ما بعد ملحمة اليونسكو! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد ملحمة اليونسكو!

نشر فى : الإثنين 28 سبتمبر 2009 - 9:41 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 سبتمبر 2009 - 9:41 ص

 ليس يجدى أن يستمر هذا الجدل الصاخب الذى فجرته مشاعر خيبة الأمل بسبب خسارة فاروق حسنى فى انتخابات اليونسكو. فهناك دروس يجب أن نتعلمها للدخول فى المعترك العالمى والخروج منه بسلام ودون خسائر أو بأقل الخسائر الممكنة.

وعلى الرغم من أن لمصر تاريخا طويلا وتجربة ثرية لا ينافسها فيها كثيرون فى مجال الدبلوماسية والتعامل مع المنظمات الدولية والإحاطة بألاعيبها وأساليبها، فإن الاتجاه الذى غلب على السياسة المصرية خلال السنوات الأخيرة، من الاعتماد على القرارات الفردية أو الفوقية بمعنى أصح، والتى يرجع فيها إلى إرادة شخص واحد فقط فى كثير من المجالات والمشكلات..

فضلا عن الميل إلى اتخاذ مواقف سلبية بدلا من انتهاج سياسات تستند إلى أهداف مرسومة، قد أفضى إلى الوقوع فى أخطاء كثيرة. وكان من بينها قرار الدفع بترشيح فاروق حسنى إلى حلبة اليونسكو، بغير التحقق من المواءمات والملاءمات الدولية التى تضمن له أكبر فرص للفوز أمام منافسيه.. وبغض النظر عن المؤهلات والمزايا الشخصية التى ميزت فاروق حسنى كفنان محترف ووزير للثقافة طوال أكثر من عشرين عاما.

لقد أبدى البعض دهشته من مواقف بعض دول أوروبا وأمريكا لما حدث فى معركة اليونسكو.. إلى حد اتهام دول أوروبية بأنها تآمرت ضد المرشح المصرى فى الجولة الأخيرة وعقد مندوبوها اجتماعات لهذا الغرض. وبعضها وبالذات فرنسا وإيطاليا تراجعتا عن التصويت له بعد أن كانت قد صوتتا له فى الجولات السابقة.

وقيل إن سلوك الدول الأوروبية اتسم «بتسييس» المعركة. مع أن اليونسكو بطبيعتها منظمة سياسية دولية تتخصص فى شئون الثقافة والتعليم والعلوم على مستوى الشعوب والثقافات.

لن نقف طويلا أمام اليونسكو وفاروق حسنى، بل الأجدى أن ننظر إلى المزاج العام الذى يحكم أوروبا الآن، والذى جمع صفوف الدول الأوروبية حول موقف موحد إزاء معركة اليونسكو، لنرقب كيف تغيرت البيئة الأوروبية السياسية نحو مزيد من التشدد والعنف إزاء العرب والمسلمين، وكيف تضمحل وتتلاشى الاتجاهات والمبادئ، التى روجت لها أوروبا فى وقت من الأوقات، من الدعوة للتعايش والتسامح والحوار بين الثقافات، وهو ما أدى إلى ظهور نزعات عنصرية عصبية لا تطيق مجرد وجود مهاجرين أو أجانب، وبالأخص هؤلاء القادمون من شعوب عربية وأفريقية.

وبينما كانت بريطانيا ــ مثلا ــ من أكثر الدول الأوروبية تسامحا ومرونة فى التعامل مع الأقليات، انضمت إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا فى تشديد القوانين واتخاذ إجراءات متشددة سواء فى الدخول إليها أو العبور منها أو الإقامة فيها.

وبغض النظر عن الموجات المتلاحقة من العنصرية وسوء المعاملة التى تظهر كالفقاقيع على سطح المجتمعات الأوروبية، وتعبر عن نفسها أحيانا فى حوادث فردية، مثل حادث مقتل مروة الشربينى على يد ألمانى من أصل روسى، أو فيما يتعرض له سكان الضواحى الفقيرة فى فرنسا من الأجانب، وربما يرجع بعضها إلى عجز هذه الأقليات عن الاندماج فى مجتمعات الغرب، فإن تورط أمريكا وأوروبا فى حرب أفغانستان، وما يبدو من عجز جيوش سبع دول تنتمى إلى حلف الأطلنطى عن إنزال الهزيمة بطالبان، قد أحيا فى الشعوب الأوروبية إحساسا بالمهانة والغضب ليس فقط على حكوماتها، التى انزلقت إلى مستنقع الحرب.

وأصبحت نشرات الأخبار لا تخلو يوميا من سقوط جنودها فى معارك مع طالبان، أو وقوع عمليات انتحارية يذهب ضحيتها المدنيون من هذا الشعب الفقير، الذى يقف فى وجه جيوش على أحدث ما يكون من العدة والعتاد. وقد أصبحت المطالبة بالانسحاب من أفغانستان من أهم المطالب فى عديد من المعارك الانتخابية.

وربما كان هذا هو السبب فى الاختلاف الذى طرأ على المزاج الأوروبى، الذى تغير عما كان عليه أثناء حكم اليمين الجمهورى فى إدارة بوش.

إذ حرص أوباما على تنسيق السياسات الأمريكية مع حلفائه الأوروبيين، سواء فيما يتعلق بالسياسات الدفاعية فيما يعرف ببرنامج الدرع الصاروخية، أو فى مواجهة الأزمة المالية بكل تداعياتها، وقد بدا التنسيق واضحا فى اجتماعات قمة العشرين أخيرا، حين تم الاتفاق على تحويلها إلى منتدى للاقتصاد العالمى يديره الكبار ولا تجد فيه الدول النامية مكانا للدفاع عن مصالحها.

غير أن التحالف الأمريكى ــ الأوروبى بدا أكثر قوة وصرامة فى المواجهة مع إيران.. وقد حملت الصور مشهد أوباما فى المقدمة، وخلفه جورج براون رئيس وزراء بريطانيا، ثم الرئيس الفرنسى ساركوزى، يقفون أمام المنصة صفا واحدا كأنهم بنيان مرصوص، يكررون بعبارات متشابهة تهديداتهم لإيران ويتوعدونها بسبب ما كشفت عنه عن بناء مفاعل ذرى ثانٍ لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، لم تعرف عنه المخابرات الأمريكية شيئا، وهو فيما يبدو ما أثار حفيظة الغرب ليغدو أكثر تصميما.

وإذا كان هذا التنسيق الذى يعبر عن استراتيجية جديدة، قد ظهرت مخالبه بوضوح فى لعبة صغيرة مثل انتخابات اليونسكو لإبعاد مرشح مصرى عربى قد يمثل عقبة فى التعامل معه، فلا أعتقد أن مثل هذا التنسيق سوف يعمل عمله أو تظهر أنيابه إذا تعلق الأمر بالشرق الأوسط أو بالضغط على إسرائيل لحملها على وقف الاستيطان وتنفيذ قرارات الرباعية الدولية.

هذا هدف يظل بعيد المنال. ودونه عقبات وتعقيدات لن يكون من السهل التغلب عليها حتى فيما بين الحلفاء.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات