مصالح وحسابات أعضاء بريكس الجدد - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصالح وحسابات أعضاء بريكس الجدد

نشر فى : الجمعة 22 سبتمبر 2023 - 7:45 م | آخر تحديث : الجمعة 22 سبتمبر 2023 - 7:45 م
إذا كانت موافقة الدول المؤسسة لتجمع «بريكس» على انضمام مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين للتجمع اعتبارا من ٢٠٢٤ قد جاءت كتعبير عن توافق المصالح بين الصين والهند المهتمتين بأمن إمدادات الطاقة وبالتوسع باتجاه الجنوب العالمى وروسيا المعنية بالحد من عزلتها والتقليل من النتائج السلبية للعقوبات الغربية وجنوب أفريقيا والبرازيل الباحثتين عن تمثيل أفضل لحقوق بلدان الجنوب فى التنمية المستدامة والتخفيف من عبء الديون والشراكة فى التقدم التكنولوجى وفى تحمل كلفة الأخطار البيئية، فإن للأعضاء الجدد أيضا مصالح وأوضاع وحسابات دفعتهم إلى طلب العضوية والسعى للحصول عليها. وسأتناول هنا حال الأعضاء الجدد الشرق أوسطيين.
• • •
من جهة، تحركت السعودية والإمارات نحو تجمع «بريكس» رغبة فى إحداث شىء من التوازن بين التحالف الأمنى والعسكرى الذى يربطهما بالولايات المتحدة والاعتماد شبه الكامل لاقتصاد البلدين على الدولار الأمريكى الذى تدار به إمدادات الطاقة (البترودولار) وبين تطور التجارة والتعاون الاقتصادى والتكنولوجى والدبلوماسى مع الصين التى أصبحت شريكهما التجارى الأول والمستورد الأول لصادراتهما البترولية والمنافس الأقوى لما تبقى من هيمنة أمريكية فى الشرق الأوسط.
ولأن السعودية والإمارات لا ترغبان فى استبدال التبعية لقوة عظمى بأخرى وإنما تسعيان إلى إحداث شىء من التوازن فى علاقاتهما الدولية، فإن عضوية «بريكس» تمكنهما من التطوير الشامل للتعاون مع الصين الصاعدة فى إطار جماعى به دول كبرى أخرى وعلى نحو لا يبدو معه الأمر وكأن البلدين يتقربان من الصين على حساب الولايات المتحدة أو يعاديان عملاق الغرب لصالح عملاق الشرق. كذلك تعبر عضوية «بريكس» عن علاقات التعاون المتنامية للبلدين مع الاقتصاديات الكبرى خارج الغرب كالهند وروسيا والبرازيل.
الهند اليوم هى المستورد العالمى الثانى لإمدادات الطاقة القادمة من الخليج، وتنسق روسيا مع البلدين العربيين فى منظمة منتجى ومصدرى النفط (أوبك بلس) فيما خص مستويات الإنتاج بهدف التحكم فى الأسعار العالمية وتصدر لهما السلاح والحبوب من بين منتجات أخرى، وتجد البرازيل لمنتجاتها الزراعية والصناعية أسواقا رائجة فيهما وحولهما.
هنا، تقدم عضوية تجمع «بريكس» فرصة ذهبية للسعودية والإمارات لتعميق التعاون مع هذه الدول فى إطار جماعى يشجع على بيع وشراء البترول بالعملات الوطنية، ويفتح أبواب التبادل التجارى بعيدا عن الدولار وأبواب توطين التكنولوجيا وتنويع النشاط الاقتصادى بعيدا عن القيود الغربية (شبكات ٥ ج والطاقة النووية كمثالين)، ويدخل فى قضايا الأمن الإقليمى دبلوماسيا (الوساطة الصينية بين السعودية وإيران مثالا) وعسكريا (مواطئ القدم العسكرية التى صارت للصين ولروسيا فى الشرق الأوسط) واقتصاديا (بزخم مبادرات كالحزام والطريق التى تقودها الصين والممر الاقتصادى بين الهند والشرق الأوسط) قوى عالمية تتمايز فى مصالحها وسياساتها وممارساتها عن الولايات المتحدة وعموم المعسكر الغربى.
• • •
فيما خص إيران، فإن عضوية «بريكس» تمثل النجاح الدبلوماسى الثانى للجمهورية الإسلامية فى كسر طوق العزلة الإقليمية والدولية التى رتبتها خلال السنوات الماضية سياساتها العدوانية فى الشرق الأوسط والتهديد لجوارها الذى يحمله برنامجها النووى وتداعيات العقوبات الغربية الكثيرة. كانت استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية بوساطة صينية هى النجاح الأول الذى ترجم نفسه على أرض الشرق الأوسط فى تراجع للمخاطر الأمنية فى الخليج وثبات لوقف إطلاق النار فى اليمن، وعضوية «بريكس» هى النجاح الثانى الذى حتما سيفتح أبوابا للتعاون التجارى والاقتصادى والدبلوماسى ستكون كشرايين حياة لبلد يواجه اضطرابات داخلية بسبب غياب الحريات وقهر المرأة وتسلط رجال الدين ويعانى سكانه من ظروف معيشية متدنية على الرغم من ثروات طبيعية هائلة تهدر عوائدها فى مغامرات عسكرية وتدخلات خارجية.
وإذا كانت إيران تربطها بالصين اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة وبروسيا علاقات تعاون عسكرية وتجارية واسعة، فإن عضوية «بريكس» تضيف لسياقات فعلها الإقليمى المزيد من الانفتاح التدريجى على السعودية والمزيد من التبادل التجارى والمالى العلنى مع الإمارات وفرصة للتطبيع مع مصر (شدد عليها الرئيس الإيرانى فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام قليلة) وتغير من سياقات فعلها الدولى بتقريبها من دول كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لا تنافس الغرب كالصين ولا تبحث عن مقارعته كروسيا وإنما تتعايش معه فى سلام وتعمل على الحد من هيمنته تدريجيا دون تورط فى مواجهة (وقد عبر الرئيس الإيرانى عن شىء من هذه الرؤية الهادئة فى نفس الخطاب المشار إليه أعلاه حين طالب الغرب بضمانات لعلاقات أمن وسلام، وهى المرة الأولى لدبلوماسية الجمهورية الإسلامية أن تطلب من الغرب شيئا).
• • •
أما مصر، فآمال شعبها فى الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة وفى اللحاق بركب التقدم التكنولوجى والتحول الأخضر فى مجالات الطاقة وقطاعات الإنتاج الزراعى والصناعى وفيما خص استخدامات الموارد البشرية الوفيرة والطبيعية المحدودة، تلزم بالنظر إلى عضوية «بريكس» كخطوة استراتيجية كبرى لتحفيز تبلور خيال جديد لدى صناع القرار وجهته هى توطين التنمية المستدامة ولتشجيع صناعة وتطبيق سياسات إقليمية ودولية تمكننا من إعادة اكتشاف انتماء المحروسة إلى الجنوب العالمى وتقارب بيننا وبين علاقات متوازنة مع القوى الكبرى والتكتلات الجيواستراتيجية فى عالم اليوم.
بالقطع، تعمل مصر على التوسع فى التبادل التجارى بالعملات الوطنية مع دول «بريكس» كوسيلة مشروعة، من بين وسائل أخرى، تستهدف السيطرة التدريجية على التبعية للدولار الأمريكى. وقد تتعاظم إمكانيات «بنك التنمية الجديد» التابع للتجمع ويشرع فى الاضطلاع فى إقراض واستثمار تنموى بشروط عادلة يساعدان بلدان الجنوب العالمى، ونحن منها، على الابتعاد عن الاعتماد الأحادى على قروض الحكومات والبنوك الغربية وشروط المؤسسات المالية التى تهيمن عليها الولايات المتحدة ومعها حفنة من الحلفاء الغربيين.
قد تكون هذه هى أولويات صناع القرار اليوم. غير أن الأهم على المديين المتوسط والطويل هو استفادتهم بعضوية تجمع دولى يضم بعض الاقتصاديات الأسرع نموا فى العالم والأكثر نجاحا خارج الغرب فى توطين التكنولوجيا والتحول الأخضر والطاقة المتجددة، وتوظيفها بغية الاضطلاع بالتقييم النقدى للسياسات العامة المطبقة فى بلادنا وتصويب ما يحتاج للتصويب من بينها وتغيير ما يحتاج للتغيير بعين على التنمية الشاملة.
الأهم على المديين المتوسط والطويل هو أن نعيد اكتشاف هويتنا كبلد أفريقى وعربى وشرق أوسطى ينتمى إلى الجنوب العالمى، ويرغب فى علاقات متوازنة مع الغرب والشرق تضمن السلم والأمن الدوليين، ويريد التفاوض فى أطر جماعية باسم بلدان الجنوب بحثا عن التعامل العادل مع تداعيات الجريمة التاريخية النكراء التى مثلها الاستعمار ومع الاستغلال الاقتصادى والمالى الذى يجسده الاستعمار الجديد ومع أضرار التغير المناخى التى يتنصل من المسئولية عنها الشمال والغرب المتقدمين ومع تراكم الديون فى قارات الجنوب الثلاثة الذى صار يستدعى تسوية عالمية ما.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات