لماذا نخطئ عمدا ثم نندم على ما فعلنا؟ - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا نخطئ عمدا ثم نندم على ما فعلنا؟

نشر فى : الأربعاء 12 أكتوبر 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 أكتوبر 2022 - 8:10 م

نشرت مجلة The Atlantic مقالا للكاتب آرثر بروكس، شرح فيه لماذا عندما نرتكب الخطايا بشكل عمدى، نتوجه إلى الله لطلب المغفرة ثم لا نتورع أن نرتكب نفس الأخطاء مرة أخرى؟. الكاتب يرى أن السير وراء غرائزنا مثل إدمان حبنا للأشياء المادية، واستغلال الناس لتحقيق مصالحنا، هما ما يجعلانا نقع فى الحزن والندم. ومن ثم، علينا أن نفعل العكس، بمعنى أن نحاول تغيير غرض غرائزنا، مثلا أن ندمن الأشياء المادية بقصد إسعاد الآخرين وإظهار مدى حبنا لهم. هنا سنحصل على السعادة المنشودة ولن نشعر بالندم.. نعرض من المقال ما يلى.
«لقد أخطأنا عمدًا».. هذا هو مضمون صلاة ملايين اليهود فى جميع أنحاء العالم فى يوم كيبور فيدوى، أو يوم الغفران.
قبل أسبوعين، احتفل اليهود بهذا اليوم للاعتراف بالخطيئة وهو عقيدة أساسية يهودية (كما هو الحال فى العديد من الأديان). وبالنسبة لجميع الناس، اليهود وغير اليهود على حد سواء، تكشف هذه الصلاة عن واحدة من أعظم الألغاز فى السلوك البشرى وهى (نحن نرتكب طواعية تجاوزات نأسف عليها حقًا، وهى حتى لا تفيدنا)!.
عندما يحتفل اليهود بيوم الغفران، بالتأكيد يقول كل يهودى ويهودية «أنا آسف على الذنوب التى ارتكبتها هذا العام. لكنى ما زلت راضيا وأضحك عندما أفكر فى الأكاذيب التى قلتها والأشخاص الذين آذيتهم، واشتهاء ما لدى الغير، لأن هذا هو الأفضل!».
طبعا، يبدو هذا وكأنه خلل، فكيف نعتقد أننا سنكون سعداء إذا ارتكبنا أفعالًا معينة!. كيف يكون لدينا شعور بأنه إذا فعلنا ما نشعر به فإن هذا سيجعلنا سعداء.
• • •
نسمع باستمرار عن بلاء الإدمان فى مجتمعنا، عن مخاطر المواد الأفيونية والكحول والقمار وحتى الإنترنت. ولكن يمكن القول إن أكثر أنواع إدماننا انتشارًا هو الإدمان المادى ــ الغريزة البشرية التى لا تتوقف عن التوق للمزيد من الأشياء ــ أو كما يقول المثل «عيون الإنسان لن تشبع». هذا الحب الجنونى للأشياء ــ مثل المقارنة الاجتماعية والحسد الخبيث والنزعة الاستهلاكية ــ يولد البؤس. نفس الأمر عندما نستغل الأشخاص بانتظام لتحقيق مكاسب شخصية، فغالبًا ما ننمى تحالفات وثيقة لمجرد تعزيز مصالحنا.
حب الأشياء هو نوع من عبادة الأصنام. كما أن استغلال الناس هو أن نضع أنفسنا فى مركز الكون. يخلق هذا المزيج مشكلة ثالثة ربما تكون الأعظم على الإطلاق. بكلمات أخرى، قال المؤلف الراحل ديفيد فوستر والاس فى خطابه فى حفل التخرج عام 2005 فى كلية كينيون: «لا يوجد شىء اسمه عدم العبادة. الجميع يعبد. الخيار الوحيد الذى نقوم به هو ماذا نعبد». نستنتج من ذلك أن المادية والتركيز على الذات هما شكلان من أشكال العبادة المضطربة، وليس من المحتمل أن يؤدى أى منهما إلى تحسين حياتنا وشعورنا بالسعادة.
قد نجد أنه من المحبط أن دوافعنا الطبيعية تقودنا فى كثير من الأحيان إلى التعاسة، وغرائزنا الحيوانية توجهنا مباشرة إلى غياهب البؤس والأذى للآخرين. ولكن إذا اعتقدنا أننا مخلوقون لعبادة الله، يمكننا من خلال تأجيج الشعور الدينى فى الداخل، أن نتحدى غرائزنا ونخلق بأنفسنا مسارًا أفضل نتبعه بوعى.
بعبارة أخرى، يمكننا بجهد وبقدر من الإرشاد الدينى أن نجد صيغة أفضل للعيش، أن نتعلم العيش وفقًا لمبادئنا بدلا من غرائزنا، وهنا يمكننا تحقيق تقدم أخلاقى حقيقى وزيادة رفاهيتنا.
• • •
هناك شعور معين بعدم الجدوى فى الحياة، ونظل نأمل طوال عمرنا فى السعادة، وبدلا من ذلك نجد الحزن. وبما أننا اتفقنا أن هناك مصدرين لتعاستنا فى الحياة وهما؛ إدمان الأشياء المادية، واستغلال الأشخاص، فهناك طريقة للخروج من هذه الحالة من خلال تغيير صيغة العبارتين السابقتين لتصبحا: استخدام الأشياء المادية للحصول على محبة الناس. ومن هنا، قد نجد سعادتنا.
هذا الاقتراح لا يدعو إلى الزهد أو التخلى عن المتع المادية فى العالم، أو أن يكون الفقر هو هدفنا، لكن الغرض هو وضع الأشياء فى نصابها الصحيح. على سبيل المثال، كان هناك شخص كبير فى السن، قد جنى الكثير من المال، يقول دائمًا إنه لن يشترى منزلًا آخر أبدًا. وأوضح أن «مجرد شىء ضخم آخر يدعو للقلق». ولكن فى أحد الأيام، فعل ذلك بالضبط. وعندما سئل ما الذى غير رأيه، أوضح أنه يريد مكانًا جميلًا يجتمع فيه أولاده وأحفاده معًا فى السنين القادمة. إذن، لم يكن الهدف من الشراء هو إدمان الأشياء المادية (وفى حالتنا هذه هو المنزل) ــ بل تعزيز العلاقات داخل العائلة.
بناء عليه، يكون الدرس هو: أن نستخدم ثرواتنا فى تحقيق سعادتنا، دون الشعور بالذنب أو الخجل من كثرة مواردنا. لكن علينا أن نستخدمها فى خدمة الآخرين والتعبير عن مدى حبنا لهم. بعبارة أخرى، بعيدًا عن احتياجاتنا المادية، علينا استثمارها مع أحبائنا، فى دعم الناس، فى التعرف على الآخرين بعمق، فى إغداق المال، أن نخبر المزيد من الأشخاص أننا نحبهم، حتى عندما يكون الأمر محرجًا أو مخيفًا بعض الشىء.
عندما نتوقف عن الوقوع فريسة لعبادة الأصنام المادية أو التركيز المفرط على الذات، سنجد أن عبادتنا يمكن أن تنتقل بحق من أنفسنا إلى شىء أكثر قيمة. وهذا موضوع حساس، بالتأكيد. مثلا عندما نقول أننا «نعبدالله» ــ رغم أننا قد نختلف حول الإيمان وغموضه ــ يجب أن نتأمل بأنفسنا ما تعنيه العبادة، فى ضوء معتقداتنا. هل هو اتباع قوانين آبائنا وأجدادنا بروح من الاحترام والتقاليد، حتى عندما تكون غير ملائمة؟ هل هى العودة إلى أوقات الصلاة وقراءة الكتب المقدسة ربما لأول مرة منذ زمن طويل؟ هل هو الحديث عن الإيمان والتقاليد مع أطفالنا الذين قد يجدونها غريبة؟ هل هو فى تبنى الطقوس والرموز التى تذكرنا بمن نحن وماذا نقدر عليه؟. إذن، ليبحث كل واحد منا عن طريقته الخاصة ولنجعلها فرصة.
• • •
كلمة أخيرة، سواء كفرنا عن ذنوبنا أم لا، إذا نفذنا العلاقة الصحيحة التى من المفترض أن تربطنا مع الناس والأشياء بدءًا من الآن، فإننا سنحقق ــ مزيدًا من الفرح وأقل قدر من الندم ــ عندما يأتى وقت طلب المغفرة من الله فى المرة القادمة.

التعليقات