إذا لم ترد إيران وحزب الله على الضربات الإسرائيلية النوعية فى الفترة الأخيرة، فسوف تكون إسرائيل قد حققت العديد من الأهداف الاستراتيجية، وأهمها ترميم صورة ردعها التى سقطت سقوطًا مريعًا، فى صبيحة السابع من أكتوبر الماضى، بعملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها فصائل من المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة.
فى هذا اليوم ٧ أكتوبر تمكن المقاومون الفلسطينيون من مرمغة سمعة إسرائيل العسكرية والاستخباراتية فى التراب. دخلوا مستوطنات غلاف غزة وقتلوا نحو ١٢٠٠ شخص، وأسروا أكثر من ٢٥٠ شخصًا بل بثوا بعضًا من عمليات أسر الإسرائيليين على الهواء، وهم عائدون بهم إلى غزة وربما أن أحد أهم أسباب الوحشية الإسرائيلية فى عدوانها على قطاع غزة، هى محاولة استعادة الردع المفقود، ولذلك قتلت أكثر من ٤١ ألفًا، وأصابت أكثر من ١٠٢ ألف، ودمرت أكثر من ٨٠٪ من مبانٍ ومنشآت غزة، وحولت ثلثى الفلسطينيين هناك إلى نازحين. هى قتلت الفلسطينيين فى المستشفيات والمدارس وبيوت العبادة والشوارع والمناطق التى حددتها بأنها آمنة، والهدف استعادة هذا الردع الضائع.
حزب الله اللبنانى ساند الفلسطينيين بقوة ودخل الحرب من اليوم الثانى للعدوان فى ٨ أكتوبر الماضى.
صحيح أن الاشتباكات والضربات كانت محدودة ومنضبطة، لكنها عمليًا استنزفت إسرائيل وهجرت نحو ٨٠ ألفًا من سكان شمالها يقيمون فى فنادق بمدن مختلفة، ويكلفون الميزانية الكثير.
طوال هذا الوقت قتلت إسرائيل أكثر من ٥٠٠ عنصر من عناصر الحزب فى الجنوب اللبنانى. وبينهم 3 من كبار قادة الحزب الكبار، وهم محمد نعمة ناصر وسامى طالب عبدالله ووسام الطويل.
لكن وابتداء من ٣٠ يوليو الماضى، بدأت إسرائيل فى تغيير نوعى فى عملياتها وهجماتها ضد حزب الله حينما اغتالت القائد العسكرى للحزب فؤاد شكر فى الضاحية الجنوبية، علمًا بأنها اغتالت فى نفس المنطقة صالح العارورى الرجل الثالث فى حركة حماس وقائدها فى الضفة الغربية فى نوفمبر الماضى.
فى نفس يوم اغتيال شكر اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية فى قلب العاصمة طهران، وقبل ذلك قتلت محمد رضا زاهدى، القيادى فى فيلق القدس، بغارة على القنصلية الإيرانية فى العاصمة السورية دمشق، أول أبريل الماضى.
وتيرة التغير النوعى زادت بصورة ملحوظة قبل أسبوعين، حينما تمكنت إسرائيل من تفجير أجهزة «البيجر» التى يحملها عناصر حزب الله فقتلت ٤٠، وأصابت نحو ٢٨٠٠ عنصر بإصابات مختلفة.
بعد هذه العملية بثلاثة أيام، أى يوم الجمعة قبل الماضى، تمكنت إسرائيل من استهداف هيئة أركان حزب الله بزعامة إبراهيم عقيل الرجل الثالث فى الحزب عسكريًا، خلال اجتماع الهيئة فى طابق تحت الأرض فى حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت مقر حزب الله.
كان البعض يعتقد أن هذا هو أقصى ما ستفعله إسرائيل، لكن أخطر ضربة جاءت يوم الجمعة الماضى، حينما هاجمت المقاتلات الإسرائيلية، المقر المركزى لحزب الله فى الضاحية الجنوبية بقنابل تخترق الأعماق، وتمكنت من اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ومعه مجموعة من قيادات الحزب ونائب رئيس فيلق القدس الإيرانى، إضافة إلى استهداف البنية العسكرية للحزب خصوصًا الصورايخ ومنصات إطلاقها.
هذه العملية هى ربما أخطر تطور فى الصراع بين إسرائيل وحزب الله منذ تأسيس هذا الحزب عام ١٩٨٢ فى نفس العام الذى اجتاحت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلى بيروت بعد إخراج مقاتلى منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات.
لم يتخيل كثيرون أن تصل إسرائيل إلى حسن نصر الله، لكن ظنى أنها أرادت أن تقنع الإسرائيليين أولًا والعرب ثانيًا والعالم ثالثًا أن يدها ما تزال طويلة وقادرة على الوصول إلى أى مكان فى المنطقة، وهو ما قاله نصًا رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، فى كلمته أمام الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضى، بعد أن أعطى الأمر باغتيال نصر الله.
أعود إلى ما بدأت به، وأكرر السؤال: ماذا تنوى إيران أن تفعل وكيف يستطيع حزب الله أن يرد؟!
المسألة باختصار وبعيدًا عن التفاصيل، هى أن إسرائيل إذا لم تتلق ردًا كبيرًا وحقيقيًا ومؤلمًا، فستقول إنها ردعت كل خصومها وأعدائها، واستعادت هيبتها، بصورة أكبر عما ذى قبل، وإنها وكما قال نتنياهو «ستغير الشرق الأوسط»!