عن الحوار السياسى - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الحوار السياسى

نشر فى : السبت 14 مايو 2022 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 14 مايو 2022 - 8:40 م
حركت دعوة رئيس الجمهورية لإجراء حوار سياسى فى مصر المياه الراكدة فى بِركَةِ الحياة السياسية المصرية. وما هى إلا أيام معدودات حتى بدأ الحوار بالفعل. الحوار الجارى، الذى يمكن وصفه بالتمهيدى، هو ذاته حوار سياسى. نتناول فى هذا المقال مفهوم الحوار السياسى ثم فكرة إجرائه فى مصر ومسبباتها، وبعدهما نركز على أطراف الحوار السياسى ومضمونه وإجراءاته. الهدف من المقال هو طرح أفكار بشأن تشكيل الحوار بغية إنجاحه.
• • •
فى طبيعة النظم السياسية أن يجرى فيها الحوار. فى النظم الديمقراطية الليبرالية، يجرى الحوار بدرجة كبيرة جدا على الملأ ويعرف بمضمونه جميع المواطنين، كل على قدر اهتمامه وإلمامه بقضاياه. فى هذه النظم، للحوار مؤسساته، وأولها السلطة التشريعية، أى البرلمان، الذى تمثل فيه القوى السياسية الرئيسية المتشكلة فى أحزابها، تعبر كل منها عن رؤيتها للشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية، والمجتمعية عموما. فى هذا البرلمان تضطر السلطة التنفيذية إلى أن تفسر سياساتها وأن تكشف عن أوراقها، وأهمها كيفية اتخاذها لقراراتها. هذا هو سبيل الحوار السياسى ولكنه لا يتوقف عنده بل هو يمتد إلى مقارعة الآراء فى المجالس الاقتصادية والاجتماعية وفى النقابات المهنية، وهو يشمل ما يسمى بالحوار الاجتماعى بين نقابات العمال والمنظمات الممثلة لأصحاب العمل. لأن الحوار الاجتماعى هو بشأن شروط العمل وظروفه، فهو فى جوهره حوار سياسى. أليست السياسة فى تعريفها الأوسع عملية لتوزيع القيم؟ والتعبير عن الآراء والتعليق على السياسات ونقدها وتقديم الاقتراحات فى الصحافة وغيرها من وسائط الاتصال هو شرط لا يستقيم حوار سياسى من غيره. الميزة فى النظم الديمقراطية الليبرالية هو تعدد قنوات الحوار واتساعها، من جهة، وتعدد المشاركين فيه، من جهة أخرى. ليس المقصود هنا الإيحاء بأن الحوار فى هذه النظم قد حل كل مشاكلها ولكنه بيان سبلها للحوار الرامى، نظريا على الأقل، إلى تحقيق استدامتها والتوازن بين القوى السياسية فى كل منها.
فى النظم السلطوية أيضا تجرى الحوارات، ولكنها حوارات غير علنية عموما. استدامة هذه النظم يمكن أن تكون المعيار الذى يجوز من خلاله التعرف على ما إذا كان الحوار داخلها واسع ومتعدد الأطراف بما فيه الكفاية أم لا. فى الاتحاد السوفيتى كان يوجد حوار ولكنه فى داخل الحزب الشيوعى وحده، قنواته ضيقة وأطرافه المستبعد منهم أكثر من المشارك فيها. استدعى تحقيق التوازن فى النظام السياسى واستدامته ممارسة العنف المادى وليس المعنوى وحده، على عهد ستالين. فلما توقفت ممارسة العنف المادى ولكن من غير التوسع فى قنوات الحوار، ظل النظام قائما لبعض عقود على حس الإنجازات المتحققة فى ظل العنف المادى، ثم انتهى إلى الشيخوخة والسقوط. فى الصين، بعد وفاة ماوتسى تونج، ولدرء ما جرى للاتحاد السوفييتى بعد ذلك بعقد من الزمان، سارع الحزب الشيوعى الصينى إلى تطبيق برنامج التحديثات الأربعة وإلى فتح قنوات المشاركة الاقتصادية، فى الإنتاج والاستهلاك. اتخاذ القرار يمر عبر قنوات الحزب المركزية والإقليمية ومنها أيضا يبدأ تطبيقها. فى هذه القنوات وفى طريقة عملها غموض ولكنها لا بد واسعة بما فيه الكفاية لتحقيق النجاحات التنموية التى شهدتها الصين فى العقود الأربعة الماضية ولتأمين التوازن فى النظام السياسى الصينى واستدامته. بإيجاز لا توجد سياسة بدون حوار.
• • •
ولكن لماذا نشأت فكرة الحوار السياسى الآن؟ يكثر الحديث فى الحوار التمهيدى الجارى عن آثار الوباء العالمى، من جانب، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، من جانب آخر، على مصر والعالم أجمع كأسباب للدعوة للحوار. هذه ليست حجة كافية ولا هى مقنعة. لو كانت حجة كافية فالتساؤل يثور: لماذا لم تنطلق دعوة مشابهة للحوار فى أى من دول العالم المائة والاثنين والتسعين الأخرى المتأثرة مثل مصر بآثار الوباء وتداعيات الحرب الجارية؟ على ضوء العرض المختصر أعلاه، الأرجح هو أن هناك تقديرا بأن المؤسسات الموجودة، فى وضعها الحالى، لا يجرى فيها الحوار المنشود، وذلك بسبب طرائق عملها أو لغياب قوى ومناظير سياسية وجيهة عنها. التشخيص يسبق العلاج ويحدده. التشخيص السليم يكفل العلاج الشافى.
يجب الاتفاق أولا على المشاركين فى الحوار. يمكن توجيه الدعوة إلى نواة أولى تجتمع لتناقش وتقرر من هى القوى والتيارات السياسية والاجتماعية التى توجد حاجة إلى إضافتها كأطراف فى الحوار. تردد أنه لا يوجد أحد مستثنى من الحوار. هذه عبارة تحتاج إلى تفسير ولذلك فهى ينبغى أن تكون على رأس جدول أعمال الحوار التمهيدى. الخطوة الإجرائية التالية هى الاتفاق على قنوات الحوار التى تشكل مؤسسته المؤقتة، وهو ما يستدعى قبلها الاتفاق على الموضوعات التى سينصب عليها الحوار، ويدور النقاش، ويجرى تبادل الحجج.
بشأن موضوعات الحوار، أنت تجد بين المتحاورين تمهيديا من يقدرون أن الحوار ينبغى أن ينصب على السياسات. بعبارة أخرى، الحوار لا بد أن يدور حول الإجراءات التى ينبغى اتخاذها لمواجهة الأزمة الاقتصادية المترتبة على الحرب فى أوكرانيا ومن قبلها على الوباء العالمى. يشار كذلك كموضوع للحوار إلى الحد من الارتفاع الخطير فى معدل نمو السكان. ويتوسع البعض فيضيف إلى هذه الموضوعات الموقف من المواجهة بين روسيا، من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها، من جانب آخر. هذه موضوعات لا شك فى أهميتها، ولكن تناولها والاقتصار عليها سيجعل من الحوار حوارا اقتصاديا وسكانيا من جانب، وحوارا بشأن السياسة الخارجية من جانب آخر. مثل هذا الحوار هو حوار فنى بشأن مضمون السياسات، مع الإقرار بأن السياسة لا تغيب عن الحوار الفنى ذاته.
فى مقابل الرأى الذى يجعل من الحوار السياسى حوارا هو فى جوهره فنى، يوجد من ينطقون بعبارة «الإصلاح السياسى» ويعتبرون أنه المهمة الأولى للحوار السياسى. لذلك، فبعد تحديد الأطراف المنضمة إلى النواة الأولى للحوار السياسى عبر مؤسساته المؤقتة، سيكون على الحوار التمهيدى أن يحدد جدول أعمال الحوار. قبل السياسات يأتى «الإصلاح السياسى» على رأس جدول. فى جوهر الإصلاح السياسى، توجد عملية اتخاذ القرار وصنع السياسات. كيف يتخذ القرار وبأى شكل تصنع السياسات، من يشارك فى صنعها من أطراف المجتمعين السياسى والمدنى، كل بأداء الأدوار المنوطة به؟ الإصلاح السياسى يشمل أيضا كيف يصبح الحوار السياسى مستمرا فى قنواته الدستورية العادية الدائمة بحيث لا تنشأ فى المستقبل حاجة إلى الدعوة إلى حوارات سياسية غير عادية من خلال مؤسسات مؤقتة. هذا يستدعى تعزيز المؤسسات الدستورية العادية وتوسيعه قنواتها. أما السياسات فمنها السياسة الاقتصادية والسياسة الخارجية، الدولية منها والإقليمية، ولكن من بينها أيضا السياسات التشريعية، والسكانية، والعقارية، والتعليمية، والثقافية. لا بأس من تناول بعضها بشكل استثنائى فى الحوار السياسى، ولكن الأصل أن يترك مجمل هذه السياسات للنقاش والتحاور فى داخل المؤسسات الدائمة المعزَزَة والموسَعَة.
• • •
حتى يكون الحوار السياسى وطنيا فعلا ويؤدى إلى نشأة الدولة المدنية والديمقراطية الحقة، فعلى الحوار التمهيدى أن يشجع أطراف الحوار على أن يمثلها فى مؤسساته مواطنون أقباط على أعلى المستويات ليستفيد المجتمع من مشاركة كل الطاقات الكامنة فيه ومناظيرها بدون تفرقة فعلية بين المواطنين. وعلى الحوار التمهيدى أيضا أن يشدد على تمثيل النساء لأطراف الحوار على أعلى المستويات كذلك ليفوز بآراء نصف مكونات المجتمع وحكمتهن وليستطعن هن الدفاع عن أدوارهن وإثارة القضايا التى تهمهن. ومن الأهمية بمكان أن يتناول الحوار التمهيدى كذلك النظام الداخلى للحوار السياسى، أو بعبارة أخرى، القواعد الإجرائية له التى تكفل التكافؤ بين الأطراف المشاركة فيه سواء من حيث الأوقات المحددة لحديث كل منهم، وقواعد التقدم بالاقتراحات ومناقشتها، واتخاذ القرارات بشأنها.
غير أن بيئة الحوار السياسى ينبغى أن تكون مهيأة. إطلاق سراح كل من انقضت فترة حبسهم الاحتياطى وجميع من وجهت لهم اتهامات لا قرائن قوية عليها واجب. أما من صدرت فى حقهم أحكام فتنظر فى أوضاعهم لجنة العفو الرئاسية.
الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة تقع فى البيئة المحيطة بالنظام السياسى. مشاركتها الواسعة بنشر مواقف أطراف الحوار وبالتعليق عليها وبإبداء الآراء ضرورية لإنجاح الحوار.
يبقى التأكيد على الطبيعة المدنية للحوار السياسى وعلى أن تقتصر المشاركة فيه على الأطراف المدنية وحدها.
إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات