قابل للكسر - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قابل للكسر

نشر فى : السبت 9 أكتوبر 2021 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 9 أكتوبر 2021 - 7:25 م

يحدث من وقت لآخر أن يأتى ما يذكرنا بمدى هشاشتنا جميعا. منذ بداية الجائحة قبل عامين بقليل تحولت صفحات التواصل الاجتماعى إلى ورقة نعوة تتكرر فحواها مع تغيير الأسماء، ووجدنا أنفسنا نكرر تلقائيا صيغ العزاء بتصرف من فقيد لآخر: الله يرحمه، مع إضافة ويصبركم فى بعض الأحيان، ألف رحمة ونور، البقية فى حياتك... وفى الواقع نحن لا نعلم إن كان سيكون فيها بقية، وهذا طبيعى، لكننا بدأنا نتعامل مع الموت على أنه جزء من الحياة أكثر من أى وقت مضى. فهمنا أننا مجرد صناديق كئوس زجاجية مكتوب عليها بالخط الأحمر على سبيل التحذير «قابل للكسر». وعندما ننسى ويسهو عن بالنا كون حضارتنا هشة يأتى من يدق ناقوس الخطر ويطلق صافرات الإنذار، مثلما حدث الأسبوع الماضى مع تعطل مواقع فيسبوك وماسنجر وإنستجرام وواتساب وخلل تقنى لم نقف جميعا على تفاصيله، لكنه حدث وعرض مملكة مارك زوكربيرج للخسارة وشبح الانهيار. ويكون المعنى مرة أخرى أن هذا الشاب الذكى الذى صار بيليونيرا خلال فترة قصيرة والذى تضاعفت أرباحه بسبب أزمة الكورونا، فكان ضمن المستفيدين القلائل منها، وجوده أيضا هش. ومن الواضح أن مصدر قوته أصبح ما يهدد وجوده ومصالحه.
•••
وصل عدد مشتركى الفيسبوك فى مارس الماضى إلى 1,9 مليار شخص، أى ربع سكان الكرة الأرضية، هذا بالإضافة إلى 3,45 مليار شخص يستخدمون الماسنجر والواتساب والإنستجرام بشكل منتظم، كما شهد حجم أعمال الشركة التى يديرها زوكربيرج زيادة بنسبة 48% خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة، مقارنة بالعام الماضى، وصار يحصد 26 مليار دولار كل ثلاثة أشهر، محققا فى كل مرة أرباحا تفوق التسعة مليارات، معتمدا إلى حد كبير على إيرادات الإعلانات التى رفع سعرها مؤخرا بمعدل 30% على الفيسبوك. وعلى هذا النحو سيطر زوكربيرج مع موقع جوجل على سوق الإعلانات الرقمية فى العالم. امتلاكه للعديد من المعلومات والمعطيات التى تخص المشتركين فى تطبيقاته، وتغييره لنظام اللوغاريتمات المتبع من قبل شركته فى 2018 والذى يعتبره سر من الأسرار الحربية، واحتكاره لمساحات كاملة من حياتنا الافتراضية، جعل البعض يرى فيه خطرا بالغا. وهذا ما يفسر حجم الاتهامات الموجهة إليه فى الفترة الأخيرة من تحريض مواقعه على الكراهية إلى تلاعبه بالأرقام والبيانات وتقديمها بشكل مغلوط إلى محاولات توجيه الرأى العام فى اتجاه معين خلال الانتخابات الأمريكية وضلوعه بطريقة ما فى عملية اقتحام البيت الأبيض من قبل أنصار ترامب على هذا النحو الغريب الذى شهدناه.
شنت صحيفة الوول ستريت جورنال حملة مكثفة ضده، مستندة إلى أقوال وتسريبات واحدة من معاونيه السابقين، وتزامنا مع ذلك أعلن أعضاء الكونجرس من الجمهوريين والديمقراطيين ــ وهم نادرا ما يجتمعون على شيء ــ رفضهم لممارساته ورغبتهم فى فرض المزيد من الضوابط على مواقعه، وهو ما اعتبره بعض المراقبين دليلا على بداية سقوط إله من آلهة الإنترنت أو إيذانا بأفول مارك زوكربيرج الذى لا يستمع سوى لنفسه كما يصفونه، ما جعلنا نتساءل هل ستحدث أمور فى الكواليس ويتفق الكبار؟ أم سنحرر قريبا ورقة النعوة الخاصة بالفيسبوك؟ مساحة أخرى هشة نكتشفها فى حياتنا التى صارت حرفيا معلقة بخيط رفيع أو سابحة فى الهواء، فكل هذه التقنيات الحديثة، موضع فخرنا، تجعلنا أكثر هشاشة. نعتمد على شبكات معقدة وحساسة، مشدودة كالأوتار، ذرة رمل كفيلة أن تحدث اضطرابا فى الأنظمة القائمة فتسقط فجأة وتنقطع الخدمة، ونجد أنفسنا فى حيص بيص وقد أصبنا بشلل تام، وكلما طال الوقت الذى لا نعرف فيه كيف نتصرف، كلما ازدادت خسائرنا، فحسابات الوقت فى العالم الرقمى لا ترحم ولا تغتفر.
•••
تمحو الأمطار خطى البشر. وحين نقف على أنقاض حضارة ما أو بعض المبانى التى تبقت منها نتقبل أكثر حقيقة أن كل الأشياء تتقادم وتسقط، فما تحمله الأطلال من معان لا تخلو من شاعرية تجسد انهيارا وهشاشة جماعية. نقول هم السابقون ونحن اللاحقون، فبسبب فيروس لا يمكن رؤيته إلا بالمجهر وجد مائة مليون شخص حول العالم أنفسهم ينضمون لمن يعيشون فى فقر مدقع مع بداية الأزمة الصحية العام الماضى، وبالمقابل تتركز بين يدى 26 فردا ثروات تتعدى ما يملكه نصف سكان الأرض. نحاول أن نطفو جميعا على سطح الماء، البعض بواسطة يخوت فاخرة والبعض يحاول التشبث بأجزاء المركب المتناثرة التى حطمتها الأمواج.

التعليقات