هل نترك مشاكلنا على الأرض ونتجه للفضاء؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
الإثنين 2 ديسمبر 2024 4:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نترك مشاكلنا على الأرض ونتجه للفضاء؟

نشر فى : السبت 11 فبراير 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 11 فبراير 2023 - 9:25 م

عندما نتكلم عن الفضاء الخارجى نتوقع ردين أحدهما ساخر والآخر غاضب، الرد الساخر سيكون عن شركة الفضاء الخارجى ومشاهدها الكوميدية بين إسماعيل ياسين وتوفيق الدقن من فيلم المجانين فى نعيم، أما الرد الغاضب فسيكون «وهل فرغنا من مشاكلنا على الأرض حتى نتجه للفضاء» أو «يا عم إحنا فى إيه ولا فى إيه» إلخ. فى هذا المقال أود أن أشارك القارئ الكريم مناقشة هذه النقطة: هل علوم الفضاء مهمة؟ ولماذا؟ وهل هى رفاهية علمية للدول المتقدمة فقط؟ أم تستطيع الدول النامية الاستفادة منها؟
أول نقطة فاصلة فى استكشاف الفضاء حدثت فى الرابع من أكتوبر سنة 1957 حينما أطلق الاتحاد السوفيتى القمر الاصطناعى سبوتنيك ليدور حول الأرض دورة كاملة كل 96 دقيقة، وبعد شهر خطا الاتحاد السوفيتى خطوة أخرى وهى ارسال كائن حى حول الأرض وهى الكلبة لايكا، وحيث إن كل هذا حدث أثناء الحرب الباردة فقد كان لزاما على الولايات المتحدة الأمريكية أن ترد وكان إنشاء وكالة ناسا سنة 1958، ثم رد الاتحاد السوفيتى بإرسال أول بشرى حول الأرض وهو يورى جاجارين، ثم ردت أمريكا سنة 1969 بإرسال بشر على سطح القمر وهو نيل أرمسترونج، ثم انطلقت أمريكا بسرعة فى مشروعها لارتياد الفضاء والذى امتد حتى الآن بإنزال مركبات لكن دون كائنات حية على كوكب المريخ. لا يخفى على القارئ الكريم أن كل تلك المشاريع تتكلف مليارات من الدولارات ناهيك عن المليارات الضائعة فى المحاولات غير الناجحة، فلماذا كل تلك الأموال الطائلة؟
أولا: الإنسان مدفوع بفضول علمى لاستكشاف المجهول منذ فجر التاريخ والفضاء من المناطق التى ظلت مجهولة حتى وقت قريب من عمر البشرية، ثانيا: مجموعتنا الشمسية مليئة بالمذنبات والشهب بعضها صغير وبالتالى غير ضار والآخر كبير وإذا اصطدم بالأرض فقد يؤدى إلى كوارث والوسيلة الوحيدة لتفادى ذلك هو تشتيت تلك الكويكبات وتغيير اتجاهها بعيدا عن الأرض وهذا يستلزم أقمارا صناعية مجهزة ومركبات فضائية معدة لذلك، ثالثا: هناك سبب قد يكون بعيدا لكنه يظهر فى العديد من أفلام الخيال العلمى وهو البحث عن أماكن أخرى قد تصلح لحياة البشر إذا ما أصبح كوكب الأرض غير صالح إما نتيجة الحروب أو التلوث أو كوارث خارجية، رابعا: استكشاف وتحليل الكويكبات والشهب والكواكب قد تساعد على استخراج بعض المواد الخام المفيدة والتى لا ينضب معينها مثل التى على الأرض وأمثلة على ذلك الشركة الناشئة استروفورج (AstroForge)، وأخيرا وليس آخرا استكشاف الفضاء مشروع فى منتهى الصعوبة ويستلزم تطوير تكنولوجيات جديدة وهذه التكنولوجيات تفيد البشر على الأرض أيضا فيما بعد.
هناك الكثير من اختراعات ظهرت من استكشاف الفضاء مثل الجى بى اس (GPS) الذى لا نستغنى عنه الآن فى تحديد الطريق ونحن نقود السيارة وزيادة الدقة فى التنبؤ بالأحوال الجوية وسماعات الأذن اللاسلكية والطعام المجفف والملابس المضادة للحريق التى يستخدمها رجال إطفاء الآن والخلايا الشمسية والعدسات المقاومة للخدش، بل إن مضخة الأنسولين التى يستخدمها الكثيرون ظهرت من تكنولوجيا كانت تستخدم فى الرحلات الفضائية، هذا بالإضافة إلى بعض الأبحاث الطبية التى تجرى فى البيئة الفضائية وقد تؤدى إلى اكتشاف لعلاجات لبعض الأمراض المستعصية وهذه التجارب لا يمكن إجراؤها على الأرض. هذه القائمة هى على سبيل المثال لا الحصر والعائد من كل تلك الاختراعات يعوض الكثير مما تم دفعه فى مشروعات ارتياد الفضاء ناهيك عن الفوائد الأخرى الحربية والمتعلقة بالتجسس.
عندنا فى مصر تم إنشاء وكالة الفضاء المصرية سنة 2018 وهى خطوة مهمة، أعتقد أن الخطوة الأولى هى استيعاب تلك التكنولوجيا وتطبيقاتها ويمكن تقسيم ذلك إلى عدة أنواع، تكنولوجيا ستفيدنا فى الوقت الراهن وعلينا أن نحاول امتلاكها بالتعاون مع الدول الكبرى مثل الصين أو أمريكا أو اليابان إلخ، تكنولوجيا يجب أن نحتاط منها فعلينا استيعابها وتطويرها عندنا ما أمكن لأن الدول الكبرى لن تعطينا أسرارها، وتكنولوجيا لن نحتاجها فى المدى القصير أو المتوسط فعلينا أن نعلم بوجودها وأهميتها حتى نستفيد منها فى المستقبل حينما تحين الفرصة. كل هذا يستلزم الاهتمام الكبير بالتعليم والجامعى والدراسات العليا ليس فى مجال الطيران فقط، ولكن أيضا فى مجالات الاتصالات والالكترونيات والحاسبات والكيمياء والفيزياء والطب، بل والاقتصاد أيضا، كما قلنا مرارا من قبل: لا توجد حوائط بين العلوم المختلفة، ومشاكل الأرض قد يكون حلها فى الفضاء.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات