سبحان مغير الأحوال فى مذكرات سلماوى - سيد محمود - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سبحان مغير الأحوال فى مذكرات سلماوى

نشر فى : الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 - 8:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 - 8:15 م

يثير الجزء الثانى من مذكرات الكاتب محمد سلماوى التى صدرت مؤخرا عن دار الكرمة تحت عنوان (العصف والريحان) الكثير من التساؤلات عن الالية التى تعمل من خلالها بعض مؤسسات الدولة ونظرتها للمثقف.

وأهم ما تبرزه المذكرات من وجهة نظرى إيمان صاحبها بقيمة الأرشيف وأهميته، لأن معارفه العميقة المستمدة من لغات وثقافات متعددة مكنته من إدراك قيمة التاريخ، والنظر إلى (الذاكرة) الشخصية كأداة فاعلة فى بناء تصورات عن الماضى والحاضر.
ويقدم سلماوى فى مذكراته الممتعة حالة مثالية من حالات الوعى بالتاريخ وهى تمثل كذلك، عينة بحثية مثيرة لراغبى دراسة جدل العلاقة بين المثقف والسلطة فضلا عن المهتمين بدراسة السياسة الثقافية فى ٣٠ عاما كانت حافلة بالتحولات

وتغطى المذكرات فى الجزء الجديد لحظة الانتقال من زمن السادات إلى سنوات حكم الرئيس مبارك التى شهدت تغييرا فى موقع سلماوى من كاتب ناصرى دفع ثمن معارضته لسياسات السادات من خلال السجن والاعتقال إلى كاتب فاعل فى رسم وتكوين المشهد الثقافى والإعلامى لهذا العصر على الأقل بحكم المناصب التى تولاها ومنها رئاسته لتحرير جريدة الاهرام إبدو أو عبر انتخابه عضوا فى مجلس نقابة الصحفيين ثم رئيسا لاتحاد الكتاب فى مصر وهى مواقع أظهرت مهاراته الادارية المتميزة وقدراته غير العادية فى ادارة ملف الخدمات وهى مسائل صعبة لكنها لم تكن أبدا على حساب نشاطه الإبداعى الذى تواصل دون توقف.
اشتغل سلماوى بتقديم بناء سردى متماسك يعطى أهمية للحكاية قبل أى شىء آخر، لذلك تحررت المذكرات فى جزءيها من جفاف الكتابة التقريرية التى يتورط فيها أغلب كتاب السيرة الذاتية ممن كانوا يشغلون مواقع مهمة فى المجال العام

انتصر سلماوى للكتابة أكثر من أى شىء آخر واعتنى بتقديم حياته كلعبة فنية محاطة بروايات موثقة عن وقائع عاشها وتجارب انخرط فيها دون أن يجبر القارئ على تبنى وجهة نظره أو الاصطفاف معه فى معاركه، فما تقدمه المذكرات هى رؤية وشهادة من موقع فاعل ربما هو موقع الشاهد والشريك الذى امتلك وعى الاحتفاظ بما ينشط ذاكرته ويدعم روايته فى كل حدث خلافى.
ومن أبرز تلك الوقائع ما يذكره عن معاركه مع الرقابة لإجازة مسرحياته للعرض على مسارح الدولة وفى كل تلك المعارك كان يدافع عن حق المبدع وحريته فى النقد بل والاشتباك مع السلطة لتغيير نظرتها.
وتحفل المذكرات بالكثير والكثير الذى يمكن التوقف أمامه خاصة فى الصفحات التى يستعرض فيها تجربته فى العمل مع وزير الثقافة الشهير فاروق حسنى وتأكيده على أن الوزير كان يعمل باجتهاد فى ظل حكومة منقسمة وحزب حاكم لم يكن معنيا اصلا بالثقافة ولا يوجد فى برامجه ما يشير إلى أهمية وجود سياسة ثقافية فى بلد تبدو فيها الثقافة وكأنها (مغارة على بابا) التى تحوى الياقوت والذهب والمرجان والصفيح ايضا.

ومن المثير للأسى ان الكاتب لم يجد فى أرشيف وزارة الثقافة ورقة السياسة الثقافية التى شارك فى إعدادها وصياغتها خلال العام الأول لوزارة فاروق حسنى التى جاءت على أسنة الرماح.
فشل سلماوى فى العثور على الوثيقة حين كان يرغب فى الاستعانة بها خلال مشاركته فى عضوية لجنة الخمسين التى تولت صياغة دستور ٢٠١٤ ويشرح بالتفصيل الكيفية التى عمل بها فاروق حسنى ليخرج مصر من عزلتها بعد سنوات المقاطعة العربية بسبب كامب ديفيد.

وبطرافة بالغة يروى كيف ان مكتب العلاقات الثقافية الخارجية حين تولى مسئوليته لم يكن يملك تليفونا بخط دولى، كما لم تكن لديه ادارة لترجمة المراسلات الدولية لدرجة أنهم كانوا يرسلون المبادلات الرسمية اولا للجامعة الأمريكية لتحصل الوزارة على ترجمة دقيقة قبل إرسالها لسفارات دول العالم.
والأطرف من ذلك ان الوزارة حين دخلها فاروق حسنى لم تكن فيها سيارة تليق بالوزير الذى استعار سيارة سلماوى المرسيدس ليذهب لقصر الرئاسة فى أول لقاء رسمى يجمعه مع حرم الرئيس السابق.
السيدة سوزان التى صار فيما بعد أحد أقرب معاونيها.

وهناك الكثير من القصص التى يرويها سلماوى وتظهر بؤس الواقع البيروقراطى الذى حاصر تجربته فى الوزارة وجعلها قصيرة العمر على الرغم مما شهدته من أحداث مهمة مثل افتتاح دار الأوبرا بالجزيرة واطلاق أولى دورات مهرجان المسرح التجريبى وكذلك حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عام ١٩٨٨ وهو حدث لم يغير فقط فى حياة محفوظ بل غير أيضا من دور محمد سلماوى فى حياته بعد ان تحول إلى (أمين سر) الاستاذ وهو تحول أثار غيرة المحيطين به وبعضهم حاول احراج محفوظ واجباره على تغيير رأيه فى اختيار سلماوى لتمثيله شخصيا وإلقاء كلمته أمام حفل تسليم جائزة نوبل غير ان محفوظ ركب دماغه ودافع عن هذا الاختيار الذى أغضب وزير الثقافة وهى قصة اخرى لا تخلو من التشويق والبهارات مثل بقية قصص الكتاب التى تغمر القارئ بالتساؤلات وتجعله لا يكف من التعليق بكلمة واحدة هى (عجبى) أو بعبارة (سبحان مغير الاحوال).