الشاعر العربى الجاهلى عنترة ابن شداد هو الشخصية الأشهر التى تعاملت معها السينما المصرية كثيرا فى أفلام مأخوذة عن السيرة المدونة فى كتب شعبية، ومن المهم التعرف عليها من خلال مشاهدة فيلم (عنتر وعبلة) إخراج نيازى مصطفى 1945 الذى كتبه عبدالعزيز سلام، وهنا نقطة الحوار فهذا الشاعر كتب القصائد المغناة خاصة من تلحين فريد الأطرش كما أنه هنا كاتب سيناريو وقد استخدم لغة حوار وسطية تمزج بين العامية والعربية والصحراوية، هذا الفيلم تمت إعادة إنتاجه عام 1961 عن رواية كتبها محمد فريد أبو حديد باسم أبو الفوارس، وهذه الرواية هى نسخة مستنسخة من الفيلم القديم، الذى هو فى المقام الأول مأخوذ عن الكتاب المتعارف عليه عن سيرة عنترة، وفى الفيلم الثانى ذكر اسم عبدالعزيز سلام ككاتب حوار فقط بينما الفيلم مأخوذ عن رواية (أبو الفوارس). لا أعرف ماذا حدث سوى أن أبو الحديد وقع فى أسر هذه السيرة وكتبها فى رواية، ومن الناحية الشكلية فإن المؤلف صاغ رواياته فى إطار ملحمى أقرب إلى الفيلم القديم دون أى إشارة إلى ذلك، فعناوين الفيلم أن سلام هو كاتب القصة والسيناريو والحوار وربما أيضا القصائد الغنائية التى سمعناها فى الفيلم، والشىء الوحيد الذى لا ينسب إلى سلام هو الحوار والقصائد التى كان يلقيها عنترة فى مناسبات مختلف أبرزها البوح لابنة عمه بمشاعره العاطفية نحوها.
أعتقد أن فيلم مغامرات عنتر وعبلة الذى أخرجه صلاح أبو سيف عام 1948 هو محاولة لتكرار النص الأسبق، والغريب أن اسم عبدالعزيز سلام مكتوب فقط على القصة، وأن اسم فؤاد نويرة للسيناريو والحوار، سوف نلاحظ هنا أن السينما وقعت فى غرام هذه السيرة بشكل ملحوظ، ففى نفس العام قدمت السينما فيلم (ابن عنتر) إخراج أحمد سالم وفيما بعد الستينيات جسد فريد شوقى مع كوكا شخصية عنترة مرات كثيرة فى أفلام مصرية ولبنانية ومنها عنتر يغزو الصحراء وأيضا بنت عنتر بطولة أحمد مظهر كما قدمت القصة فى فترة لاحقة فى أفلام لبنانية لمخرجين آخرين.
ما يهمنى هنا هو دور أبو حديد فيما فعله من كتابة رواية أبو الفوارس التى كانت مقررة على طلبة المدارس الإعدادية فى الستينيات، وعن نفسى فإننى شاهدت الفيلم باعتباره مأخوذا عن رواية، لكن بعد مواصلة لتحصيل وإعادة رؤية الفيلم القديم يبقى السؤال بلا جواب: ما الذى أوحى لفريد أبو الحديد كتابة رواية عن عنترة ابن شداد ولماذا لم يستخدم الفيلم اسم (أبو الفوارس) كما جاء فى الرواية، وعاد إلى عنوان الفيلم كما رأيناه، كل ما أستطيع أن أؤكده أن الفيلم أذلى كتب له السيناريو نيازى مصطفى، وهو إعادة شبه منقولة من الفيلم الأول هذا من ناحية النص بالإضافه إلى أن ثلاثة من طاقم التمثيل على الأقل قد تكرر وجودهم فى الفيلم الثانى لنيازى مصطفى ومنهم كوكا وفردوس محمد التى قامت بدور الأم أما كوكا فهى دوما عبلة بدون استثناء، وقد التصقت بها هذه الشخصية فى كل أفلامها البدوية العاشقة الفارسة التى تقيم فى الصحراء، حيث جسدت هذه الشخصية لأول مرة عام 1949 تحت عنوان رابحة ومن المهم تتبع هذه الشخصيات باعتبار أن كوكا لم تنجح أبدا فى أدوارها الأخرى حتى مع زوجها خارج بنت الصحراء، وعلى سبيل المثال دورها المعاصر فى فيلم (سيجارة وكاس) عام 1955 من إخراج نيازى مصطفى.
لم تنتبه السينما أبدا إلى أعمال محمد فريد أبو حديد الأخرى لتقديمها، ومنها روايات كانت أيضا مقررة على طلبة المدارس الثانوية مثل أنا الشعب، وأغلب أعماله تتوقف عن الحقبة الإسلامية الأولى، والنص الذى كتبه عبدالعزيز سلام يتسم بشاعرية تتناسب مع العواطف والنبل اللذين يشعر بهما العاشقان عنترة العبد الزنجى، وابنة عمه عبلة فى قبيلة بنى عبس.
أقول إنه نفس التطابق، سواء فى الحوار أو المواقف أو الأشخاص ومنهم زوجة الأب التى توقع بين زوجها وابنه الذى لا يعترف به وهناك أيضا الأم السوداء التى كانت عبدة لشداد وأنجبت منه ابنها الذى ظل يتمسح فى أبيه كى يعترف بأنه أبوه، وأيضا شخصية شيبوب الأخ غير الشقيق لعنترة من أمه، وهو الأكثر ارتباطا به والذى يكرر دائما (عنتر حى عنتر جى) والبطل هنا يوافق أن يذهب إلى بلاد المنذر النعمان خلف الربع الخالى كى يحضر لوالد عبلة مهرها من النوق الحمر بعد غياب عدة سنوات، فى هذه الفترة من الغياب يظهر فارس جديد يحاول أن يتخذ من عبلة زوجة له إلا أنها تقاوم وتعترض، رغم معرفتها بأن عنترة قد مات خلف الربع الخالى وهكذا نؤكد أن هناك تماس وتشابها بين النصوص الثلاثة التى نتوقف عندها هنا ابتداء من الفيلم الأول عنتر وعبلة ثم الرواية ثم الفيلم الثانى، والغريب أن الباحثين على مدى الزمن قد نسو أن ينسبو (عنتر وعبلة) إلى عبدالعزيز سلام.