حدائق مكسيكو المعلقة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 7:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حدائق مكسيكو المعلقة

نشر فى : الأحد 2 يناير 2011 - 10:37 ص | آخر تحديث : الأحد 2 يناير 2011 - 10:37 ص
لم أكن أتصور أن هناك مدينة فى العالم يمكن أن تنافس بقوة وشرف مدينة القاهرة فى تلوث هوائها.

لكننى عندما وصلت إلى مدينة مكسيكو سيتى وخرجت من المطار واستقبلنى التلوث بأذرع مفتوحة وأخذنى بين أحضانه حتى كدت أختنق أدركت أن الله حق وأننى أخيرا فى مدينة جديرة أن ترفع شعار المنافسة مع مدينتى الأثيرة.

كنت أعلم أن مكسيكو سيتى ذات الأربعة ملايين سيارة والتى يعيش فيها أكثر من واحد وعشرين مليون نسمة يرتفع فيها معدل الأوزون بنسبة تفوق الخمسين بالمائة المعايير المسموح بها وفقا لمنظمة الصحة العالمية. وهى بهذا التعداد السكانى تحتل المرتبة الثالثة بين مدن العالم من حيث عدد سكانها بعد طوكيو وسيول. ولكن رغم هذه الحقائق لم أكن أتصور قسوة ما شعرت به رئتى.

من المحتمل أن يكون ارتفاعها عن سطح البحر بنحو ألفى ومائتى متر هو السبب فى شعور المرء بشدة تلوث الهواء وهو ارتفاع كبير يقارب قمة جبل موسى فى سيناء. وبالسؤال والتحرى علمت أن العاصمة المكسيكية قد حققت فى السنوات القليلة الماضية تحسنا طفيفا فى معدلات التلوث عن طريق عدة مشاريع إحداها مشروع الحدائق المعلقة.

فقد قامت محافظة العاصمة عام 2007 بإطلاق برنامج طموح لتنقية الهواء عن طريق الاستثمار فى تحويل الأسطح إلى مساحات خضراء، وبدأت بسطح المحافظة الذى يبلغ مسطحه 475 مترا مربعا وقد قامت بتحويله إلى حديقة غنا، وتحول هذا السطح إلى رمز مشروع المحافظة. ومن المتوقع أنه بانتهاء عام 2012 تكون المحافظة قد قامت بتغطية ثلاثين ألف متر مربع من الأسطح بمساحات خضراء بميزانية بلغت مليون يورو.


صعدت إلى أحد هذه الأسطح مع امرأة مكسيكية وبدأت تشرح لى أن هذا السطح الصغير الذى لا يتعدى الثلاثمائة متر مربع أصبح بعد عام واحد عالما قائما بذاته، فرض نفسه تدريجيا وكون مناخا خاصا به وشكل عالما حيوانيا مرتبطا به. وأثناء حديثها هبط طائر الطنّان الأخضر على واحدة من الأشجار القصيرة المنتشرة على يمين السطح. ضحكت المرأة المكسيكية وقالت لى«أترى لقد تغيرت حياتنا تماما منذ تحول لون سطح بنايتنا إلى الأخضر».

تقول «مارتا ديجلادو» المستشارة المتخصصة فى الشئون البيئية التابعة لمحافظة مكسيكو سيتى إن المساحات الخضراء فى المدينة غير كافية وأنهم يفتقرون إلى الأراضى التى يمكن زراعتها داخل المدينة. فكان عليهم إيجاد بديل. والبديل هو تغطية أسطح المدينة بمساحات خضراء سوف تساعد على تنقية هواء مكسيكو الملوث كما أنه سوف يساعد على تحسين حياة البشر داخل أبنيتهم. وقد بدأت إدارة البيئة فى تنفيذ برنامجها فى المساكن الشعبية فى نفس الحى التى تقع فيه المحافظة وهو حى «فالنسيا» الذى يقع فى جنوب العاصمة بالإضافة إلى المبانى الحكومية. ويشرح «د.جيلبيرتو نافاس» أستاذ الزراعة فى جامعة شابينجو أن تقنيات تغطية الأسطح بالمزروعات هى تقنيات مركبة. فلابد من فرش طبقة أولى عازلة لتسرب المياه، ثم طبقة أخرى من البولييثلين تسمح بصرف المياه تحت طبقة أخرى مغطاة بالمعادن. ويتكلف المتر المربع الواحد من الأسطح من خمسمائة جنيه مصرى إلى ألف وخمسمائة جنيه حسب المساحة التى يتم إعدادها لفرشها بالنباتات. ويقول د.نافاس أن أفضل ما يمكن زراعته على الأسطح هى النباتات من الفصيلة المخلدية Crassulaceae وهى فصيلة نباتية من طائفة ثنائيات الفلقة وتتميز هذه النباتات بأوراقها الصغيرة والسميكة والعصارية كما أنها ملائمة للأماكن الحارة والجافة. وقد قامت شركة سانتورى اليابانية باختراع أرضية صناعية مخصصة لفرشها على الأسطح وعلى حوائط العمارات تسمح بتغطيتها بالنباتات وتسمح هذه الأرضية باحتجاز مياه تفوق ضعف ما تحتجزه الأراضى الطبيعية.


ماذا تقوم به هذه الحدائق المعلقة؟ تمتص النباتات بعض الجزئيات الملوثة للهواء وتسهم فى خفض درجة حرارة الأبنية بحيث انخفض استهلاك الكهرباء بنسبة 15% للبنايات التى تم تطبيق البرنامج فيها كما رفع من سعر البناية بنسبة تتراوح ما بين 15 و20% من قيمتها. لكن من أجل أن يسهم هذا البرنامج فى تقليل غاز الاحتباس الحرارى وتحسين هواء العاصمة يؤكد د.نافاس أنه لابد من تغطية 10% على الأقل من أسطح بنايات مكسيكو سيتى. وهذا يفوق ميزانية المحافظة. وبالفعل بدأت شركات متعددة الجنسيات كبنك اتش اس بى سى فى تمويل برنامج حدائق مكسيكو المعلقة. وانعقد هذا العام من 7 إلى 9 أكتوبر المؤتمر العالمى للأسطح الخضراء فى العاصمة المكسيكية. وينتهى عام 2010 بحصول محافظ (أو عمدة) مكسيكو سيتى على أفضل عمدة مدينة فى العالم وهو اللقب الشرفى التى تمنحه كل عام City Mayors Foundation.

أين القاهرة من كل ذلك؟ لا أعلم. ولكن ما أعلمه أننا يجب أن نتحرك قبل أن نموت اختناقا.
خالد الخميسي  كاتب مصري