1

عندما زار النحات الكبير آدم حنين اعتصام وزارة الثقافة، لم يهتم بالجلوس وسط مشاهير الأدب والفن والسياسة. ولم يحشر نفسه في الزحام المواجه لكاميرات التليفزيون.

سوف يجلس على كرسي في أحد الأركان، بوجه برونزي مُحبب، وشعر لم يصفف بعناية، وعينين فيهما عمق الدنيا، ليتابع بفرحة طفولية ما يجري، قبل أن يذهب كل انتباهه إلى طفلة لم تتجاوز العشر سنوات تجلس بالقرب منه وفي يدها قلم وورقة، تحاول رسم شيء ما.

لن تجد عند آدم حنين عملا فنيا يصور حالات النضال الوطني بشكل مباشر، لكنك سوف ترى هذا في تمثال فاتن لأم كلثوم، أو كرة جرانيتية متوسطة الحجم، بها عدة خطوط بسيطة، تدقق فيها لتعرف أنها رأس صلاح جاهين.

2

منذ خمس سنوات، اضطر آدم حنين، إلى هدم منزله يأسا من محاولات إصلاح ما أفسدته المياه الجوفية، التي اجتاحته ضمن عدة مبان في قرية الحرانية، كان شيدها المهندس رمسيس ويصا واصف منذ نصف قرن أو أكثر، على طريقة المعماري العظيم حسن فتحي. تصميمات معمارية تجمع بين الشكل الجمالي الفريد وبين احترام البيئة المحيطة، بطريقة علمية تتعامل مع درجات الحرارة وضوء الشمس بشكل لا تحتاج معه إلى كهرباء.

المباني تكونت من مركز عالمي لفنون السجاد، ومتحف للفنان حبيب جورجي، بالإضافة إلى منزل آدم حنين، الذي ضم مجموعة كبيرة من أهم أعمال الفنان وأشهرها "سفينة آدم".

عاش آدم في غرفة مجهزة للمعيشة، كانت ملحقة بمكان عمله، أملا في استغلال مساحة المنزل في بناء متحف، تنتقل ملكيته للدولة في المستقبل.

3

استطاع آدم، مع عدد من المهتمين، من إنشاء مؤسسة، تحمل اسمه. ومنذ أيام قليلة، أصبح لدينا متحف كبير، يليق باسم أهم نحاتي مصر منذ ظهور محمود مختار، وأحد أهم فناني العالم في هذا المجال بلا مبالغة.

4

الذي فعله آدم حنين في فن النحت، يشبه ما فعلته فيروز في الغناء.

وصلاح جاهين في الشعر.

وسعاد حسني في التمثيل.

هذا النوع من الفنانين، الذي يصل لعدة مستويات من التلقي والبساطة، التي توهمك بأن مثله لا يبذل مجهودا كبيرا فيما يفعل، لكنه من العمق الذي يجعله سهلا ممتنعا.

5

يتحرك آدم وسط أعماله، فيهيئ لك، كلما وقف بين بعضها، أنه هو نفسه تفصيله فنية تشغل الفراغ بين قطعة وأخرى، فتكمل الحالة.

هو قطعة من الألماس، ذات بريق أصيل أينما وجدت، بسبب من خصوصية شديدة لا يفسدها الاتكاء على الجماهيري أو الشعبوي، فتميز رشاقة نادرة في تماثيل هذا الفنان، وتفاصيل تصنع الحياة.