لماذا لن يتراجع اليمين المتطرف فى الغرب قريبا؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا لن يتراجع اليمين المتطرف فى الغرب قريبا؟

نشر فى : الجمعة 9 سبتمبر 2022 - 6:40 م | آخر تحديث : الجمعة 9 سبتمبر 2022 - 6:40 م

خلال العقدين الماضيين، خسرت السياسة كثيرا فى الغرب الأمريكى والأوروبى. ففى عالم محاط بالمخاطر البيئية والأزمات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية، يظل المجال السياسى هو المجال الوحيد الذى لا يملك الاعتراف بالعجز عن التعامل مع الأوضاع الراهنة، بينما يجهر المواطنون والمواطنات وتجهر المصالح الخاصة بالعجز وصعوبة التأقلم.
خلال العقدين الماضيين، اضطرت النخب السياسية التقليدية فى الغرب، نخب اليمين واليسار، وفى سبيل الحفاظ على دورها كمصدر القانون والأمن والرخاء والنظام إلى تقديم وعود متتالية تعلم هى مسبقا أنها لن تتحقق. والنتيجة هى التراجع المستمر للنخب التقليدية عن مواقعها فى الخريطة المجتمعية. بين خطاب رسمى جماد لا يتطور وبين ما أصبح يطلق عليه وباء الحركة البطيئة لليمين واليسار، تبدو نخب اليمين واليسار الأكثر ذعرا وخوفا من ديناميات العصر. وفى أقصى اليمين وأقصى اليسار، تطفو حركات سياسية متطرفة وعنصرية وشعبوية توظف خوف الناس للحصول على نجاحات انتخابية ولا تمانع فى استخدام العنف اللفظى والمادى لتحدى سلطة القانون والمبادئ الديمقراطية. هذا هو جوهر حال الغرب الأمريكى والأوروبى اليوم، وبه الدليل الصريح على حيرة وشقاء السياسة فى مواجهة التغيرات الراهنة.
• • •
خلال العقدين الماضيين، رتبت بيئة المخاطر والأزمات وظواهر العنف والتطرف المحيطة بالمجتمعات الغربية صعود حركات وأحزاب اليمين الشعبوى والسياسيين المنتمين إليها فى الولايات المتحدة وأوروبا.
فمن جهة أولى، تشترك أحزاب اليمين المتطرف فى إطلاقها للاتهامات بالجمود والفساد والابتعاد عن الناخبين باتجاه أحزاب اليمين واليسار التقليدية. ويعبر اليمينيون المتطرفون هنا، وكما تدلل استطلاعات الرأى العام فى الغرب، عن انطباعات سائدة بين قطاعات شعبية واسعة لم تعد تتحمل جمود برامج القواعد التقليدية للحزبين الجمهورى والديمقراطى وأحزاب يمين ويسار الوسط فى بريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد وهولندا ورفضهم للتغيير أو فضائح الفساد المتكررة التى ضربت النخب السياسية التقليدية فى بلدان كإيطاليا وإسبانيا واليونان.
يوظف اليمين المتطرف اتهاماته للأحزاب التقليدية لكى يجتذب تأييد ناخبين بين الطبقات العاملة والفئات محدودة الدخل والتعليم من البيض الذين سأموا رؤية ذات الوجوه فى مقاعد الحكم والمعارضة وصاروا يبحثون عن وجوه جديدة تتحدث مثلهم وتستخدم مفرداتهم عند المطالبة بإيقاف تدفق الأجانب واللاجئين أو الحد من تدخل الحكومات فى السياسات الاقتصادية والمالية وسياسات العمل.
هكذا جاء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بين ٢٠١٦ و٢٠٢٠، وصار بوريس جونسون رئيسا للوزراء فى بريطانيا، ويقترب اليوم حزب يمينى متطرف من التحول إلى القوة السياسية الأكبر فى السويد. يكتسب اليمينيون المتطرفون طابعهم الشعبوى من خلال انتقاداتهم المستمرة، بل وعدائهم الصريح، للنخب ويبدون بمظهر السياسيين والبرلمانيين القريبين من هموم ومطالب العمال ومحدودى الدخل من «السكان الأصليين!».
من جهة ثانية، تتشابه أحزاب اليمين المتطرف فى تبنيها لخطاب سياسى يوظف المقولات القومية لصياغة رفض صريح لوجود الأجانب واللاجئين من غير البيض. العنصريون الأمريكيون، الوطنيون الإيطاليون، القوميون الألمان، الديمقراطيون السويديون، الجبهة الوطنية الفرنسية؛ بمسميات كهذه يتقرب اليمين المتطرف من المشاعر الوطنية للبيض الخائفين على ضياع «الهوية الأصلية» للمجتمعات الغربية. ويستخدم اليمين المتطرف خوف فئات شعبية واسعة لاجتذاب التأييد لبرامج سياسية تدعو إلى إغلاق أبواب بلادهم فى وجه الأجانب واللاجئين. بإغلاق أبواب الغرب فى وجه الأجانب واللاجئين وبإغلاق أبواب مجتمعاته على قومياتها البيضاء الأصلية، يسجل اليمين المتطرف خروجه على توافق الأحزاب التقليدية فى اليمين واليسار الرافض لعزل الغرب عن العالم.
من جهة ثالثة، تظهر استطلاعات الرأى العام وكذلك دراسات تفضيلات الناخبين وسلوكهم التصويتى فى الولايات المتحدة وأوروبا أن القواعد الناخبة لليمين المتطرف فى الغرب لم تعد ترى لا السياسة ولا المؤسسات الديمقراطية كمجال للصراع السلمى بين اليمين واليسار حول قضايا مثل النظم الضريبية وسياسات العمل والأجور وإعانات البطالة والعجز والرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية.
جل ما يراه ناخبو اليمين المتطرف فى السياسة هو صراع ثقافى بين دعاة فتح أبواب الغرب للأجانب واللاجئين وبين المطالبين بإغلاق الأبواب. وللصراع الثقافى مستويات أخرى؛ صراع بين دعاة تبنى قيم عصرية تحض على الحرية والمساواة وقبول الآخر وبين الباحثين عن إنقاذ ما يرونه الهوية الأصلية للبيض والمتمسكين بفهم تقليدى للقيم الدينية المسيحية، صراع بين دعاة الانصهار فى مجتمعات غربية تذوب بها القوميات واللغات ويتضامن بها الأغنياء مع الفقراء وبين القوميين المدافعين عن المشاعر الوطنية والمطالبين بالحفاظ على النقاء العرقى للبيض فى الغرب.
تفسر حقيقة أن ناخبى اليمين المتطرف يرون السياسة كمجال لصراع ثقافى يؤيدون به من يرفع لافتات إغلاق الأبواب والدفاع عن النقاء العرقى والهوية الأصلية للمجتمعات الغربية، تفسر هذه الحقيقة محدودية اهتمام ناخبى اليمين المتطرف بالبرامج السياسية للحركات والأحزاب التى تمثلهم كحركة ترامب داخل الحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة الأمريكية وكالجبهة الوطنية الفرنسية وحزب البديل لألمانيا وحزب ديمقراطيى السويد والأحزاب اليمينية فى إيطاليا. فالتورط فى الصراع الثقافى لا يستدعى صياغة برامج سياسات محددة بشأن الضرائب وسوق العمل والرعاية الاجتماعية، ولا يستلزم التميز فى الأطروحات الانتخابية عن المقولات البسيطة التى يتداولها الناس حول وجود الأجانب واللاجئين. المطلوب فقط هو رفع اللافتات المناسبة والقرع المستمر لطبول جمود وفساد النخب التقليدية، والخوف من الغرباء على الهويات الأصلية والقيم التقليدية.
بل ويزداد الأمر خطورة على المجتمعات الغربية، حين تتحرك بعض هوامش اليمين الشعبوى باتجاه التطرف والعنف. خلال العقدين الماضيين، تزايدت جرائم مجموعات العنصريين وكارهى الأجانب فى الولايات المتحدة وأوروبا. صار صعود اليمين المتطرف بشعارات عنصرية وشعبوية وبخطاب كراهية ضد الأجانب ومواقف رافضة للهجرة واللجوء يجمع كل مجتمعات الغرب، ولم يعد من قبيل المبالغة الدفع بتشابه موجة اليمين المتطرف الراهنة فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مع موجة الفاشية التى اجتاحت الحواضر الغربية فى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ورتبت صراعات سياسية حادة وحروبا أهلية دامية وحربا عالمية شهدت غير المسبوق من الفظائع.
• • •
ذلك هو السياق المجتمعى والثقافى والسياسى لليمين المتطرف فى الغرب الأمريكى والأوروبى المعاصر، وتلك هى مسبباته التى لن تزول قريبا.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات