الجيش والديمقراطية والسياسة فى تركيا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجيش والديمقراطية والسياسة فى تركيا

نشر فى : الأحد 11 سبتمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 11 سبتمبر 2016 - 9:30 م
نشر موقع الفكر العربى مقالا لخورشيد دلّى يتحدث فيه عن العلاقة بين العسكر والسياسة فى تركيا، باعتبارها علاقة عضوية نشأت حتّى قبل تأسيس الجمهورية التركية عام 1923. يقول دلّى إن الانقلاب العسكرى الأوّل جرى عام 1908 عندما خَلَع ضبّاط «جمعية الاتّحاد والترقّى» السلطان عبدالحميد الثانى، وزجّوا البلاد فى الحرب العالمية الأولى؛ إلّا أنّ علاقة العسكر بالسياسة توطّدت واتّخذت شكلها الدستورى فى عام 1924، عندما وَضَع مؤسِّس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك معادلة فى أوّل دستور للجمهورية، مفادها: «الجيش يَحمى الدستور، والدستور يَحمى الجيش»، وأصبحت هذه المعادلة ثابتة فى الدساتير التى وضعها الجيش، وتجلَّت بشكلٍ كبير فى دستور عام 1982 عقب الانقلاب العسكرى الذى قاده الجنرال كنعان إيفرين عام 1980.

ثمّة قناعة فى عقيدة المؤسّسة العسكرية التركية، أنّ الجيش هو الأب الحقيقى والشرعى للدستور، ففى دستور عام 1982 أكثر من مائة مادّةٍ وبَنْدٍ تُشير إلى دَور الجيش فى الحياة العامّة للبلاد، لعلّ أهمّها وأخطرها المادّة 35 التى كانت تقول: «إنّ وظيفة القوّات المُسلَّحة هى حماية الوطن ومبادئ الجمهورية التركية». وقد شكّلت هذه المادّة المدخل القانونى الذى اعتمده الجيش فى الانقلابات العسكرية السابقة التى قام بها (1960 – 1971 – 1980 – والانقلاب الأبيض ضدّ نجم الدين أربكان عام 1997 – وصولا إلى الانقلاب العسكرى الفاشل منتصف تموز/ يوليو الماضى)، مع أنّه تمّ تعديل هذه المادّة فى عام 2010، بحيث أصبحت وظيفة الجيش هى حماية البلاد وليست التدخّل فى الحياة العامّة تحت بَنْد الحفاظ على مبادئ الجمهورية التركية.

ثمّة اعتقاد بأنّ طبيعة عقيدة الجيش التركى هذه تعود إلى مجموعة من الأسباب والعوامل، لعلّ أهمّها:

1. إنّ عقيدة المؤسّسة العسكرية التركية نشأَت على أساس أنّها ضدّ التعدّد القومى (الكردى) والهويّة الدينية (الإسلام)، على الرّغم من تجذّر الأخيرة فى حياة البلاد وهويّتها. وعليه، ظلّ الجيش بالمرصاد لهذَيْن الأمرَيْن طوال العقود الماضية، وقد تجسَّد ذلك فى سلسلة الانقلابات العسكرية السابقة، والتى كانت تحصل عادة فى ذروة صعود البُعدَيْن السابقَيْن إلى سدّة المشهد السياسى التركى.

2. إنّ الجيش التركى، وانطلاقا من موقعه الذى كان يُدير منه البلاد من خَلف الستار، ظلّ فى عزلة عن الحياة العامّة والمجتمع، وقد ترتّب عن هذه العزلة ذهنية مُغلقة حملت معها على الدّوام هاجس الانقلاب على مَن يودّ الحدّ من دوره فى الحياة العامّة وفى صدامٍ مع الحراك المدنى والحزبى.

3. إنّ جهود المجتمع المدنى السابقة فشلت فى تغيير ذهنية الجيش وعقيدته، إذ إنّ جميع الجهود التى بُذلت فى هذا الصدد، لم تَنَلْ من عقيدته.

حزب العدالة والجيش

ثمّة عوامل داخلية وخارجية خدَمت حزب العدالة والتنمية فى وصوله إلى السلطة عام 2002، ومن ثمّ سعيه الحثيث إلى إعادة هَيْكَلة المؤسّسة العسكرية التركية فى إطار رؤية رجب طيّب أردوغان لتركيا المستقبل. ويؤكد الكاتب أنه إذا كان حزب العدالة والتنمية استفاد من قواعد اللّعبة الديمقراطية والتحوّلات الاجتماعية فى الداخل التركى للوصول إلى السلطة، فإنّه نَجَح بشكلٍ كبير فى تحويل خطواته التكتيكية إلى استراتيجيةٍ أوصلته إلى سدّة الرئاسات الثلاث (الجمهورية – البرلمان – الحكومة) ليبدأ حملة تغييرات وإصلاحات نَجحت تدريجيا فى تقويض دَور الجيش وإبعاده عن الحياة العامّة للبلاد. ولعلّ ما ساعد أردوغان على تحقيق هدفه هذا، جملة من العوامل، أهمّها وفقا لدلّى:

1. أنّ حزب العدالة والتنمية طرح نفسه حزبا ديمقراطيا مُحافظا، يستطيع التوفيق بين الإسلام والعلمانية والاقتصاد، وهو ما أثار دعم الغرب له بوصفه يشكّل نموذجا إسلاميا مَرِنا قادرا على ضبط معادلة القوى السياسية فى المنطقة عقب أحداث الحادى عشر من أيلول/ سبتمبر، قبل أن يكتشف الجميع حقيقة البُعد الأيديولوجى لحزب العدالة والتنمية، كإطار أيديولوجى يمثّل الإخوان المسلمين فى المنطقة.

2. إنّ عملية تفكيك قبضة المؤسّسة العسكرية عن الحياة العامّة فى تركيا اتّخذت شكل الإصلاحيّات المطلوبة لبدء مفاوضات الانضمام إلى العضوية الأوروبية على أساس تحقيق معايير كوبنهاجن، ولذلك لم يستطع الجيش المجاهرة برفض هذه الإصلاحات ولو على حساب دوره التاريخى.

3. إنّ خطوات أردوغان اتّخذت الآليات الدستورية والقانونية المُتاحة، وبشكلٍ تدريجى، وهى ركّزت على إعادة هَيْكَلَة المؤسّسة العسكرية وفق أُطرٍ دستورية وتشريعية، وبعد نجاحه فى إخراج مجلس الشورى العسكرى الأعلى من قبضة الجيش لصالح الحكومة المدنية، وإبطال المفعول الإلزامى لقراراته وجَعْلها من اختصاص الحكومة، ركَّز على إخراج الجيش من الدستور عبر إلغاء البنود والمواد التى كانت تُعطيه صلاحيات واسعة. وقد نَجح فى النهاية عبر هذه الاستراتيجية ليس فى إخراج الجيش من الدستور، بل وفى وَضْع العسكر خلف القضبان فى مشهدٍ غير مألوف فى التاريخ التركى. وبذلك انتهت تلك المعادلة التاريخية التى كانت تقول إنّ الدستور يحمى الجيش والجيش يحمى الدستور.

مخاطر ما بعد الانقلاب الفاشل

انتقل الكاتب بعد ذلك ليتناول المخاطر المقدرة بعد الانقلاب. يقول إذا كانت لكلّ ديمقراطية محاسنها وعيوبها. فى التجربة العملية لممارسة الديمقراطية فى تركيا، برَزت تجربة صندوق الاقتراع كمدخلٍ للوصول إلى السلطة والانتقال السياسى، لكنّ الوقائع أَثبتت أنّ هذا المدخل وحده غير كافٍ كى تكون ممارسة الحُكم ديمقراطية، وبخاصّة لجهة المفاهيم. ولعلّ الكثير من تجارب الحُكم التى جاءت عبر صناديق الاقتراع انتهت إلى أنظمة شمولية ودكتاتورية، لأنّها ابتعدت عن ممارسة الديمقراطية. فمهما كانت نتائج صناديق الاقتراع، لا ينبغى أن يتحوّل الحُكم الديمقراطى إلى حُكم نظامِ الحزب الواحد والرجل الواحد الذى يعتقد أنّه مصدر كلّ السلطات، وأنّ على الجميع أن يشتقّ منه القرار.

تركيا وبعد فشل الانقلاب العسكرى الأخير تبدو أمام مشهدٍ خَطر جدّا؛ فمشروع التوفيق بين الديمقراطية والإسلام والاقتصاد لم يَعُد قائما، والحركة العامّة تسير نحو تكريس سلطة الرجل الواحد الذى يقوّض شرعية الدولة والمؤسّسة لصالح تكريس سلطة الفرد والحزب الحاكم. حملة الاعتقالات والإقالات والإقصاء طالت مختلف المؤسّسات العسكرية والأمنية والحركات والأحزاب والجامعات والقضاء والتعليم بل حتّى الحزب الحاكم نفسه. وكلّ ما يجرى يتمّ فى ظلّ حالة الطوارئ وقوّة قانون الطوارئ، وما يجرى أيضا يُسخَّر لصالح الحزب وسلطة الرئيس بعيدا عن البرلمان والأحزاب المنضوية فيه. وهكذا تُصبح عملية إعادة هيكلة الدولة ومؤسّساتها، وكأنّها عملية مُسخَّرة لصالح المشروع السياسى للحزب الحاكم وليس للدولة نفسها. وفى الحديث عن تطوّر العملية الديمقراطية والسياسية فى تركيا، لا يمكن النّظر إليها بعيدا عن المسار الأوروبى الذى كان على الدوام اختبارا للعملية الديمقراطية وتطوّرها. وعليه، فإنّ شكل إعادة الهَيْكَلة الجارية تبدو وكأنّها تسير بعكس العملية الديمقراطية.

ويختتم الكاتب قائلا أن ما يجرى فى تركيا اليوم يتجاوز كيفية التعاطى مع الانقلابيّين، ويصل إلى الإقرار بموت (النموذج) الذى بشّر به، ومن شأن موت هذا النموذج دخول تركيا مرحلة شديدة الخطورة، لعلّ من أوّل ملامحها الانقسام الكامل بين مجتمعٍ تعدّدى يُريد التغيير، وسلطة تتّجه نحو الشمولية. ولعلّ ما يثير الانتباه أيضا هو أنّ تركيا فى مرحلة ما بعد الانقلاب الفاشل تبدو مشدودة إلى روسيا وإيران وليس إلى أوروبا وأمريكا اللّتَين شكّلت العلاقة بهما مسارا للإصلاحات الديمقراطية طوال العقود الماضية.
التعليقات