متى تحارب مصر إسرائيل؟ - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 25 مايو 2024 9:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متى تحارب مصر إسرائيل؟

نشر فى : الأربعاء 18 مايو 2011 - 10:17 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 مايو 2011 - 10:18 ص

 قضيت الأسابيع الثلاثة الأخيرة فى بيروت (ولابد فى هذا السياق ومع الاعتذار عن استخدام مصطلح اخترعته فترة الحرب الأهلية اللبنانية التى بدأت فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، هو مصطلح «بيروت الغربية»). خلال هذه الأسابيع الثلاثة دخلت فى مناقشات كثيرة نتجت جميعها من حقيقة أن هذه اول زيارة لى لبيروت بعد ثورة 25 يناير. كنت فى بعض هذه المناقشات أكثر ما أكون مستمعا منى متحدثا. وفى بعضها الآخر انهالت على التساؤلات عن التوقعات فكنت متحدثا أكثر منى مستمعا. على أى الأحوال ففى الحالتين تبين لى أن اللبنانيين يتابعون أخبار الثورة المصرية بكل اهتمام وبقلب واجف، ربما كما كنا نحن المصريين نتابع قبل سنوات أخبار الحرب الأهلية اللبنانية. وتبين لى أن أسئلة اللبنانيين عن أحوال مصر الثورة تقودهم وتقودك مستمعا كنت أو متحدثا إلى تساؤل أساسى إذا كانت مصر الثورة تتهيأ لإلغاء اتفاقات كامب ديفيد، التى عقدت فى عهد البدايات الأولى للنظام القديم.

●●●

إن العروبيين اللبنانيين يودون أن يناموا فى إحدى الليالى، ويستيقظوا فى صباح اليوم التالى ليجدوا أن الخبر الأول فى نشرات الأخبار يحمل إليهم بشرى إلغاء مصر كامب ديفيد. رأيهم الصريح الجرىء، الذى يعبرون عنه فى أسئلتهم وإجاباتهم هو أن الربيع العربى سيبدأ حقا إذا ألغت مصر كامب ديفيد. عندئذ لن تقف الثورات العربية عند حدود عدة بلدان عربية تتقدم فى بعضها وتتعثر فى بعضها الآخر. عندئذ ستتفجر الثورات العربية فى آن واحد فى المجتمع العربى كله استجابة لثورة مصر عندما تعلن عروبتها الكاملة التى لا يقف بوجهها أى ارتباط خارجى بإسرائيل أو أمريكا العدوتين اللدودتين للعرب وطموحاتهم وثوراتهم.

وأشهد بالحقيقة إذا قلت إن السؤال نفسه كان يتخذ صيغا إثباتية حين يسأل بصيغة متى تلغى مصر كامب ديفيد. عندئذ يكون السائل معبرا عن ثقته الكاملة بأن مصر الثورة ستلغى كامب ديفيد يقينا وأن السؤال لا يعدو أن يكون متى؟ وكل ما عدا ذلك من اسئلة عن ثورة مصر ــ حتى إن تناولت أمورا داخلية أكثر منها خارجية، مثل الديمقراطية والوضع الاقتصادى والجماعات الاسلامية والسلفية وقضية الفتنة الطائفية.. إلخ ــ لا تعدو أن تكون تمهيدات للسؤال نفسه. فالكل يعتبر أن كامب ديفيد قيد على عروبة مصر، وبالتالى قيد على مصر ذاتها وعلى قضاياها الداخلية والخارجية. وبعضهم يسأل السؤال نفسه بصيغة متى تعود مصر الى الوطن العربى بكل وزنها القومى والتاريخى والجغرافى والسكانى والثقافى. وبعضهم يسأله بصيغة متى تعود قوة مصر إلى العرب بعد أن تصل الى نقطة الخلاص من القيود التعاهدية مع إسرائيل، وبالتالى متى تعود مصر إلى قيادة الثورة العربية للتحرير والحرية بمعناهما القومى الوحيد، المعنى الذى يلغى مستقبل إسرائيل فى المنطقة أمام تيارى الثورة والعروبة.

●●●

وأشهد بالحقيقة إذ أقول إن عروبيى لبنان يعتقدون أن مصر الثورة تضيف إلى الوجود العربى ما هو أكثر كثيرا من حلم الوحدة. إنها تضيف حلم التحرر الكامل من الهيمنة الصهيونية والأمبريالية المتحالفتين ضد العرب معزولين عن بعضهم ومتفرقين بل ممزقين. ولهذا فانك تشعر فى النقاشات العديدة معهم فى الأوساط الصحفية والأكاديمية والفنية أنك غير مسموح لك بألا تكون متفائلا. إن كلمة التشاؤم لا تستخدم أبدا إنما يحل محلها اللاتفاؤل ليكون تعبيرا محتملا. وعندما تحدثوا عن نبيل العربى وزير الخارجية فى حكومة مصر الثورة كان تفاؤلهم يتصاعد معبرا عن تقديرهم لكل تصريحاته منذ توليه منصبه. بل إنهم يصلون إلى حد استنتاج بأن الوزير العربى سيكون بطل حرب إلغاء كامب ديفيد حينما يحين وقتها. ولن تستطيع أن تتحفظ لا على الهدف ولا على استنتاج هذا المعنى من تصريحات نبيل العربى.

وأشهد بالحقيقة ــ ما دامت كلمة الحرب قد فرضت وجودها ــ حين أقول إن المتسائلين عن إلغاء كامب ديفيد يدركون جيدا أنه قد يعنى الحرب.. ويصل بعضهم إلى نقطة الذروة إذ يفاجأك بطرح السؤال: متى تعلن مصر الحرب على اسرائيل؟ وهو قد لا يعنى أكثر من السؤال نفسه متى تلغى مصر كامب ديفيد، ولكنه يطرحه بالصورة التى تجعله يبدو متفهما لحقيقة أن إلغاء كامب ديفيد هو بمثابة إعلان حرب سواء بدأتها مصر أو بدأتها إسرائيل.

تضطر فى هذا الجو أن تذكّر بأن مصر الثورة تواجه تحديات كثيرة وأن وضعها فى موقف حتمية الحرب مع إسرائيل كوسيلة لخلق ربيع عربى من الثورات المظفرة أو لاختصار زمن الوحدة العربية الذى ظل يزداد بعدا وصعوبة، عندها لا تسمع إلا إجابات احتجاجية بأن المصريين ــ مثلى ــ يبدون حريصين على رؤية مصر أقل من حقيقتها وأدنى من مستواها سواء فى الثورة أو فى العروبة أو فى التحرير. وهذا كاف بحد ذاته لأن يستنهض فيك شعور المصرى بأنه ابن أم الدنيا وزعيمة العرب وقائدة التحرر وقبل هذا وذاك رائدة الثورة. وحينما يحدث هذا تكاد تقابل بالتصفيق وتسمع من يؤكد لك أنه حتى لا مجال للفتنة الطائفية فى مصر إذا ما أعلنت مصر الحرب على إسرائيل بإلغاء كامب ديفيد. وما عدا ذلك من تحديات أقيمت بوجه مصر الثورة كله أمور تهون بل وتختفى إذا ما قررت مصر أن تستانف دورها القومى. حتى محاولات التأثير الخارجى التى جرفت مصر تحت حكم النظام القديم بعيدا عن مجالها الحيوى محكوم عليها بحسابات بسيطة للغاية بأن تختفى وتنتهى.

●●●

إنك لا يمكن أن تشعر باهمية دور مصر العربى ــ أو بالأحرى خطورة غياب دور مصر العربى ــ قدر ما تحس به فى بيروت. هناك يتساوى أن تكون وسط النخبة المثقفة من الصحفيين أو الكتاب وأساتذة الجامعات والمفكرين بشكل عام أو تكون وسط الأوساط الشعبية من العمال وسائقى الباصات وسيارات الأجرة وأصحاب المحال الصغيرة.

إنك تشعر هناك بأن ثورة مصر تنجح نهائيا وتكتمل مبادئها وأهدافها فقط إذا خرجت الى مجالها الحيوى القومى.. فقط إذا عرفت أنها فى الأساس وقبل كل شىء وأى شىء آخر ثورة عربية. وما دون ذلك يبقى قصورا أو امتناعا عن تنفيذ إرادة الشعب العربى فى مصر وانصياعا لما أراده النظام القديم.

وسط العروبيين فى بيروت لا يسمح لك بأن تستنتج أو تشعر بأن هذا المنطق ينطوى على تهور أو اندفاع لأقصى التطرف فى مواجهة إسرائيل. لا يسمح لك بأن تعتبر السؤال: متى تعلن مصر الحرب على إسرائيل بإلغاء كامب ديفيد؟ قفزة الى المجهول. فثمة شعور ــ بل إيمان قوى ــ بأن عودة مصر الى الصف العربى هى بحد ذاتها ضربة قوية لإسرائيل كافية لإصابتها بدوار يعجزها عن الرد. ويجعلها مضطرة لأن تنتظر استرداد وعيها لتعرف مكونات الوضع العربى الجديد.
وقتها ستفكر إسرائيل مرة واثنتين وعشرة، بل ومائة مرة، قبل أن تواصل مسيرتها التقليدية فى المنطقة، مسيرة التوسع باستخدام سياسة القوة.

●●●

هذا ما كان لابد أن أكتبه بمجرد عودتى خشية أن يتبدد الحماس الرومانسى العروبى، الذى رفعنى عن أرض الواقع إلى آفاق بعيدة.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات