضرورة استبدال كوادرها حين تشكيل المؤسسة التشريعية برجال قادرين على معاونة الرئيس. وقد مثلت هذه النظرة السلبية للأحزاب السياسية العنوان العريض لتحرك الأجهزة الأمنية لاختيار «رجال الرئيس» ولتمكينهم من الوصول إلى المؤسسة التشريعية.
وتلاقى أيضا تهميش الأحزاب، وفى سياقات أخرى الاستخفاف بأدوار منظمات المجتمع المدنى واتهامها الظالم بالسعى «وراء مصادر التمويل الخارجى»، مع ترويج نفس الكتاب والإعلاميين منذ صيف 2013 لكون التأييد الشعبى لوزير الدفاع السابق / رئيس الجمهورية الحالى يغنيه ابتداء وانتهاء عن «وساطات» الأحزاب والمجتمع المدنى ويضعه فى موقع القادر باستمرار على التواصل المباشر مع الناس. وبعيدا عن استراتيجيات الخوف وآليات فرض الرأى الواحد التى صنع من خلالها التأييد الشعبى للحاكم الفرد وبمعزل هنا عن التقلبات الحقيقية التى وردت عليه خلال العامين الماضيين، تقضى مقولة «الاستغناء الرئاسى» عن أدوار الأحزاب والمجتمع المدنى على جوهر السياسة وترسخ للسلطوية، شأنها فى ذلك شأن وهم التواصل المباشر بين الحاكم وبين الناس المختزلين إلى كتل جماهيرية صماء تدرك وتفكر وتفعل جماعيا.
فما الذى يدفع هذا النفر من الكتاب والإعلاميين إلى التحذير من موت السياسة ومن هيمنة الأجهزة الأمنية فى خواتيم 2015، وهم من أسهم بفاعلية فى تمرير الموت وتبرير الهيمنة منذ 2013؟
نظريا، تحضر هنا عدة احتمالات. فلربما أدت عبثية إدارة مشهد «الانتخابات البرلمانية 2015» إلى استفاقة هؤلاء الكتاب والإعلاميين من سباتهم السلطوى، وجعلتهم يرون حافة الهاوية التى تقف عليها مصر بعد أن أميتت السياسة وأطلقت يد الأجهزة وتراكمت انتهاكات الحقوق والحريات.
وربما صدمتهم اختيارات الأجهزة لرجال محسوبين على الرئيس وأداؤهم المتوقع حتما سيوغل فى نزع المصداقية والشرعية عن المؤسسة التشريعية، والأخيرة غير مرشحة للتعافى من انهيارات البدايات التى أحدثتها التدخلات الأمنية وسطوة المال الانتخابى المتحالف معها.
وربما تحرروا إلى حد ما من أوهام «التأييد الشعبى الكاسح» لرأس السلطة التنفيذية، ولم يتحايلوا على الرسالة السلبية التى حملها عزوف أغلبية المصريات والمصريين عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، ومن ثم يعمدون اليوم إلى دق ناقوس الخطر إن استمرت إدارة أمور الحكم على ما هى عليه.
وربما هى لعبة توزيع أدوار جديدة بين «الأذرع الإعلامية» للسلطوية، هدفها التحايل وتزييف الوعى. فيجهش بعض هؤلاء بالبكاء أمام الكاميرات لإعطاء «تأييدهم له وامتنانهم لقيادته وخوفهم عليه من المتآمرين» مسحة دراماتيكية مطلوبة لتنفيس عدم رضاء قطاعات شعبية مؤثرة، بينما يصعد آخرون من ملاحظاتهم النقدية بشأن أمور الحكم والسلطة لكى يستعيدوا مخادعة شىء من ثقة الناس ويتمكنوا بالتبعية من الإسهام فى تنفيس عدم الرضاء العام وتوجيهه بعيدا عن رأس السلطة التنفيذية.
تحضر جميع هذه الاحتمالات لتفسير ظاهرة «المستفيقين» من الكتاب والإعلاميين فى خواتيم 2015، غير أنها جميعا لا تنفى المحدودية الشديدة، إن لم يكن الغياب الكامل للمضمون الديمقراطى لتحذيراتهم من موت السياسة وسيطرة الأجهزة.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات