حقوق الإنسان وسقوط الأقنعة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حقوق الإنسان وسقوط الأقنعة

نشر فى : الثلاثاء 8 سبتمبر 2009 - 10:23 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 سبتمبر 2009 - 10:24 ص

 قبل أيام صدر تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان حول حالة الحريات وحقوق الإنسان فى مصر. وعلى عكس التقارير التى سبقته، فقد كان هذا الأخير هو أول تقرير يرفع إلى المجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويسجل بقدر كبير من الموضوعية والشفافية والحياد جانبا من الأوضاع المزرية لحقوق الإنسان فى مصر. ويلتقى فى كثير من أوجه النقد مع التقارير التى تقدمها الجمعيات الأهلية (23 جمعية) تعمل بصفة مستقلة فى مجالات مختلفة لحقوق الإنسان.

وقد كانت النظرة إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان هى النظرة المعتادة لكل الأجهزة الرسمية وما يصدر عنها من بيانات وتقارير حكومية، تعوزها الدقة وتسعى إلى تغطية أو تبرير الأخطاء أو تجاهلها. وقد اكتفى المجلس قبل ذلك فى كثير من الحالات بالرصد والتسجيل دون التحليل أو التقويم، تجنبا للصدام أو النقد الحاد لسياسات أمنية تنطوى على إهدار ذريع لحقوق الإنسان فى مجالات مختلفة.

وبخلاف التقارير السابقة، جاء التقرير الأخير ليكشف الغطاء دون مواربة عن كثير من الأخطاء، وأحدث التقرير دهشة لدى الكثيرين، لسببين: الأول أن الذى أشرف على صياغته وتحريره هو الدكتور حسام بدراوى، أحد القيادات المهمة فى أمانة السياسات بالحزب الوطنى، وهو وإن كان يعتبر من الأجنحة الإصلاحية التى حافظت على سمعتها واستقلاليتها داخل الحزب، إلا أنه يحظى أيضا بثقة التيارات السياسية داخل الحزب وخارجه.

والسبب الثانى أن خروج تقرير يتحدث عن أوضاع حقوق الإنسان بهذه الصراحة والصدق بإشراف أحد كوادر الحزب، قد يشير إلى وجود خلخلة فى صفوف الحزب وقياداته التى باتت تشعر بالقلق من قرب سقوط الأقنعة فى الصراع على مستقبل الحكم، الذى لم تحسم فيه مشكلة التوريث بصفة قاطعة.

وبالطبع فإن وجود عناصر قانونية ضليعة مثل الدكتور كمال أبوالمجد ضمن أعضاء المجلس، قد ساعدت على الصياغة المنضبطة لأول تقرير يرفع إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث أصبحت مثل هذه التقارير الدورية محل مراجعة ومحاسبة دولية تنعكس فيما يصدر من تقارير دولية.

ناقش التقرير الإطار الدستورى الذى جرى فيه تعديل المواد الخاصة بحالة الطوارئ وانتقد ما تضمنه التعديل من إتاحة إصدار قانون لمكافحة الإرهاب، تعطل فيه الحقوق الدستورية بإخضاع إجراءات التحقيق لرقابة القضاء، ومنح رئيس الدولة الحق فى إحالة المشتبه فيهم لأى جهة قضائية بما فى ذلك المحاكم العسكرية. وهو ما يعتبر مناقضا لمبادئ المحاكمة العادلة.

وطالب التقرير بتلافى القصور فى مواد العقوبات الخاصة بجرائم التعذيب، وإحكام التشريعات بما يمنع الإفلات منها.. وكذلك بضرورة الإفراج عمن صدرت بحقهم أحكام البراءة وأعيد اعتقالهم بواسطة الأمن، وهو إجراء روتينى معروف فى مصر. ولم يتوان التقرير فى إدانته لمحاكمات المدنيين أمام القضاء العسكرى ومحاكم أمن الدولة طوارئ ولكل أشكال المحاكمات الاستثنائية.

وتعرض التقرير لقضايا حرية الرأى والتعبير. فبالرغم من التعديلات التى أدخلت عام 2006 على قانون العقوبات وأخرجت بعض الأفعال من دائرة التجريم واستبدال الغرامة بالحبس، فإن تلك التعديلات لم تحل دون استمرار العقوبات السالبة للحرية على الصحفيين فى بعض جرائم النشر.

وطالب التقرير باحترام حرية التعبير للمدونين، على نحو يشجع المشاركة فى الحياة السياسية والثقافية، وإصدار قانون يسمح بحرية تداول المعلومات.

فى الجوانب السياسية طالب التقرير بتطبيق نظام الانتخابات بالقائمة النسبية، وإعادة النظر فى نظام الإشراف الانتخابى، والإسراع بالانتهاء من تنقية الجداول وتحديثها واتخاذ الإجراءات اللازمة للانتخاب بالرقم القومى.

لا مجال هنا للإفاضة فى الحديث عن أوجه القصور التى تناولها التقرير عن الحياة السياسية والحزبية، وعن نقص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى يجب التصدى لها.. ولكن مثل هذه التوجهات الجدية حين تأتى من جانب مجلس يسيطر عليه الحزب الوطنى، فإن البعض قد يتصور أنها تعبر عن تغير فى السياسات التى تنتهجها الدولة، أو رؤية أكثر استنارة فى إدارة دفة الحكم.

ولكن الحاصل هو أن المجلس القومى لحقوق الإنسان قد سبق أن أصدر فى السنوات الماضية تقارير، تضمنت الإشارة إلى نفس أوجه القصور، وطالبت بنفس المطالب، التى لا تكف القوى السياسية وأحزاب المعارضة عن المطالبة بها.. ولكننا سوف نستيقظ كما نستيقظ كل يوم على أنباء اعتقال عشرات دون محاكمة أو أمام محاكم عسكرية، واختفاء عشرات فى السجون والمعتقلات، والتلاعب بعواطف الناس ومشاعرهم.. وماذا يستطيع المجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يفعل إزاء ذلك.. إذا لم تستطع الأحزاب والقوى السياسية؟!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات