وماذا بعد خروج بريطانيا من أوروبا؟ - يوسف شاهين - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وماذا بعد خروج بريطانيا من أوروبا؟

نشر فى : الثلاثاء 19 مارس 2019 - 11:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 مارس 2019 - 11:55 م

ثلاث سنوات بعد التصويت بنسبة 52% للخروج من الاتحاد الأوروبي، ما زالت خطى المملكة المتحدة تتخبط – أحداً لا يعرف إلى أين؟ وما زالت عملية الشد والجذب بين كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا ترخى ولا تتوانى. فالأخيرة ما زالت تسعى إلى إيجاد أفضل الطرق للخروج بأقل الخسائر، وما زال الاتحاد الأوروبي مصمماً على تلقينها درساً يكون عبرة ويظل راسخاً في الأذهان لأي دولة أخرى في حالة ما تراودها فكرة الخروج.
ويبقى خروج المملكة المتحدة لغزاً لا يجد أحد حلاً له. ويغلب اليوم الشعور بالندم على رجال الأعمال التي كانت السوق الأوربية تمثل سوقاً مفتوحاً لهم، وعلى أكثر من مليون عامل بريطاني كانت الدول الأوربية مكانا لعملهم ومأواهم، وعلى مئات الشركات التي كانت تعمل بكامل حريتها في جميع دول الاتحاد الأوروبي دون قيد أو شرط.
***
ويبقى السؤال مطروحاً لماذا تركت المملكة المتحدة ذلك كله ولصالح من؟ وعلى الرغم من ذهاب الكثيرين إلى ترجيح حُلم الشعب البريطاني لاستعادة أمجاد الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس كسبب رئيسي، فإن هناك تحليل آخر - لا يقل وجاهة ولا يتعين إغفاله - وهو جشع أصحاب الملايين وأغنى أغنياء بريطانيا، الذين اشتاقوا إلى فرض الاحتكار على الاقتصاد البريطاني لمضاعفة أرباحهم بعد أن شعروا بغلبة المنافسة الأوربية التي نجحت في تهميشهم وتقليص أرباحهم. وقد أنفق أصحاب الملايين ببذخ لخداع المواطن البسيط لإقناعه بأنه إنجليزي قبل أن يكون أوروبي وأنه من الواجب عليه استرداد مجد أبائه وأجداده، مجد الإمبراطورية التي اندثرت منذ الحرب العالمية الأولى في أوائل القرن العشرين والتي في الواقع لا مكان لها من جديد أمام القوى الدولية المعاصرة.
وتبقى المملكة المتحدة بعد ثلاث سنوات من تصويتها للخروج عاجزة عن إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. فقد رفض البرلمان البريطاني مرتين على التوالي مقترح تيريزا ماي رئيسة الوزراء، بحجة أن الضمانات القانونية الممنوحة بموجب مقترحها غير كافية لضمان انفصال المملكة انفصالا كاملاً عن الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن المخاوف التي تساور البرلمان البريطاني من الارتباط الدائم بالاتحاد الأوروبي حقيقية وليس من ضرب الخيال. فإن إبقاء الحدود مفتوحة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، بما يعني المرور الحر عبر الحدود للسلع والخدمات والأشخاص لمسافة حوالي 500 كيلومتر حدوداً برية سهلة العبور، من شأنها الإبقاء على ارتباط قوي للمملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي من خلال اتحاد جمركي.
وكان من المفترض أن يكون هذا الاتفاق المعروف باسم الـbackstop مؤقتاً وإلى حين التوصل إلى اتفاق تجاري نهائي بين الطرفين بعد فترة انتقالية لمدة سنة ونصف وتحديداً بنهاية ديسمبر 2020 في حالة خروج المملكة المتحدة في 29 مارس، وهو ما لن يحدث شريطة أن يتمشى المجلس الأوروبي مع قرار البرلمان البريطاني.
وفي حين لم يوافق البرلمان البريطاني على خطة رئيسة الحكومة للخروج، وهو ما يبدو أقصى ما قد تحصل عليه تيريزا ماي من الاتحاد الأوروبي في شكل اتفاق، فإن البرلمان يرفض أيضاً المغادرة دون اتفاق، ومن ثم العودة مرة أخرى إلى المربع رقم 1، أي دون اتفاق ودون خروج. ويبقى البديل هو مد العمل بالمادة 50 من الاتفاقية العامة للاتحاد الأوروبي. وهنا علينا الاعتراف بوقوع بريطانيا في ذات الفخ، الذي عادة ما تنصبه للآخرين من خلال احترافها في تقديم الصياغات المطاطة، التي تبقى الأمور فيها دون حسم والتي تعارف على تسميتها في لغة الأمم المتحدة بالغموض البناء constructive ambiguity. فإن المادة 50 لا تنص على فترة الإطالة في حالة عدم الاتفاق أو حتى قبول مبدأ الإطالة نفسه. وعليه، فإن الدبلوماسية تلعب دورها من جديد ولعبة الشد والجذب لم تنته، وتبقى فترة الإطالة مطروحة للمساومة بين الطرفين. فهل معنى تأجيل خروج المملكة المتحدة لمدة ثلاثة أشهر أخرى ذو جدوى؟ وهل يعني ذلك إطالة الفترة الانتقالية التي من المفترض أن يتم خلالها التوصل إلى اتفاق تجاري نهائي بين الطرفين إلى ما بعد ديسمبر 2020 كما كان متفقاً عليه؟
***
وقد يطرح البعض السؤال عمّا إذا كان هناك فائدة من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بالنسبة لمصر وما هو العائد على مصدرينا وصناعاتنا؟ وعلى كل، إن احتمال إطالة فترة خروج المملكة المتحدة بثلاثة أشهر، وحتى يونيو، يتيح الفرصة للدول التي تربطها اتفاقيات تجارة تفضيلية بالاتحاد الأوروبي أسوة باتفاقية المشاركة مع مصر. يتيح لها فترة أطول للتفاوض مع المملكة المتحدة على اتفاق تفضيلي مماثل لاتفاقية المشاركة للاستفادة من السوق البريطاني كسوق مفتوح وإنقاذ صادراتنا دون تعريفة أو بأقل مستوى للتعريفة. ومصر تربطها اتفاقية المشاركة مع الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تتمتع صادراتها بمزايا تفضيلية لدخول الأسواق الأوروبية، بما في ذلك السوق البريطاني. ومن الطبيعي ستزول هذه الميزة عند المغادرة إن عاجلاً أم آجلاً. فإنه يتعين علينا إبرام اتفاق جديد مع المملكة المتحدة على نفس نهج اتفاقية المشاركة ضماناً لاستمرارية تمتع مصدرينا بمزايا اتفاقية المشاركة.
ومما لا شك فيه أن المملكة المتحدة هي الأخرى راغبة في الحفاظ على علاقاتها المتميزة والوثيقة مع مصر واعتبارها سوقاً صاعداً قد يعوضها بعض الخسائر الناجمة عن انفصالها عن الاتحاد الأوربي. وأكثر من ذلك، فإن المملكة المتحدة على قناعة بأن مصر هي بوابتها إلى أفريقيا أكثر من المغرب التي تروج هي الأخرى لنفسها باعتبارها بوابة أفريقيا على الأقل لدول مثل إسبانيا والبرتغال وحتى فرنسا.
وفي هذا السياق، على رجال الأعمال المصريين الإسراع في إيجاد بدائل للتعاون مع الشركات البريطانية في السوق الأفريقي وفي إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية. ولماذا الإسراع؟ لأنه ببساطة لا يستبعد اهتمام دول أخرى مثل الهند والصين ودول أفريقية للتقرب إلى الشركات البريطانية لحثها وإغرائها للتعاون معها لخوض تجربة أفريقيا، التي أصبحت اليوم سوقاً مفتوحاً لأكثر من 1.200 بليون نسمة ترغب في التحرر والتطور من خلال اتفاقية التجارة الحرة القارية والمنتظر دخولها حيز التنفيذ في القريب العاجل.
وتتعاظم البدائل للتعاون مع الشركات البريطانية في مجال التصنيع المشترك وسلاسل الإنتاج ولكن أيضاً وهو ما قد يهم الاقتصاد المصري بالدرجة الأولى التعاون في مجال تجارة الخدمات وتحديث القطاعات الخدمية في مصر وتطويرها للمنافسة في السوق الأفريقي على أعلى مستوى. فقوة الاقتصاد البريطاني تكمن في قطاع الخدمات المالية وخدمات التأمين وخدمات الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية باعتبارها كانت ولعقود طويلة بوابة أوروبا للشرق والغرب.
ويتعين علينا إيجاد الفرص الجديدة المتاحة من خلال مغادرة المملكة المتحدة واستثمارها على وجه العجلة حتى نكون من بين أوائل الدول التي تخترق الأسواق الأفريقية بعد أن قامت مصر ببذل جهوداً مضنية في التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة بين دول القارة.
فلا شك أن المملكة المتحدة تعيش أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخنا الحديث. ولدى الحكومة ورجال أعمالها على حد سواء شعورا بالقلق بالنسبة للعواقب الاقتصادية والتجارية التي سوف تلحق بالمملكة بعد خروجها. كما أنه مما لا شك فيه أن المملكة المتحدة ستقدر يد العون التي ستمتد لها في هذه الأوقات العصيبة. وإذا سعت مصر ورجال أعمالها إلى فتح جسور جديدة للتعاون وفي مجالات مختلفة، خاصة وأن المملكة المتحدة تعد إلى حد بعيد أكبر دولة مستثمرة في مصر وتستهدف اليوم تنويع استثماراتها، فإن التعاون بين البلدين سوف يعود حتماً بالمصلحة على الاثنين معاً، مصر والمملكة المتحدة.

التعليقات