الذهن الطائفى.. كيف يُبدد؟ - سامح فوزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذهن الطائفى.. كيف يُبدد؟

نشر فى : السبت 31 يوليه 2010 - 10:20 ص | آخر تحديث : السبت 31 يوليه 2010 - 10:20 ص

 كشفت قصة السيدة «كاميليا شحاتة»، زوجة القس تداوس سمعان بدير مواس عن سيادة «العقل الطائفى» لدى قطاع لا يستهان به من الأقباط. أقلام كثيرة تصدت لهذه الظاهرة، وأوغلت فى نقد المؤسسة الدينية التى عبأت، وحشدت المتظاهرين المطالبين بما سموه عودة زوجة الكاهن المختطفة، فى حين ثبت أن السيدة غادرت منزلها بمحض إرادتها، وبتدبير خاص منها إثر خلافات مع زوجها.

تحركت الجماهير بوحى من رواية خاطئة، وانخرطت فى معالجة غير حصيفة لموقف اجتماعى يتكرر حدوثه، ولكن القضية أكثر تعقيدا من ذلك، ومحاولة تبسيطها فى تبرير ونقد التظاهر فى ساحة الكاتدرائية لا يكفى.

كشفت الأيام الخمسة الفاصلة منذ اختفاء السيدة «كاميليا شكرى» إلى عودتها مرة أخرى أن هناك ذهنية طائفية متفشية فى أوساط قطاعات من الأقباط. قد لا يكون فى هذا الأمر اكتشاف جديد، ولكن الجديد فى الأمر هو زيادة تأثير هذه الذهنية فى الوقت الذى تراجعت فيه مساحة النقد الاجتماعى لدى الأقباط تجاه ما يتردد، وما تتناقله الألسنة من ثقافة سمعية، وكثير منها يفتقر أحيانا إلى المنطق، وتختلط به الأوهام ومظاهر الإحباط الشخصى. فقد خرج الأقباط عن بكرة أبيهم يتحدثون عن اختطاف زوجة الكاهن، وهو ادعاء سرى كالنار وسط الهشيم.

أصوات قليلة وصفت غياب الزوجة بالاختفاء، ولكن الكثير فضل أن يستخدم مصطلح «اختطاف». وشاعت روايات كثيرة حول واقعة الاختفاء وأسبابها. ودخلت المنابر الإعلامية طرفا فى القضية من خلال إعادة إنتاج الشائعات، وربطت معظمها بين واقعة اختفاء «كاميليا» 2010م، وواقعة اختفاء «وفاء قسطنطين» 2004م، وجميع ما تردد ثبت عدم صحته. ذكرنى ذلك بما حدث منذ سنوات عندما سرت شائعة، تناقلتها الألسنة من على منابر الكنائس أن هناك محلات جرى تسميتها بالاسم تستدرج الفتيات والنساء المسيحيات، وتوقعهن فى شرك التوقيع على أوراق تحولهن إلى الإسلام. حكاية لم يكن من السهل استيعابها، أو تصورها.

وبرغم ذلك انتشرت، وتكاثرت، وسمعنا عن حالة هنا، وأخرى هناك، وثالثة على الطريق، الخ. وبعد فترة من الزمن لم يستطع أحد أن يثبت الادعاء، وانتهى الأمر تاركا خلفه مخاوف وهواجس، وشعورا بالقلق على المصير والكيان فى الأوساط القبطية. من المهم فى هذه اللحظات طرح السؤال الصحيح، بدلا من التقوقع حول أسئلة خاطئة أو جزئية.

فى تقديرى أن السؤال الذى ينبغى أن يُطرح بوضوح ودون مواربة: لماذا باتت ذهنية قطاع من الأقباط مهيأة إلى تصديق مثل هذه الشائعات إلى حد الاعتقاد فيها، والتظاهر بسببها، وربما الموت من أجلها مستقبلا؟.إجابة هذا السؤال مركبة، وأى محاولة للتبسيط قد تؤدى إلى الانحياز الذى لا يساعد على تفكيك الذهنية الطائفية المتفشية.

بعض الأقباط يصدقون، ويتفاعلون، وينفعلون بسبب الروايات الطائفية ليس بسبب كونهم طائفيين، أو لأن تكوينهم طائفى، ولكن بسبب استمرار وجود علاقة مركبة ملتبسة تربطهم بالمجتمع، يمكن تلخيصها فى عبارة واحدة هى شعورهم بالتمييز ضدهم، سواء كان ذلك صحيحا أم خاطئا، دائما أم موسميا، فى مجالات معينة أم فى كل المجالات.

السؤال الآن، والذى يجتهد البعض فى الإجابة عنه رغم عدم جدواه هو هل يوجد تمييز تجاه الأقباط أم لا؟ فى حين أن السؤال الحقيقى الذى ينبغى أن يطرح بشجاعة، ويجتهد الجميع فى الوصول لإجابة عنه هو: كيف يمكن أن نبدد شعور الأقباط بوجود تمييز ضدهم؟. هناك مظاهر متعددة يشكو منها الأقباط بصورة مستمرة مثل بناء وترميم الكنائس، شغل المواقع القيادية فى بعض المؤسسات، ضعف التمثيل البرلمانى، الطعن إعلاميا وعلى بعض المنابر الإسلامية للعقيدة المسيحية إلخ.

الأرقام والشواهد تؤكد وجود خلل فى مجالات عديدة. استمرار الشعور بوجود هذه المشكلات جاثمة على نفوس الأقباط هو الأساس البنيوى ــ إن صح التعبير ــ للذهنية الطائفية، حيث يعتقد الأقباط أن المجتمع لا يقبلهم، وهم فى حالة دفاع مستمرة عن الذات، والكيان، العقيدة والممارسة، الرمز والصورة، إلخ. ولا يمكن أن نستبعد الموجات المتلاحقة من الشعور المتبادل بالضعف ما بين المسلمين والمسيحيين، حيث يشكو المسيحيون بأن الدولة إسلامية، وتحابى المسلمين، ويشكو المسلمون بأن الدولة تستجيب لابتزاز الأقباط.. وهكذا ينزلق الفريقان فى حالة ضبابية من الطائفية المتبادلة، وكأن المجتمع يتآمر على نفسه.

لا أعرف تحديدا لماذا ينشغل الكتّاب فى مناسبات كثيرة بالتحليل، والرصد، والنقد والإدانة، أكثر ما يسعون إلى تقديم حلول للتوترات الطائفية المتكاثرة؟ المشكلات المطروحة، والتى بسببها يجرى حشد المتظاهرين، والانخراط فى العنف المتبادل، واستهسال المساجلات الكلامية. قد يكون هناك دور ما للمؤسسة الدينية فى حشد، وتوجيه جمهور الأقباط، ولكن الأمر ــ كما يبدو لى ــ أن تفشى الذهنية الطائفية لدى قطاعات من الأقباط، ووجودها بالمناسبة لدى قطاعات من المسلمين بات يشكل ضغطا قادما من أسفل على المؤسسات الدينية، بحيث باتت هذه المؤسسات أكثر راديكالية، ورغبة فى مجارة الشعور الجماهيرى الجارف بالتمييز على الصعيدين الإسلامى والمسيحى.

المسألة الطائفية تحتاج إلى هندسة سياسية وقانونية تقوم على مبدأ المواطنة، تعطى كل شخص حقه، وتسعى إلى إرساء ممارسات فى الحياة العامة تعزز المساواة بين المواطنين. القضية ليست صعبة، وبالإمكان التعامل معها، ولكن فقط تحتاج المواجهة إلى أمرين: أن تقوم جهة سياسية بتبنى الملف الدينى ابتداء، لأنه يبدو فى الوقت الراهن بلا صاحب، أو على أحسن تقدير فى ذمة الأجهزة الأمنية.

والأمر الثانى هو وضع الحلول المؤسسية المناسبة للتعامل معه على قاعدة المساواة، وفتح حوار مجتمعى حولها. هذه الحلول قد تكون فى صورة قوانين أو لوائح، وقد تأتى فى مقررات دراسية وبرامج إعلامية، وقد تتمحور حول لجان مجتمعية لها صلاحيات البت فى قضايا.. هناك مقترحات كثيرة، ولكن المهم أن نعترف بالمشكلة أولا!

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات