التعامل مع الأخبار الاقتصادية السيئة - أيمن زين الدين - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 9:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعامل مع الأخبار الاقتصادية السيئة

نشر فى : الأحد 21 مايو 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الأحد 21 مايو 2023 - 8:40 م

تواترت فى الأسابيع الأخيرة الأخبار الاقتصادية السيئة عن مصر، سواء فى صورة مقالات أو دراسات تتناول الأوضاع والسياسات الاقتصادية فى بلادنا بانتقاد شديد، أو تصريحات مسئولين فى منظمات دولية أو دول صديقة تعكس اعتقادها أن مصر لم تفِ بما يتوقع أن تقوم به من إصلاحات، أو تقارير من مؤسسات تقييم ائتمانى تخفض من درجة الجدارة الائتمانية لمصر ولتوقعاتها المستقبلية. وكما هو متوقع، أثارت هذه الأخبار قلقا واسعا فى البلاد، لا شك أنه كان فى أشد صوره بين المسئولين الحكوميين، لأنهم «مسئولون» بالمعنى الحرفى للكلمة، ولأنهم المطالبون بمواجهة هذه الأخبار وتخطى ما لها من تأثيرات سلبية على قدرة الحكومة على تطبيق سياساتها.
أهمية الأمر هنا تتخطى صورة مصر فى العالم، لأن تواتر الأخبار بهذه الصورة يضرب فى مقتل موارد مصر من النقد الأجنبى، حيث أنه يحد من قدرتها على جذب الاستثمار الخارجى، ومن تدبير القروض التى تعتمد عليها الحكومة فى سد عجز الموازنة وخدمة ديونها الخارجية، بل ويقلل من تحويلات المصريين العاملين فى الخارج. كما أنها تضر بسوق المال، وتحرم الاقتصاد من القدرة على استيراد ما يحتاجه من مدخلات الإنتاج، ومن ثم تضعف قدرة الصناعة على إشباع الاحتياجات المحلية والتصديرية، وتربك قرارات المنتجين والتجار والمستهلكين، وتؤدى إلى شلل الأسواق، وكل هذا يؤثر بقوة على كل أركان الاقتصاد فى الحكومة والقطاع الخاص وباقى الناس كعاملين ومستهلكين، لا سيما أن هذا النوع من الانتقادات يشتد وقت الأزمات العميقة، حين يكون الاقتصاد فى أقصى حالاته هشاشة وعرضة للتأثر، وتكون البلاد فى أكثر أوقاتها احتياجا لأخبار طيبة تطمئن المستثمرين وتشجع رءوس الأموال.
صحيح أن متابعة الصحف، وما يصدر عن الدول والمنظمات الدولية ومراكز الأبحاث ومؤسسات التقييم، يوضح أن الأخبار السيئة تأتى طول الوقت، وتصيب الدول كافة، إلا أن ما صدر بشأن مصر أخيرا كان موجة عريضة ومضمونها مقلق، حاول المسئولون المصريون والآلة الإعلامية القريبة من الحكومة الرد عليها بشكل هجومى، والقول أنها أخطأت التقدير والاستنتاج. لكن يظل السؤال عن مدى نجاعة هذا النوع من الرد الذى أَلِفَته حكوماتنا كلما تعرضت لمثل هذا النوع من الأخبار، وهو الذى يجمع بين إنكار تعبيرها عن الواقع، أو أنها تغفل الإيجابيات، والتقليل من تأثيرها، وصولا إلى التساؤل عما وراءها من نوايا وأغراض، وهو رد قد يؤثر على النقاش الداخلى فى مصر، لكن لا يوجد دليل على فاعليته فى الخارج، حيث الحاجة الحقيقية لأن يكون فعالا.
وسأحاول فى النقاط التالية طرح بعض الأفكار للتعامل مع هذه المسألة، وما يحسن بنا عمله وتجنبه، استنادا إلى متابعتى لسوابق تعامل مصر معها. ولا يخفى هنا أن الهدف الأهم لأى جهود فى هذا الصدد هو العالم الخارجى وصورة مصر فيه، لأنه، طالما كان الاختيار هو أن تكون مصر جزءا من النظام الاقتصادى العالمى، فهى فى حاجة ماسة لثقة الأطراف الخارجية، سواء الحكومات أو المستثمرين أو مؤسسات التمويل لتستطيع تدبير التمويل الذى تحتاجه، وأى رأى يقلل من أهمية صورتها خارجيا فى هذا الصدد هو رأى غير مسئول.
• • •
الحقيقة أن القاعدة الذهبية العامة القائلة بأن «الوقاية خير من العلاج» تسرى أيضا على هذه المسألة. فنجاحنا فى تفادى صدور مثل هذه التقارير والانتقادات هو بالتأكيد أفضل من التعامل معها بعد صدورها، مهما كان التعامل فعالا. طبعا جهود الوقاية لا تنجح دائما فى منع الانتقادات، لكنها قد تحد منها أو تقلل من شدتها، وغالبا ما تمنع من تفجرها بشكل مفاجئ دون استعداد من جانبنا.
يأتى فى مقدمة متطلبات الوقاية، ضبط السياسات الاقتصادية لضمان أن تتوافق مع أفضل الممارسات المتعارف عليها عالميا إلى أبعد حد ممكن، وتجنب قدر المستطاع السياسات التى نعرف مقدما أنه سيكون من الصعب الدفاع عنها، باعتبار أن القاعدة المستقرة فى هذا الشأن هى أنه لا مجال لإعادة اختراع العجلة. ورغم أن هذا الأمر يبدو بديهيا بسيطا، فإن واقع الأمور يوضح أن غالبية ما تواجهه السياسات الاقتصادية من انتقادات يأتى نتيجة لعدم مراعاة ذلك، واتباع سياسات غير سليمة تخرج عن دائرة السياسات المتعارف عليها.
ومن الهام هنا ألا ننخدع عندما نجد تفاعلا إيجابيا مع سياساتنا من أصحاب المصالح التجارية عالميا فى مراحل مبكرة، وإقبالهم على التعاقد على مقاولات ومشروعات وثنائهم على سياساتنا ومشروعاتنا، تصورا أن هذا يمثل مؤشرا على نجاحنا فى كسب ما يكفى من الحلفاء لتحصين سياساتنا من الانتقاد، وأننا بهذا فى غنى عن إلقاء بالٍ إلى أى انتقادات، فأصحاب المصالح هؤلاء لا يهمهم سوى عقودهم وأرباحهم، ولها ولاؤهم كله.
لهذا توجد ضرورة كبرى للتوسع فى فتح قنوات الحوار على كل المستويات مع مؤسسات التمويل والتصنيف ومراكز الأبحاث والصحافة ووسائل الإعلام، خاصة الاقتصادية، بما يفوق ما هو قائم حاليا، تكون ذات اتجاهين: الأول نشرح من خلاله سياساتنا ونحاول كسبهم لوجهة نظرنا وإقناعهم بها، بل وبناء روابط إنسانية تحد من النزوع إلى انتقاد سياساتنا؛ والثانى، والذى قد يكون أكثر أهمية، هو الاستماع إلى قراءتهم لما نقوم به وآرائهم فيه، ليكون لدى متخذى القرار الاقتصادى فى حكومتنا أولا بأول صورة شديدة الوضوح عن هذه الآراء، لاستخدامها فى المراجعة والتصحيح بقدر الإمكان، لتجنب وصول الأمر إلى ما وصل إليه اليوم.
هذا الحوار المتواصل، الذى يفترض أن يسبق حدوث موجات الأخبار السيئة، عادة ما يكون ثقيلا على نفس المسئولين الحكوميين، لأنه كثيرا ما يضعهم فى موضع المساءلة والدفاع، إلا أنه يظل أفضل من الرد على الانتقادات بعد حدوثها. كما أن هذا النوع من الحوار يساعد على عدم تراكم حالة من الجفاء مع المختصين بمتابعة شئون مصر فى هذه الجهات، خاصة فى وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، تتحول مع الوقت إلى نوع من العناد والرغبة فى إثبات صحة تحذيراتهم المسبقة كما يحدث اليوم.
يذكر هنا إلى أن التجربة تؤكد محدودية فائدة الاستعاضة عن الحوار بحملات دعائية مكلفة للترويج للسياسات والمشروعات العامة فى وسائل الإعلام العالمية، فى حين أن السياسات الناجعة، والتى تتفق مع الأنماط المستقرة فى تجارب التنمية الناجحة، وما تحققه من نتائج فعلية على الأرض، تفوقها فاعلية دون أن تقترن بتكلفة.
فى المقابل، لم يثبت مطلقا أن هناك فائدة من دخول الدول فى مواجهة مع الجهات التى تصدر عنها هذه النوعية من الأخبار والتقارير، ومبادلة الانتقادات بالاتهامات، بل كثيرا ما يكون مضرا، لأنه يظهرها بمظهر مفتقد الحجة، كما أنه يوفر ذخيرة غالية لمن يسعى إلى استدراجها إلى مساجلة علنية، يقف هو منها فى عيون المتابعين موقف المرجع والقاضى.
وربما كان من بين أكثر الوسائل فاعلية فى بناء مناخ خارجى أكثر إيجابية وأقل تربصا، وعلى خلاف التوقعات، استعداد الدولة لمراجعة سياساتها وتغييرها بشكل شفاف ومعلن إذا تبين خطؤها، أو ثبت أنها لا تحقق النتائج المرجوة، لأن العالم يحترم من يعترف بالخطأ ويعمل على تصحيحه، أكثر ممن يحاول إثبات أنه كان محقا من البداية، أو أنه ضحية ظروف خارج إرادته، بل إنه إذا ساد انطباع بأن هناك مقاومة للمراجعة والتصحيح، عادة ما تكون النتيجة هى استنفار رغبة الطرف الآخر فى إثبات العكس.
• • •
الخلاصة هى أن هناك طريقتين للنظر إلى الأطراف الخارجية وانتقاداتهم لسياساتنا الاقتصادية: إما اعتبارهم خصوما، وانتقاداتهم عملا عدائيا يتطلب مواجهته إما بالتجاهل أو المناورة أو الصدام، مع تحمل ما قد يترتب على ذلك من عزلة اقتصادية دولية، وزيادة تعقيد التحديات الاقتصادية؛ أو اعتبارهم شركاء، حتى لو كانوا صعبى المراس، واعتبار انتقاداتهم جرسا للإنذار، يمكن أن ينبه إلى الحاجة إلى الحوار والأخذ والرد، بل وربما المراجعة وتصحيح المسار.

قانونى ودبلوماسى سابق

أيمن زين الدين قانوني وسفير سابق
التعليقات