نحو رؤية لعالم عربى ما بعد الفوضى - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو رؤية لعالم عربى ما بعد الفوضى

نشر فى : الثلاثاء 23 أغسطس 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 أغسطس 2022 - 8:11 م

لا يبالغ من يقول إن البيئة الدولية قد انزلقت إلى حالة سيولة شديدة الخطورة: حروب ونزاعات وكوارث مناخية وأوبئة وأزمات فى إمدادات الطاقة والغذاء. خرائط بحدود هشة، جروح دول وقوى عظمى مفتوحة، صراعات على تقاسم المياه والمواسم. وعلى التفوق العلمى والتكنولوجى صراعات فاقت مخاطرها وأكلافها. صراعات الماضى، صحوات لقوى إقليمية (متوسطة) لاسترجاع مشاريع نفوذ وثارات من التاريخ. وتفجر أحلام وأوهام أكثر شراهة فى كسر القوانين الدولية، وفى تلميع الأدوار، وتغيرات ديموغرافية وهجرات واسعة ولها تداعياتها الاجتماعية والسياسية المستقبلية.

قائمة طويلة من المتغيرات الجذرية والجارفة، وأخرى محتملة كأن يستيقظ العالم على كارثة نووية فى أوكرانيا أو فى مكان آخر، أو تشتعل حربا مجنونة فوق الهضاب الإيرانية، أو مدافع وصواريخ ومسيرات فى شرق المتوسط ومياهه، أو فى بحر الصين والخواصر الآسيوية وسواحل أفريقيا.

أزمات أخرى سياسية واجتماعية جديدة، يمكن توقعها فى ظل هذه السيولة الهائلة والخطرة، وتداعيات ما يجرى من تصدعات فى النظام الدولى، والمؤسسات الأممية وما أطلقته الحرب الروسية الأوكرانية من ديناميات مقلقة سيكون لها تأثيرات بالغة فى إعادة صياغة النظام الدولى، وبخاصة فى ظل صعود وهبوط إمبراطوريات، وبخاصة حالة تراجع الأنموذج الأمريكى ورمزيته وخسارة هذا الأنموذج لعدد من سماة قوته ومميزاته، وعلى رأسها تراجع الثقه الشعبية بدور أمريكا عبر البحار من خلال القوة العسكرية ومعارضة «حقها» فى فرض إرادتها على العالم، فضلًا عن الانقسام المجتمعى الأمريكى سياسيًا واجتماعيًا، وانتشار العدائية فى المناقشات العامة، وضمور بعض قدراتها الاجتماعية وتراجع فرص النجاح أمام الأجيال الشابة، وفقًا لما كتبه باحث بارز بمؤسسة رائد الأمريكية، ونشرته مجلة (فورين أفيرز) فى عددها الصادر فى أغسطس الجارى.

فى ظل هذه السيولة الخطرة والمتغيرات الجارفة، أمست حمى المنافسة الدولية، فى أوج غليانها، بعضها منافسات قصيرة المدى حيث تحضر القوة العسكرية والاقتصادية والطموح، ولكن غالبيتها منافسات طويلة الأمد وممتدة فتحضر مع القوة خصائص الأمم وجوهرها وقيمتها وتماسك مجتمعاتها وبنيتها الإنتاجية والتكنولوجية وحيوية المجتمع ومؤسساته الفاعلة والديناميكية، وهوية الدولة الوطنية والجامعة والإرادة والرؤية الرشيدة والثاقبة.

ولاستكمال صورة المشهد يمكن إضافة تطوران على درجة كبيرة من الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للعالم العربى، وبخاصة إقليمه الخليجى الموسع.

التطور الأول: هو الاتفاق النووى الجديد الذى اكتملت نصوصه كوثيقة سياسية وقانونية وفنية ملزمة والذى سيفتح الباب واسعًا أمام حوارات مباشرة بين طهران وواشنطن لبناء تفاهمات حول مختلف الملفات بما فيها ملفات ذات صلة بشئون الأمن الإقليمى والطاقة والاقتصاد، فضلًا عن ملفات لنزاعات ما زالت مشتعلة فى عدد من الدول العربية لإيران وأذرعتها المسلحة والمدعومة منها أدوار مؤثرة فى هذه النزاعات.
والتطور الثانى: هو تكريس اعتراف قوى كبرى (أمريكا المتراجعة ــ أوروبا ما بعد أزمة إمدادات الطاقة ــ والثنائى الصينى والروسى) باعتبار أن إيران وتركيا هما شريكان بنسب متفاوتة لهذه القوى ولقوى «بيروقراطية معولمة عابرة للحدود القومية» فى رسم مستقبل الأمن والتنمية «فى الشرق الأوسط الكبير».

ما العمل؟
لا نبالغ لو اجتهدنا وقلنا إن لوحة هذا المشهد مقلقة وأحيانًا مفزعة إلى حد كبير، خاصة أنها مفتوحة على كل الاحتمالات. كما أنها محل نقاشات وتحليل ورصد سيناريوهات فى مراكز البحث والأكاديميا وصناعة السياسات فى عواصم كثيرة فى العالم فى حين يغيب التفكر والبحث فيها عن مؤسساتنا الإقليمية ومراكز البحوث والجامعات العربية وإذا حضر على استحياء وتثاؤب فإنه لا يبحث عن صمامات أمان وتقديرات مواقف جمعية رغم أن ما يجرى فى البيئة الدولية قد وضع جميع التشكيلات الجيوسياسية أمام اختبارات عسيرة.

يستغرب الصديق الدكتور محمد الرميحى فى مقال له قبل أيام «غياب أى جهد بحثى فى تطورات وتداعيات المشهد العالمى فى مؤسسة مجلس التعاون».

وأضيف إلى استغرابه ووجعه وأقول إن هذا الغياب يسود مؤسسة النظام الإقليمى العربى أيضًا، ويبدو أن كلتا المؤسستين الإقليمية والفرعية فى حالة جمود مؤسفة بعد أن اختلت شبكات التحالفات التقليدية> هل ستبادر مراكز بحث عربية مستقلة ودوائر تفكر وأكاديميا وصناعة سياسات ونخب فكرية تمتلك مخزونًا من التفكر الخلَّاق وتُحسن التفكير خارج «الصندوق» بدراسة واجتراح «رؤية لعالم عربى ما بعد الفوضى» والسيولة الدولية؟ وإجراء قراءات معمقة لحقائق «الساحة الجيوسياسية الواحدة» وشروط تجاوز المحن والأزمات والخلافات، ولقضايا «الحياد والانحياز أو الموقف الملتبس فى لعبة الكبار وحساباتهم والتوصل إلى صيغ مرنة ورشيدة للتكامل الإقليمى فى ظل ديناميات القوى والمصالح المتحركة وتبدل التحالفات القائمة على ترتيبات نفعية وأمنية متبادلة، وتطوير مقاربات منسجمة ومستدامة لرعاية عناصر أساسية فى القوة والمحنة الوطنية والقومية».

قيل «إن الرأى الصائب هو ثروة التفكير»، كما قيل أيضًا «إن الخروج من الصندوق لا يفيد طالما أن طريقتك فى التفكير لا تزال داخله».

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات