عن الدود والمواطن - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الدود والمواطن

نشر فى : الأحد 27 مارس 2011 - 9:43 ص | آخر تحديث : الأحد 27 مارس 2011 - 9:43 ص

 حصل المواطن المصرى بعد ثورته على شهادة «فاعل» فى المشهد السياسى المصرى عن جدارة واستحقاق بعد طريق طويل، بل طويل جدا، بدأه وهو ملتف حول أحمد عرابى فى ميدان عابدين مطالبا بحقه السياسى: «لقد خلقنا الله أحرارا». تبلور مفهوم الحرية الفردية ومفهوم المشاركة السياسية فى ذات الوقت الذى أنشئت فيه الجمعيات والمنظمات الثقافية والعلمية والإعلامية والتعليمية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر. وبدأت تتضح شيئا فشيئا مطالب الأمة المصرية حين أدرك الفرد ذاتيته، حين تحول الفرد إلى مواطن، حين تحولت الحرية من فكرة إلى حق سياسى، حين أدركنا أننا لم نخلق تراثا أو عقارا، وحينها قررنا أننا لن نقبل أبدا أن نستعبد. كتب الامام محمد عبده فى مذكراته: «فقد رأى (يقصد أحمد عرابى) أن يضع نفسه ومن معه من الضباط موضع الآلة المنفذة لرغبة الأمة، كأن الأمة هى التى استعملته، فالثورة هى ثورة الأمة لا ثورة الجند». وقامت الثورة العرابية مطالبة بالحرية. كانت ثورة على الوضع المزرى الذى كانت تعيش فيه مصر والذى وصفه عبدالله النديم بهذه الكلمات: «كانت البلاد على سعة أطرافها كليمان أعد للمذنبين ومجلس جزاء هيىء لأرباب الجرائم والخاطئين، ولو أن سائحا جويا صعد فى درجات الهواء إلى حد يرى ويسمع من تحته من أهالى الديار المصرية إذ ذاك لرأى أمة تتقلب على جمر العذاب، على غاية من الاختلاط والاختباط، تتحرك تحرك الدود على غير نظام». قامت الثورة على هذه الأوضاع وتهللت أسارير الشعب ولكنها وبعد عام وأيام قليلة منيت بهزيمة ثقيلة واستطاع أعداء الثورة والحرية أن ينتصروا. ولكن الحراك الفكرى استمر فى التنامى وبدأت حركات سياسية عديدة تطالب بالحرية واستمرت قوى الثورة المضادة فى أداء دورها القمعى بكفاءة. ولم يختلف كثيرا أداء هذه القوى منذ قرن من الزمان وحتى الآن. ففى خطبته فى 7 يناير 1910 قال الزعيم محمد فريد: «إخوانى، أرادت الحكومة إسكات صوت الأمة، فعمدت إلى طريقة الإرهاب». (أليست هذه هى نفس الطريقة التى تم استعمالها أخيرا بسحب الشرطة لإرهاب الشعب؟). هذا الحراك السياسى والفكرى الذى ساهم فى مزيد من بلورة مفهوم الذات السياسية، أدى إلى تفجر ثورة 1919 والتى ألهبت خيال العالم حينذاك وتعلم منها الكثيرون ومن ضمنهم غاندى. ولكن لم تستطع هذه الثورة العظيمة أن تحقق منجزها الثورى بالكامل. نقرأ فى جريدة الأهالى فى 26 أكتوبر 1921: «نفر معدود على الأصابع يدبر ما يدبر، وبين يديه التليفونات، يحملها ما يشاء من أوامر التنفيذ، وأوامره بالقهر مطاعة، وبالجبر مجابة، نفر يلعب بالشعب لعب الصوالج بالأكر». (والصوالج هى العصى التى اعوج طرفاها والأكر هى الكرات). تم تحجيم الثورة بهدوء عن طريق نفر معدود. وبدلا من تحقيق ثورة 1919 مطالبها على مراحل، استطاعت الثورة المضادة تحقيق مآربها على مراحل. ولكن تنامى عبر الزمن الوعى العام بمفاهيم الحرية الفردية.

ما حدث فى 25 يناير هو ثورة على مرحلة تناقص فيها بشدة وعى الفرد بكونه مواطنا سياسيا. تحول المصرى خلال حكم مبارك مرة أخرى إلى مفعول به، إلى فرد غير منتمٍ وغير فاعل وغير مهتم، وهى انتكاسة فى الطريق الطويل الذى خضناه نحو المواطنة. وبعد ثورتنا هذه على أنفسنا حصلنا، على شهادة «مواطن». ولكن هل سوف نستطيع هذه المرة أن نحقق منجزنا الثورى؟

الأمر كله يتوقف على استمرار الثورة، فالقوى المناوئة تعمل بكفاءة كعادتها عبر التاريخ. وهو أمر بديهى. فلا يمكن تصور حكم استمر لمدة ثلاثين عاما ليس لديه أدوات ورجال وشبكة مصالح محلية وإقليمية ودولية، ونفوذ مالى وإدارى، وكذلك شبكة من العلاقات مع القوى السياسية الأخرى الموجودة على الساحة السياسية والتى من الممكن إيجاد سبل للتواصل بينهم بدعم إقليمى أو دولى، وإقامة صفقات سياسية مريحة للطرفين. هناك الكثير من المعلومات الآن تدعو للقلق والريبة، نسمع أيضا عن نفر معدود من نظام ــ من المفترض نظريا أنه سقط ــ يأمر عبر هواتفه، فيبقى فى السلطة من يبقى. هناك أسئلة كثيرة بلا إجابات لن أكررها هنا لأنها تحتاج إلى صفحة كاملة فى هذه الجريدة، ومن بينها سؤال عن المنهجية التى تم التعامل بها فى قضية الاستفتاء من حيث التوقيت ومن حيث التعاطى مع الأفكار. وكذلك هناك علامات استفهام أكبر حول المستقبل القريب وحالة التعتيم الكاملة التى نعيشها. تطالب العديد من القوى السياسية والخبراء السياسيين بعد نتيجة الاستفتاء (على سبيل المثال وليس الحصر) إجراء الانتخابات التشريعية بالقائمة النسبية المغلقة وإلغاء كوتة العمال والفلاحين والمرأة. هل سوف ننتظر قرارا سياديا علويا من المجلس العسكرى أم أننا سوف نأخذ زمام الثورة فى أيدينا نحن؟

التاريخ يحدثنا، وعلينا أن نخرج من حالة الدود الذى يتحرك بلا نظام، إلى حالة المواطن الذى يتشكل منذ أكثر من قرن ونصف القرن من الزمان والذى أيقن اليوم قدرته على التغيير.

خالد الخميسي  كاتب مصري