هذا مقال يجب أن يلعب دورا فاصلا فى عملية التأريخ للفن السينمائى فى مصر، هذا إذا كان لدينا مثل هذا النوع من الثقافة، وأيضا بكافة أشكال التأريخ فى حياتنا بأكملها، فلقد اعتدت على الرجوع لكافة المصادر المقروءة والمرئية لعمل بطاقاتى السينمائية منذ سنوات، وكنت حريصا على تحسين الأداء والبحث عن المجهول والاضافة بمعلومات مؤكدة، وفى كل مرة تصورت أننى اكتمل بعملى حتى اجهدت بصرى وتصورت انه حد الكمال، فماذا بعد عمل البطاقة الفيلمية للاستعانة بكل ما هو مكتوب على الشريط السينمائى، حتى اكتشفت أن الكثير من الأفلام التى نشاهدها تحتاج إلى خبرة خاصة ليست مدونة.
دعونا ندخل فى الموضوع، كنت أشاهد فيلما أحبه وأبطاله ومخرجه وفى البداية استمعت إلى الأغنية الرئيسية فى الفيلم يغنيها الفنان الراقص محمود رضا بطل حرامى الورقة من إخراج أخيه على رضا 1970، وهو العمل الثالث والأخير للممثل فى السينما، والمعروف أنه صاحب طلة وجاذبية ووسامة وكان المفروض أن تهتم به السينما وتقدمه فى اعمال اكثر، ولكنه اقتصر على بطولة ثلاثة افلام، منهاأجازة نص السنة وغرام فى الكرنك ثم جاء حرامى الورقة 1970 للاستفادة منه بعيدا عن استعراضات فرقة رضا لنراه كبطل فرد، يقوم بدور أحمد الفنان الصاعد الذى يشترى ورقة يانصيب من لص سرق الورقة بدوره من موظفة بسيطة فى أشد الاحتياج إلى المال، ويتخاصم الطرفان حول ملكية الورقة التى كسبت البريمو إلى ان يتفقا، قام بالبطولة نجلاء فتحى وعبدالمنعم إبراهيم وعادل أدهم وآخرون، لكن أين التأريخ هنا؟
تأتى الاجابة أننا أمام فيلم استعراضى، البطل فيه يؤدى استعراضات فردية يكشف عن مهاراته الفائقة فى الرقص بشكل يجعل منه متفردا امام الكاميرا بدون أى شريك إلا من ظهور عابر لزوجة اخيه الراقصة فريدة فهمى.. وفى بداية الفيلم يغنى أغنية طويلة نسبيا تحمل عنوان (يا أهل الحتة يا اهل الحى كتب كتابنا السبت الجاى)، وأعترف أننى طوال 52 سنة تعاملت مع الأغنية على أنها من غناء محمود رضا، باعتبار أنه هو الذى يغنيها ولكن هذا الصوت ليس أبدا صوت محمود رضا، وبدأت أبحث عن بيانات تفسر الموضوع، للأسف فإن معلومات ال جوجل الساذجة تشير إلى أن المطرب هو بطل الفيلم، لكن أبدا هذا هو صوت مطرب كبير مهم له مكانة فى حياتنا اسمه أحمد سامى صاحب الاغنية الشهيرة: وشك حلو عليا لو شفته الصبحية، وايضا (فى الفجرية)، بالإضافة إلى أغنية مليئة بالشجن باسم (ياحب ليه الظلم ده)،
مثل هذه الاغنيات لا يمكن ان تجعلك تخطئ فى معرفة أن صاحب الأغنية الحقيقى هو أحمد سامى، وأن رضا لم يكن أبدا مطربا، هذه الأغنية التى كتبها فتحى قورة ذهبت من صاحبها إلى شخص آخر تحمل اسمه، كيف تم هذا تحت السمع والبصر؟.. لا أحد يعرف، بالإضافة إلى أن مثل هذا الأمر قد يكون مكررا بالنسبة للمطرب أو لغيره مرة أو عشرات المرات، وهناك فى السينما الكثير من الاغنيات أداها نجوم أو نجمات بأصوات مربين أو مطربات آخرين ونسبت إلى النجم مثل اغنية (آه يا سلام على الهوا) التى غنتها نادية فهمى فى فيلم (الملاك الظالم)، وأيضا أغنية عشقت كتير التى غنتها هند رستم فى فيلم (الجسد)، والاثنان من إخراج حسن الأمام لكن لم يكتب أحد أبدا أن الغناء لهند رستم، ويبدو أن المطربة لم تكن بالجمال الذى يؤهلها للظهور على الشاشة، واكتفينا بسماع صوتها وهى التى شاركت عبدالحليم حافظ بالغناء الاذاعى فى بدايته.
أحمد سامى مطرب كبير لكن هل تنازل باختياره عن الأغنية، ورضى بهذا الغبن، وهل كان المقابل ماديا، فقط بحيث أن أغنية جميلة مثل هذه تضيع منه للابد وهو المطرب الذى ليس لديه رصيد عددى من الاغنيات، ولكن ما لدينا من تراثه، يؤكد أن هذا الصوت الذهبى يجب أن يكون خاتما موثوقا فيه داخل التراث الغنائى، واعترف أن هذا المقال يرد للرجل غيبته التى ارتضاها فى حياته، ولكن ترى كيف نعيد وضع الحقيقة فوق الأعنة، فمن الصعب إعادة كتابة المعلومة الناقصة على الفيلم، ولكن لدينا محطات اذاعية تذيع كافة أغانى المطرب باسمه دون هذه الاغنية، ولم يكن لنا الكتابة إلا لأنها أغنية شجية مؤثرة لكل من سمعها، فقط على أن أسجل الملحوظة دون أن أعرف كيف يكون الحل؟.